لندن - سليم كرم
نشأ الأرجنتيني كارلوس تيفيز في الأحياء الخطرة لمنطقة "فويرتي أباتشي"، في بوينوس أيريس، وسط فقر يمنعه من شراء حذاء جديد، ليصبح خلال ثلاثة عقود اللاعب الأعلى أجرُا في تاريخ كرة القدم.
في 32 عامًا، قطع المهاجم الدولي الأرجنتيني شوطًا طويلاً، أشبه بالاحلام، تخللته مسيرة احترافية في أوروبا، ثم الانتقال من بوكا جونيورز إلى شنغهاي غرينلاند الصيني، حيث سيتقاضى راتبًا سنويًا يناهز 40 مليون يورو، وهو أعلى راتب للاعب في التاريخ، علما بأن آخرين يحققون دخلا سنويًا أكبر، لكنه يكون مزيجا من راتب وعقود إعلانية وغيرها.
إلا أن درب "تيفيز" لم يكن على الدوام مفروشًا بالورود والأموال، فبعدما هجره والداه، تبناه قريبه سيغوندو تيفيز، الذي اعتاد الطفل سريعًا على مناداته "بابا"، وبفضله تمكن "كارلوس" الصغير من البقاء بعيدًا عن يوميات العنف والدم في أحياء منطقته، والتي كانت تنعكس سلبًا على كل المحيطين به من أفراد العائلة والأصدقاء.
وقُتل أقرب أصدقائه برصاصة في الرأس، في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، أعقب عملية سطو مسلح على كازينو في المدينة. وكانت إحدى المحطات المؤثرة في حياته في تشرين الثاني / نوفمبر 1989، عندما كان لا يزال في السادسة من عمره.
قرع مدرب فريق أول بويز للناشئين، نوربرتو بروباتو، منزل باب "سيغوندو"، محاولاً إقناع الأخير بالسماح لابن شقيقه بالانضمام إلى مدرسة كرة القدم التابعة للنادي، لكن "سيغوندو" لم يكن يملك ثمن شراء حذاء رياضي للطفل.
وبعد 12 عامًا، عاد "تيفيز" من حصة تدريبية مع نادي بوكا جونيورز، ليجد أن "سيغوندو"، عامل البناء الفقير، قد باع المنزل بسعر متدن، وخسر عمله أيضًا، في خضم ازمة اقتصادية خانقة. وكافح الرجل وزوجته لإطعام أولادهما الخمسة، إلا أن الشاب "كارلوس" كان يحمل بعضًا من الأمل للعائلة، إذ بات يحصل على أجر شهري يوازي 200 دولار أميركي.
وولد تيفيز لأب يدعى خوان كارلوس كابرال، وأم تدعى فابيانا مارتينيز، ولم ينس يومًا جميل سيغوندو تيفيز، الذي منحه اسمه ورعايته. ويقول كارلوس بيانكي، المدرب الذي أحرز تحت قيادته "تيفيز" غالبية ألقابه مع بوكا جونيورز، إن نجاح اللاعب سببه "كبرياؤه وتصميمه".
ويضيف: "عليك أن تراه يركض في الملعب لتفهم، كان مختلفًا عن الآخرين، يقاتل على كل كرة وكأنها الأخيرة، هو متعطش دائمًا". وتبدو على "تيفيز" ندوب الطفولة القاسية، سواء كانت نفسية أم حتى جسدية، وتظهر جليًا على عنقه آثار حروق تسببت بها مياه ساخنة، هو لم يزل في سن التاسعة، تطلبت تمضيته شهرين في المستشفى.
وأطلقت عليه كنيات عدة، منها "الأباتشي" (وهي تسمية تجمع في الوقت نفسه بين المنطقة التي نشأ فيها والمروحية القتالية الأميركية)، إضافة إلى "لاعب الشعب" و"كارليتوس". ورغم أن "تيفيز" أظهر، خلال مسيرته، ميله لاتباع قلبه بدلاً من مصالحه المالية، يبدو انتقاله إلى الصين مخالفًا لهذا التوجه.
فالمهاجم الثلاثيني ترك نادي طفولته، حيث كان يتقاضى راتبًا سنويًا يناهز مليوني يورو، وانتقل إلى الصين، ليتقاضى أضعافه. وعاد "كارليتوس" إلى بوكا في 2015، بعد مسيرة احترافية أوروبية، دافع فيها عن ألوان أندية بارزة، مثل مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي الإنجليزيين، وبطل الدوري الايطالي يوفنتوس.
وبعد عودته إلى بلاده، قسم "تيفيز" وقته بين منطقة "لا بوكا" الراقية، في بوينوس أيرس، حيث منشآت النادي، وقصره في حي أيسيدرو الفخم. وتحول الطفل المقيم في عالم من الفقر والأحياء التي تشهد اشتباكات مسلحة بشكل يومي، إلى ثري يشتري المنازل لصالح أفراد عائلته، ويزاول رياضة الغولف، ولا يخفي حبه للسيارات الفارهة.
إلا أن كل ذلك لم يُنسه المحتاجين، إذ إنه يتبرع دومًا للجمعيات الخيرية. وتزوج "تيفيز"، هذا الشهر، من صديقته، وأم أولاده الثلاثة، فانيسا مانسيل، في حفل زفاف أقيم في أوروغواي، إلا أن منزله تعرض للسرقة أثناء غيابه، في استعادة للحياة الخطرة التي ابتعد عنها، لكنها لم تفارقه.
أرسل تعليقك