رام الله - فلسطين اليوم
يواجه الوالدان أحيانًا صعوبة في التفاهم مع أبنائهم، وغالبًا إما ينشب شجار بينهم وإما يستسلمون أمام تعنت الأبناء، فلكل واحد منهم طباعه الخاصة، فهناك المراهق الذي يبحث عن استقلاليته، وهناك الطفل الصغير الذي يريد أن يحوز امتيازات شقيقه الأكبر، وهناك البنت المشغولة بالمحادثة مع صديقاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى اختصاصيو التربية وعلم نفس المراهق أن من الطبيعي أن يختلف الأبناء في ما بينهم من حيث الشخصية والطباع حتى ولو كانوا أشقّاء، ولكن هناك قواعد تربوية عامة، يمكن أن تكون المفتاح السحري للولوج إلى عوالهم.
إذ إن أسباب معظم الصعوبات التي يواجهها الأهل مع أطفالهم، عدم قدرتهم أحيانًا على معرفة ما يدور في خلد الأبناء أو ما الذي يزعجهم ويجعلهم غاضبين، فيحدث سوء فهم مما يوتّر العلاقة بينهم .
ولكل مرحلة من سن الأبناء مفتاحها
يجد الأهل صعوبة في التواصل مع أبنائهم المراهقين. فهم يكررون الطلبات والأسئلة ولكن ليس هناك من آذان صاغية، ما يؤدي إلى مشكلات وخلافات ينتج منها تشدّد الأهل وإصرار الأبناء على مواقفهم الرافضة.
يرى علماء النفس أن ازياد صعوبة التواصل بين الأهل والمراهق سببه نمو الطفل السريع. فالمراهق لديه الحرية والقدرة على الاهتمام بشؤونه الخاصة والقيام بالأمور التي لم يكن يستطيع إنجازها عندما كان طفلاً.
فهو يمكنه مثلاً صفق الباب ليعبّر عن غضبه، كما يمكنه مقاطعة أهله أيامًا للتعبير عن استيائه ورفضه للأمور. ولتجنب سوء الفهم الذي غالبًا ما يحصل بين الأهل وابنهم المراهق، وتحسين العلاقة بينهما.... هذه القواعد يمكن أن تكون مفتاح ولوج الأهل الى عالم ابنهم المراهق:
1 إظهار الحزم والاحترام في آن
يتجاهل المراهق ما يُطلب منه، وترداد الأوامر على مسمعه لا يجدي نفعًا. فعندما يقول الأهل مثلاً «كم مرة قلت لك أن تخفّض صوت الموسيقى»! يعتقد المراهق أنهم قد طلبوا منه ذلك مرة أو مرتين، ويستمر في الاستماع إلى الموسيقى بصوت عالٍ.
لذا من الأفضل للأهل التعبير عن ذلك بلهجة حازمة، وفي الوقت نفسه تتضمن مفردات لبقة تشعره بالحرج من تصرفه وعدم اكتراثه، كأن يقولوا مثلاً «أخفض صوت الموسيقى لو سمحت» عوضًا عن القول «كم مرة طلبت منك خفض صوت الموسيقى أيها الغبي»... فهذا يستفزه ويجعله يدافع عن نفسه بشكل عنيف، وبالتالي لا يكترث لطلبات أهله.
2 التأكيد أن كل أمر يقتضي تنفيذه فعليًا
يحمل تكرار الأوامر المراهق على عدم الإصغاء واللامبالاة بكل ما يطلب منه. ويؤدي هذا إلى انقطاع الاتصال بينه وبين أهله.
فبقدر ما تكون مشاعرهم تجاهه غير واضحة، يهمل الأوامر التي يملونها عليه، معتبرًا أن أهله لا يكونون جديين إلا عندما يكررون الأمور التي تخصّهم، وهذه عادة سيئة. ما يجب على الأهل فعله عوضًا عن التكرار، أن يؤكدوا أن كل طلب ينبغي أن يتبعه فعل.
فعوضًا عن أن يقولوا له مثلاً «أنهِ فروضك»، عليهم أن يقولوا «سوف تخرج عندما تكون قد أنهيت فروضك» من دون أن ينسوا الثناء عليه في كل مرة ينفذ فيها ما يطلبونه منه.
3 جذب انتباهه
كثيراً ما تطلب الأم من ابنتها ترتيب غرفتها أثناء انشغالها بالتحدث مع صديقتها، فتهز رأسها موافقة على القيام بذلك لا حقًا. وهذا رد فعل عفوي لا يعني أنها ستقوم بذلك فعليًا، لأن الراشدين يتصرفون بالطريقة نفسها إذا كانوا منهمكين في أمر ما. لذا على الأم ألا تفاجأ عندما تقول ابنتها إنها لا تتذكر ما طلبته منها، لأنها تقول الحقيقة.
