آخر حبّات العنقود وأوّلها
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

آخر حبّات العنقود وأوّلها

 فلسطين اليوم -

آخر حبّات العنقود وأوّلها

بقلم - حسن البطل

لمّا جاء باص الطناطرة، مدربكين مضجين هازجين، إلى أول زاروب بيت مصباح  ومريم وأولادهم، اختبأت وفيقة هلعة خلف باب المطبخ، ليس مثل ما كانت في صغرها تختبئ مني ومن أخي الصغير سعيد في لعبة "الغمّيضة".

جاء الطناطرة (الطنطورة جارة طيرة حيفا إلى شمالها) ليطلبوا يد أصغر شقيقاتي الإناث، وأجملهن إلى قريبنا أسعد عباس.

كانت ستي البطل، عميدة سن آل البطل، تضاهي حفيدتها وفيقة في حُسن جمالها، تأتي من الشام إلى دوما، محنية الظهر، متوكئة على عصاتها، لتزور ابنتها، أمي مريم عباس.

لعشرات من السنين، في الطيرة وسورية، كانت المصاهرة هكذا: أم ستي البطل تزوجت رجلاً من بيت عباس، وأبي مصباح تزوج أمي مريم من بيت عباس، وأخي الأكبر حسين البطل تزوج عائشة من بيت عباس.

هكذا، كانت ذراري هذه الزيجات تأتي خليطاً من زرقة عيون، وشقرة شعر، وبياض سحنة آل البطل أو سود عيون وشعر وسمارة داكنة لسحنة آل عباس، حسب قوانين مندل الوراثية.
كانت شقيقة وفيقة الأكبر، آمنة، تشبهني في انتمائها إلى الفرع العباسي. السيد أسعد يريد يد الشقيقة الأصغر ذات العيون الزرق والشعر الذهبي، التي اختبأت مذعورة خلف الباب، فقد كانت في ربيعها الرابع عشر.

كانت زيجة وفيقة وعباس الأطول عمراً بين زيجات شقيقاتي وأشقائي، ثم كان رحيلها في السعودية، آخر عقدها السابع، قد تركني آخر العنقود من أشقائي وشقيقاتي، وأما الحبة الأصغر في العنقود، أخي سعيد (أبو مشهور) الفدائي، فقد كان أول من غاب.

كان اسعد وشقيقاه سعيد و"أبو ماجد" يعملون في السعودية، أول سنوات اللجوء، كما عمل أخي عبد الرحمن هناك، فترة وجيزة في الخدمات الصحية لشركة "ارامكو" النفطية، وطرد لانتمائه للحزب السوري القومي.

عاد زوج وفيقة مع زوجته، منذ خمس سنوات، بعد تقاعده، ليكون وزوجته قرب أكبر أولاده، الذي يعمل طبيباً في السعودية. لماذا؟ لأن أسعد هرم، ولأن دوما صارت أرض حرب، أتت بالخراب على بيته في دوما.

أبي خلّف أربعة ذكور وأربع إناث، طواهم الموت الذي طواه وأمي، وبعد وفاة أخوي في أول عقدهما الثامن، صاروا في الشام ينادونني: عمي وخالي.. ثم "عميد آل البطل".

الآن، بقيت آخر العنقود، ولعل قلمي "الموعمد" أكثر من اربعين عاماً، جعل بعض الزملاء يدعونني "عميد الصحافة" الفلسطينية، بينها نصف قرن من رفقة السيكارة، إدمان بلا شراهة، لرفقة القلم والسيكارة.

بعد صورة عادية للصدر، طلبوا صورة طبقية: عضلة القلب قوية، شرايين القلب سليمة، لكن إذا لم أطلق السيكارة والقلم، فقد أصاب بانسداد رئوي بعد عشرين عاماً. قلت للطبيب: تكفيني عشر سنوات أخرى، وسنة أخرى من رفقة القرطاس والقلم.

أسعد غادر الدنيا، هرماً، قبل عام من مغادرة زوجته لها. عندما تقدم سوري ـ علوي ـ شيعي لطلب يد ابنته نبيلة، احتج و"زعبر" ثم رضخ، وكانت زيجة الابنة سعيدة وطويلة، كما كانت زيجته هو سعيدة وطويلة.

شقيقاتي الثلاث: زينب، التي رحلت قبل عام، وآمنة التي رحلت قبلها بسنوات بالسرطان، ووفيقة كنّ "ستات بيوت" يعددن أشهى الأطباق الفلسطينية والشامية، وأولادهن شبوا مهندسين وأطباء ناجحين، وتبعثروا في اركان محيط طوق من 360 درجة من محيط الكرة الأرضية؛ توزعتهم المنافي "أيدي سبأ".

الآن، آخر حبات عنقود مصباح ومريم، أو عميد السن لآل البطل، أو عميد أعمدة الصحافة الفلسطينية سيكتب بعد رحيل وفيقة، ربما آخر المراثي، فقد كتب قلمه عشرات منها في فلاش، وأخرى في السيرة، والمكان الفلسطيني، ومجريات الانتفاضة الثانية. تعبت، أو "تعب الرثاء من الرثاء" يقولون عن ذكر مات دون "خلفة": انقطع حرثه ونسله، لكن حرث ونسل أبي وأمي لم ينقطع، منذ صرت، كما صارت شقيقاتي وأشقائي الراحلون قبلي جدوداً مثلي.

لا أعرف كم اسماً ونعتاً لجذر كلمة "الموت" لكن في شبكة "الكلمات المتقاطعة" التي أُدمن على حلها، هناك حرفان "حق". "إنك ميت وإنهم ميتون". "إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".

جميع أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد، من ذراري مصباح ومريم أصدقاء على الشبكة العنكبوتية، وعليها تأتي الأخبار السارة والحزينة في "الوقت الافتراضي".

طيرة ـ حيفا تخلو من آل البطل، والبلدة التي كانت تخلو من غير العرب، صار فيها عائلة طيراوية واحدة، من آل الأبطح، الذين شُرِّدوا في بلاد الشام والعراق، ثم شُرِّدوا في أصقاع الأرض. وحدي مع ابن عمي محمد غير اللزم في غزة عدت إلى أرض البلاد، وحظينا بزيارة مسقط رأس آل البطل.

وداعاً للحبة قبل الأخيرة من عنقود مريم ومصباح. شقيقتي وفيقة التي اختبأت خلف باب المطبخ لما جاؤوا يطلبون يدها من أبي، فقد ربّت أولادها وحملت أحفادها، وأحسنت إعدادهم لحياة مستمرة، بعناقيد أخرى لآل البطل وكروم عنب للشعب الفلسطيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر حبّات العنقود وأوّلها آخر حبّات العنقود وأوّلها



GMT 11:22 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

"تابلو" على الحاجز

GMT 09:31 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الاسم: فيصل قرقطي

GMT 10:32 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

خوف صغير!

GMT 11:21 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

«في القدس جيل مختلف»!

GMT 13:09 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

«كنيسة من أجل عالمنا»!

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 12:35 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 10:08 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 10:00 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 07:23 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

الصحف.. و"كورونا" في زمن "حماس"

GMT 04:20 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

معاوية محمد نور رائد الحداثة الأدبية الفكرية في السودان

GMT 14:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

ابرزي جمالك بالتوربان مع هذه اللفات العصرية الأنيقة

GMT 08:43 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تويتر تطلق سياسة جديدة بشأن التغريدات المخالفة المحذوفة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday