ظواهر سلبية فى الشخصية المصرية
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

ظواهر سلبية فى الشخصية المصرية

 فلسطين اليوم -

ظواهر سلبية فى الشخصية المصرية

بقلم : فاروق جويدة

كلنا يتحدث عن ظواهر سلبية وأمراض سلوكية وأخلاقية وفكرية أصابت الشخصية المصرية.. لا يوجد بشر في العالم بدون سلبيات ولا يوجد إنسان بلا خطيئة ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر ولكن حين تطفو على السطح مرة واحدة هذه الظواهر الفجة ما بين الفساد وانحراف الأخلاق والتحرش وزنا المحارم وانحراف سلطة القرار والسطحية الشديدة في تناول القضايا والعجز عن إيجاد صيغة لحوار مترفع ورفض الآخر والتعصب في الرأى والعقيدة حين تصبح كل هذه التجاوزات زادا يوميا في السلوك فلا بد أن نناقش ما استجد من التغيرات في الشخصية المصرية.

إن البعض يرى أن هذه المتغيرات السلبية ظهرت بعد ثورة يناير التى كشفت المدى الذى وصلت إليه في سلوكيات الإنسان المصرى من التراجع والفوضى.. وهناك من يرى أن الواقع الاجتماعى بفقره ومظاهر الخلل التى أصابته أمام غياب العدالة هى التى انعكست على حياة الناس وسلوكياتهم.. بينما يرى البعض الآخر أن المجتمع المصرى كان دائما من القوة والتماسك بحيث كان مؤثرا في الآخرين وحين ضعفت المناعة في هذا الجسد العفى كان من السهل اختراقه بكل ما ظهرت فيه من السلبيات الوافدة.. وهنا يمكن أن نقول أن هذا المجتمع حين تخلى عن الكثير من ثوابته الثقافية والحضارية المترفعة والأصيلة كان معرضا لأن يكون أرضا خصبة للكثير من الأمراض الاجتماعية والأخلاقية والفكرية التى استباحت ساحته.

لم يكن المصريون يوما بهذه الأنانية المفرطة التى انتشرت في كل طبقات المجتمع وكان الإنسان المصرى يقدم النموذج والقدوة في العطاء والانتماء كان الأغنياء يحصلون على المال ولكن الفقراء كان لهم نصيب من خيرات الوطن وكان التميز والتفوق من أهم أسباب النجاح في حياة الإنسان كانت هناك مفارقات ولكن العدالة دائما كانت تفرض نفسها ليس بالقوانين فقط ولكن بالثوابت من الأخلاق والقيم.. كانت موائد الأغنياء تملأ الساحات ولا تنسى احتياجات الفقراء ولكن أغنياء هذا العصر لا يسمعون أصوات الفقراء ولهذا كان من السهل أن تختل موازين العدالة ويزداد الأغنياء جشعا ويزداد الفقراء احتياجا..

لم يعرف المصريون الشطط في الفكر والعنف في السلوك والتطرف في العقيدة وكانت هناك شطحات فردية لم تتجاوز حدود قلة من الأفراد وان بقيت في إطار من الحوار وتبادل الافكار..

كان من السهل ان تجد كاتبا أو مبدعا تجاوز في قول أو رأى ولكن المجتمع كان دائما قادرا على تصحيح مساره.. في الأربعينيات مثلا ظهر كتاب عنوانه لماذا أنا ملحد.. وكانت النخبة قادرة على أن ترد بالحكمة والموضوعية على هذا السؤال.. ولم يتحول الأمر إلى دم وعنف ومذابح.. وقد ارتقى الإبداع المصرى حتى وصل إلى درجة من الوعى تجعل الإنسان يعبر عن رأيه بكل الصراحة دون أن يسقط في متاهات الترخص أو الابتذال حتى أن الرمزية في الإبداع المصرى وصلت إلى آفاق من القدرة والشفافية جعلت من كتابنا ومبدعينا الكبار نماذج رفيعة في الصدق والإقناع والمواهب.. لقد قاوم المصريون الاستبداد في كل مراحله وعصوره وكانت لديهم القدرة أن يواجهوا أدواته الفكرية في سلطات حكم جائر أو عواصف زمن مستبد.. وقاوم المصريون كل ما هدد هويتهم ولغتهم وثوابتهم وعقائدهم وخرج الغزاة من مصر كما جاءوا وبقى الإنسان المصرى محافظا على رصيده الحضارى والفكرى والدينى دون ان يعبث فيه احد..

إن مصر الآن تشهد تحولات غريبة في سلوكيات الشارع وعقول الصفوة وما بين شارع فقد أهم مقومات تماسكه وصفوة فرطت في أجمل ثوابتها أصبح من السهل أن تعصف بنا أى رياح وافدة..لم تعد لنا هوية مع الإبداع الجميل والفن الراقى..ولم تعد بيننا قواعد للحوار مع الآخر وما يقال وما لا يقال وتحول المصريون إلى حشود تتبادلها فوضى الفكر وثقافة الزحام..حاول أن تجلس أمام شاشات التليفزيون لتشاهد ما يجرى من الحوارات وتسأل نفسك ماذا أضافت وتكتشف أن الفراغ يواجه الفراغ وأن السطحية أصبحت سمة من سمات مجتمع كان يوما مصدرا للعمق والفكر والأصالة..حاول أن تتابع ما يجرى في مصر من أنشطة فنية أو ثقافية أو حتى علمية إنها ايضا ثقافة التكدس والزحام والفوضى..إنها ثقافة الأعلى صوتا والأكثر ضجيجا أما صوت العقل والحكمة فهى في عزلة تامة أمام مجتمع لم يعد يقدر قيمة الوقت والزمن والقيمة..

لا أدرى منذ متى أصابتنا لعنة السفر إلى الماضى إن الشعوب الحية تسافر دائما وراء المستقبل تبحث عن مكانتها فيه..لا أحد ينكر ماضيه ولكن لا قيمة للماضى إذا لم يكن درسا من دروس الحياة والتجارب ولا أحد يهرب إلى ماضيه مكتفيا بذلك إلا إذا كان العجز أصابه وبدد طاقته.. وللأسف الشديد نحن الآن ننقسم إلى أكثر من فصيل هناك من وجد في الماضى وسيلة للهروب من واقع مؤلم فترك نفسه للخيالات والذكريات والحكايا وهناك من كره الماضى وقرر أن يدمر كل شىء فيه وكلاهما خاصم المستقبل وحرم نفسه ووطنه وحياته من أن يعيش العصر وينعم به.. أحيانا تجد إنسانا قرر أن يتخلص من كل الماضى بحثا عن حاضر أفضل وفى صخب الكراهية قرر أن يحطم كل الرموز ويخنق كل الأصوات ويشوه كل الرؤى..وقد تجد شخصا اخر ترك عقله لهذا الماضى وتصور أنه يغنيه عن كل شىء والتقى عشاق الماضى وكارهوه في محطة واحدة هى الجمود والتخلف رغم كل مظاهر التناقض بينهما.. إن المتشددين في الحرص والمتشددين في الرفض يمكن أن يلتقيا حول أطلال هذا الماضى بدوافع الحب أو الكراهية وكلاهما يعيش خارج عصره وزمانه ولا يرى أن الأحق والأجدر بالرفض أو القبول هو المستقبل والحاضر الذى نعيش فيه.

هناك شعوب كثيرة أحبت ماضيها وحافظت عليه ولم تفرط في حاضرها الذى تحياه أو مستقبلها الذى تحلم به..إن هذه الانقسامات في الفكر والمواقف والرؤى تجعل البعض منا يرفض الحاضر ومعه يرفض الآخر لأنه يدفع به إلى المستقبل.. إن أطلال الماضى تاريخ جميل نحكيه لأبنائنا ولكن آفاق المستقبل هى الزمن والإمكانيات والعصر الذى سيعيش فيه أبناؤنا.. إن هذا الآخر جزء من هذا الحاضر وهو كل المستقبل ولا يعقل أبدا أن ينفصل الإنسان عن الزمن والعصر الذى يعيش فيه..

إن اخطر ما يواجه المصريين الآن هى محنة الانقسامات في الفكر والوضع الاجتماعى والثقافى حتى وصلت الأحوال إلى انقسامات بين أبناء الدين الواحد.. لو قلت يوما أن بين حشود داعش شبابا مصريا لما صدقك احد ولو قلت أن هناك انقسامات بين أبناء الأسرة الواحدة لما سمعك احد ولكن الحقيقة أن هذا هو الواقع المصرى فكرا ودينا وثقافة..