والذي يجب فعله عندما تطلب منها أمراً أثناء تركيزها على أمر آخر، هو أن تربّت على كتفيها لجذب انتباهها إلى ما تقوله.
4 عدم مناقشته تحت وطأة الغضب
ينتهي رد فعل الأهل الغاضب تجاه فعل غير سوي قام به المراهق إلى مناقشة حادة تزيد المشكلة بينه وبين أهله تفاقمًا. ويحاول المراهق التعبير عن استيائه ورفضه لكل ما يطلبونه منه وإن كان يصب في مصلحته.
لذا على الأهل أن يتحلّوا بالصبر وببرودة الأعصاب، وألا يناقشوا ابنهم في اللحظة ذاتها التي يقوم فيها بفعل غير سوي، بل عليهم أن ينتظروا اليوم التالي ويناقشوه بهدوء كي يحصلوا على مبتغاهم.
أما الأبناء الصغار فتختلف تصرّفاتهم وبالتالي قواعد التعامل معهم. وهذه بعض تصرفات الطفل التي يمكن فهمها والتعامل معها بشكل يسمح للأهل الولوج في عالم الطفل.
تغيّر مفاجئ في السلوك
يتصرف الطفل عمومًا كأنه مركز العالم، ويعمل على لفت انتباه المحيطين به. فهو في حاجة إلى الشعور بالحب والأمان العاطفي. وعندما يشعر بأن استقراره العاطفي مهدد، قد يتصرف في شكل غريب يفاجئ الأم.
فمثلاً عندما يأتي مولود جديد إلى المنزل قد يعود الطفل إلى سلوكيات الطفولة المبكرة كأن يرغب في أن ينام بالقرب من والدته أو يتبوّل في فراشه ليلاً وغير ذلك... وقد تثير هذه التصرفات غيظ الأم، وقد يحدث توتر في العلاقة بينها وبين طفلها لأنها لا تدرك أسبابها. لذا من الضروري أن تتفهم الأم شعور طفلها وتتحاور معه وتؤكد له حبها، وألا تنتقد تصرفاته.
في الإعادة إفادة
يتذكّر الطفل عمومًا الأمور التي يحب القيام بها، وينسى تلك التي تطلبها منه والدته. فمثلاً، يتذكّر مواعيد البرنامج التلفزيوني المفضّل لديه، ولا يتذكّر موعد نومه أو القيام بفروضه المدرسية أو غسل أسنانه قبل النوم.
وقد تظن الأم أن طفلها مهمل وفوضوي في حين عليها تكرار الأمور التي في نظرها عليه القيام بها في شكل تلقائي. ويؤكد الاختصاصيون أنه يصعب على الطفل تذكّر أمر ما طُلب منه لمرة واحدة، فهو في حاجة إلى التكرار حتى يكتسب العادات المنزلية.
ويجدر بالأم أن تتحدث إلى طفلها بلطف عندما تطلب منه تنفيذ عمل ما. فعوض أن تقول له مثلاً: «كم مرة قلت لك أغسل أسنانك قبل النوم»، يمكنها أن تقول:» حبيبي لا تنسَ غسل أسنانك». وهذا يتطلب صبرًا من الأم.
يحاول اختبار أهله
يحاول الطفل أحيانًا اختبار قدرة أهله على التزامهم الحدود التي رسموها له، فيتجاوز بعض الأمور ليعرف رد فعلهم. فمثلاً نسمع أمًا تقول لطفلها: «لمَ عليّ أن أطلب منك أكثر من مئة مرة أن تتوقف عن اللعب على الآيباد وتوضب ألعابك؟ فهذا يثير غضبي».
يبدو الطفل أثناء ذلك غير مكترث لما تقول والدته، ينظر إليها، فهو وجد نقطة ضعفها وينتظر ما يمكنها أن تفعل. إنه يختبر قدرتها على التحمل، فإذا وضّبت ألعابه بدلاً منه فهذا يعني أن في إمكانه عدم تنفيذ رغبتها.
لذا على الأهل أن يكونوا حازمين في تطبيق القوانين المنزلية، لكن هذا لا يمنع من أن يتحلّوا ببعض المرونة. فالطفل لا يقصد الاستغلال أو السيطرة على أهله بل جلّ ما يريده هو اختبارهم.
أن يكون الحوار والمرونة في التعامل مع الطفل واستيعاب ما قد يمر به أحيانًا من أحداث، الأسس في التربية الصحيحة. فمفتاح الولوج إلى عالم الطفل قد يكون كلمة أو رد فعل هادئ. ومن الضروري أن يتفهم الأهل عدم رغبة الطفل في التحدث عما يزعجه، بل عليهم أن يتركوا له فسحة من الحرية، ويسمحوا له بالتعبير عما يخالجه. ومهما كانت سن الأبناء، وفي أي مرحلة، على الأهل التعامل مع أبنائهم بحب وإظهار محبتهم بالفعل وليس فقط بالمشاعر.
أرسل تعليقك