إن البعض يرجع ذلك كله إلى فساد التعليم وتراجع المستوى الثقافى والأمية وثقافة الزحام والتكدس ولكن وراء ذلك إهمالا متعمدا لثقافة هذا المجتمع من مؤسسات الدولة.. في فترات قصيرة جدا من عمر المصريين شهدت مصر حركة ثقافية واعدة وواعية وكان آخرها عهد ثروت عكاشة حين كانت الثقافة تزين وجه مصر الحضارى.. ولكن الأمراض التى أصابت العقل المصرى كانت نتاجا لمجتمع كره الثقافة ووضع المثقفين في أسفل درجات السلم الاجتماعى.. إن الدولة التى تجعل المثقف آخر اهتماماتها تخسر الكثير من مقومات وجودها أمام العالم وأمام شعبها وهذا ما حدث في مصر حين جاءنا حكام يكرهون الثقافة ولا يعترفون بها.

من هنا نعود إلى أول الحديث وهو أننا فرطنا في أشياء كثيرة من مقومات هذا المجتمع كان إهمال الثقافة أول الخطايا وكان الانقسام الاجتماعى والفئوى والاقتصادى والفكرى من اخطر الظواهر السلبية في حياة المصريين حين تصبح الثقافة هماً من هموم الدولة مثل النقل والطرق والكبارى والعشوائيات سوف يعود التوازن إلى الإنسان المصرى في سلوكياته وثوابته.. كانت الثقافة هى الجواد الرابح في تاريخ مصر إشعاعا وحضورا وحين غابت الثقافة كان من الضروري أن تغيب مصر..إن الجميع يتحدث عن القوة الناعمة والواقع يقول إننا خسرناها بأيدينا وان ما بقى منها هزيل والكثير منه مزيف لأن المناخ كان مشوها ومزيفا ورخيصا..

إن الأمراض التى أصابت الشخصية المصرية في السلوك والأخلاق والتأثير كانت نتيجة إهمال مقصود وإذا أردنا أن نعيد للشخصية المصرية بريقها وحضورها وتوازنها فعلينا أن نعيد للثقافة مكانتها في المجتمع وسط هذا الزخم الشديد من السطحية والعشوائيات في كل شىء..

مصر المثقفة هى مصر الباقية وكل رموزنا العظيمة كانت هى الرصيد الباقى لهذا الشعب ومن أراد أن يبدأ فعليه بالثقافة لأنها الميراث الذى لا ينافسنا فيه احد والتاريخ اصدق الشاهدين .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظواهر سلبية فى الشخصية المصرية ظواهر سلبية فى الشخصية المصرية



GMT 03:09 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

مزادات مضروبة

GMT 09:15 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

ما هى أسباب العنف فى الشارع المصرى؟

GMT 05:02 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

مظاهرة حضارية فى شرم الشيخ

GMT 04:12 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

حتى يضىء عقل مصر

GMT 04:50 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

الصناعة هى المستقبل

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 07:26 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"السرطان" في كانون الأول 2019

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:58 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

محمد رمضان يتحدّى منافسيه بفيلمه "هارلي"

GMT 08:30 2016 الأحد ,10 إبريل / نيسان

الشمر للتخسيس وعلاج الإمساك وعسر الهضم

GMT 04:46 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

أفكار مبتكرة للفواصل في ديكور المنازل العصرية

GMT 12:47 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفضل وأهم المطاعم في الكويت

GMT 15:37 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

يوليا جورج تقصي كارولين فوزنياكي في بطولة "أوكلاند" للتنس

GMT 17:58 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الضابطة الجمركية تضبط 730 كروز سجائر ومعسل مهربة

GMT 02:35 2017 السبت ,01 إبريل / نيسان

إعادة افتتاح تيت سانت آيفيس على شاطئ بورثمور

GMT 07:19 2019 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على طريقة تنسيق اللون البيج مع الحجاب

GMT 17:52 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

منتجع "المها" فخامة عربية في صحراء دبي

GMT 23:07 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الأزهر يدين التفجير الانتحاري في نيجيريا

GMT 23:20 2014 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

السمك "رامي السهام" يتقدم على الإنسان في التصويب
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday