دوريان لاينسكي يتتبع سيرة 1984 في روايته الجديدة وزارة الحقيقة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

يعتقد النقاد أن "مزرعة الحيوانات - 1945" أفضل أدبياً وأكثر أصالة

دوريان لاينسكي يتتبع سيرة "1984" في روايته الجديدة "وزارة الحقيقة"

 فلسطين اليوم -

 فلسطين اليوم - دوريان لاينسكي يتتبع سيرة "1984" في روايته الجديدة "وزارة الحقيقة"

دوريان لاينسكي يتتبع سيرة "1984" في روايته
لندن - فلسطين اليوم

لم تحظَ رواية من القرن العشرين بالحضور المتمدد الدائم في قلب الحدث السياسي والجدل الثقافي كما كان حال أخيرة البريطاني إريك بلير - الشهير أدبياً بـجورج أورويل - «1984» التي نشرها قبل أشهر من غيابه (عام 1949). الرواية / النبوءة التي اختتم بها صاحبها سيرة صاخبة في الأدب، كما حياته الشخصيّة، تفوقت انتشاراً - ولأسباب متفاوتة - على الأعمال الأدبيّة شاكلتها، بما فيها روائع ألدوس هكسلي (عالم جديد شجاع - 1932)، ويفغيني زمايتن (نحن - 1921)، وحتى آرثر كوستلر (ظلام لحظة الظهيرة - 1940).

قُرِئت «1984» وروّج لها كجزء من المجهود الثقافي للحرب الباردة التي اشتعلت لحظة انطفاء الحرب العالمية الثانية، فكانت كما انتقاد شديد اللهجة للتجربة السوفياتية، خطه قلم رجل خبير بدواخل اليسار، قبل أن ينقلب على عقبيه ويصبح طفل البروباغاندا البريطانية المدلل. لكن الرواية مع ذلك بقيت ذات صلة بوقائع العالم، رغم انقضاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي من الوجود عام 1991، بل وسجلّت في عام 2016 عودة مظفّرة إلى واجهة الأحداث، من خلال الاستعارات المتكررة لعباراتها بين السياسيين والمثقفين، وتضاعفت أرقام بيعها في المكتبات الكبرى والأسواق الافتراضية لتنافس أهم الرّوايات الصّادرة حديثاً.
إقرأ ايضـــــا:  ندوة ثقافية تبحث مكامن الإبداع وتجلياته في الأعمال الأدبية

دوريان لاينسكي، الصحافي البريطاني المعروف، اغتنم سبعينية غياب أورويل ليقدم تتبعاً مُدققاً لسيرة «1984» تحديداً دون رواياته الأخرى، مع أن معظم النقاد يميلون إلى اعتبار «مزرعة الحيوانات - 1945» أفضل أدبياً وأكثر أصالة وعمقاً، وذلك في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان «وزارة الحقيقة»، وهو تعبير مستعار من عدة مصطلحات مثيرة تضمنتها الرواية الشهيرة.

ووفق لاينسكي، فإن إلهام «1984» لم يكن تتويجاً لتجربة أورويل السياسيّة بقدر ما كان نتاج لحظة تاريخية محددة عاشها الرجل خلال النصف الأول من 1937، وتسببت له بصدمة فكريّة مروعة، غيّرته تماماً ونقلت ولاءاته من اليسار إلى اليمين، ليكتبها أدباً خلال أيامه الأخيرة.

 كان أورويل قد التحق حينها - كما كثرة من الشباب الأوروبي المتحمس - بقوات متطوعة لنصرة الجمهورية الإسبانية التي كانت تواجه الانقلابيين الفاشيست اليمينيين المدعومين من الغرب، فيما يعرف الآن بـ«الحرب الأهلية الإسبانية». 

لكن أورويل الذي كان ضمن قوة من اليساريين التروتسكيين والفوضويين ما لبث أن شاهد بأم العين كيف قُتل معظم رفاقه على يد كتائب المتطوعين الماركسية التي كانت تتبع موسكو، لا على أيدي جنود الجنرال فرانكو، وكيف كانت التقارير التي تصل الصحف لرواية الأحداث تزويراً تاماً، وإعادة صياغة صلفة للوقائع. فرّ أورويل بحياته من برشلونة، بعد أن وصلت إليها قوة اغتيالات سوفياتية خاصة لتصفية بقية المتطوعين التروتسكيين، لكن رفاقه اليساريين البريطانيين في لندن امتنعوا عن نشر شهادته عما حدث خوفاً من إغضاب موسكو، لتترك التجربة في وجدانه جراحات لا تندمل.

 ويذهب لاينسكي إلى أن «وداعاً يا كاتالونيا - 1938» الذي روى فيه أورويل مغامرته الإسبانية تلك كان مجرد ردة فعل مباشرة للصدمة ما لبثت أن تخمرت وتعمقت وتعتقت خلال العقد التالي، فكانت «1984» التي بعكس رواياته السابقة كلها استغرقت كثيراً من الوقت، وشاركته مرحلة مرض وغياب زوجته (الأولى) ومرضه الشخصي وأيامه الطويلة في المستشفيات، كما انفتاحه على أجهزة الأمن البريطانية (من المعروف أنه كتب قائمة بأسماء رفاقه اليساريين كافة سلمها للسلطات)، وعمله في الـ«بي بي سي»، لكن الأهم من ذلك كله ربما كان قراءاته المعمقة لأعمال روائية سياسية الطابع، ومراجعاته المنشورة لها، ولعل أهمها رواية زمايتن «نحن» التي أعاد اكتشافها، وقدمها لقراء مجلة «تريبيون» اليسارية البريطانية عام 1946، كما رواية «الثورة الإدارية – 1946» لجيمس بيرنهام، إضافة إلى أعمال ألدوس هكسلي الذي كان أستاذه. 

بل إن لاينسكي، مع شديد إعجابه بـ«أورويل» وعبقريته الأدبية، لا يدين الاتهامات الموجهة من بعض النقاد لـ«1984»، بوصفها تكاد تكون سرقة أدبية لـ«نحن» زمايتن، ويقول إن تلك الاتهامات «مبررة»، ويفرد فصلاً كاملاً من الكتاب لسرد سيرة حياة زمايتن وموته!

«وزارة الحقيقة» وكأنه بحثان منفصلان: جزء يغطي مرحلة التكوين التي بتفاصيلها المختلفة منحت أورويل الإلهام لكتابة «1984»، ثم جزءٌ آخر يتابع مصير الرواية منذ لحظة نشرها إلى وقتنا الراهن. والواقع أن الجزء الأول على ما فيه من معلومات ثرية لا يقدم جديداً تقريباً للقراء المطلعين على الأعمال السابقة عن أورويل، لكن الجزء الثاني يمثل نوعاً من سجل غير مسبوق، عقداً بعقد، لطبيعة استقبال القراء للرواية، والاقتباسات المأخوذة عنها في تمثلات الثقافة الشعبية المعاصرة: السينما والمسرح والتلفزيون ومجلات «الكوميكس» والإعلانات، وحتى الموسيقى (لاينسكي أصلاً ناقد موسيقي).

هذا السجلّ يكشف عن أن الرواية العتيدة لم تكتسب تلك الشهرة الفائقة بحكم متانة سردها أو حنكة حبكتها الأدبيّة، بقدر ما كان مرد ذلك إلى قوّة بعض المفاهيم السياسية فيها عن نشوء دولة الرّقابة الحديثة، وتوظيف التكنولوجيا لتنفيذ سياسات السيطرة والتحّكم، وتطويع اللّغة خدمة لأغراض الخداع السياسي عبر فوضى المعاني والحقائق البديلة، إلى بعض التعابير التي فرضت حضوراً في الكتابات المعاصرة باللغة الإنجليزيّة: كما «وزارة الحقيقة» و«جرائم الفكر» و«التفكير المتوازي» و«الخطاب الجديد» و«الحقائق البديلة» و«الأخ الأكبر»، وغيرها، لدرجة أن كثيرين لا يتوانون في التدليل على أزمنتنا المعاصرة بوصفها أزمة «أورويلية بامتياز»، لا سيّما بعدما شرّعت بعض دول الغرب لأنفسها استخدام الترويع لمحاربة ما سمته بالإرهاب، وانتشار فئة المثقفين والإعلاميين الذين تبهرهم السُّلطة والنفوذ، فينخرطوا في خدمتها، ويكونوا لها سلاحها الأمضى ضد مواطنيها.

ولعلّه من المثير معرفة أن «1984» لم تلقَ كبير ترحيب في بريطانيا وقت نشرها، واحتج كثيرون عبر مقالات ورسائل على سوداوية تنبؤاتها، بعدما قدّمت على التلفزيون لأول مرّة عام 1954، لكنها بقيت دائماً قادرة على جذب قراء جدد، واعتمدت في وقت ما نوعاً من مُقرّرٍ لتلاميذ المدارس الثانويّة، وقدّمت بطبعات كثيرة، كما ترجمت إلى عشرات اللّغات، وتجدد الاهتمام بها، نقداً ومراجعة وتحليلاً، في كل المنعطفات المفصليّة لتاريخ الغرب: من الحرب الباردة إلى عام 1984 الزمني، ثم مرحلة نيكسون وفضيحة ووترغيت، وحرب العراق، والحرب على الإرهاب، وأخيراً صعود القادة الشعبويين في غير ما بلد. ويسجلّ لاينسكي أن مبيعات الرواية تضاعفت بشكل مذهل (9500 في المائة) منذ تولي دونالد ترمب منصبه رئيساً للدولة الأعظم، واكتسبت جوائز الكتب والصحافة السياسيّة التي تستلهم أعماله - تمنحها وقفيّة أورويل سنوياً - شعبيّة عالميّة متصاعدة.

يبدو أن أورويل قد خدعنا جميعاً، فـ«1984» التي عشنا أجيالاً على وهم كونها نقداً للأنظمة الشيوعيّة، وفق نموذجها الستاليني، كانت في واقعها تحذيراً من نزعة الأنظمة الليبراليّة الديمقراطيّة للانقضاض على حياة مواطنيها، والتحكّم بهم، ومصادرة حريّاتهم لمصلحة القلّة المتنفذّة، وهو أمر خبره الغرب مبكراً إثر غياب أورويل أيّام المكارثيّة البغيضة بالولايات المتحدّة، قبل أن تتكشّف لاحقاً فضائح الدّول الغربيّة الحديثة عن هيمنة المُجمع العسكري - الاستخباراتي - المالي على أعمالها، وتكريسها أحدث منتجات التكنولوجيا والموارد الوفيرة لتحقيق غاياتها المظلمة بصيغة تبدو بالمقارنة معها أعمال هتلر وستالين مجرّد لعب هواة. لقد انتهى التاريخ بالفعل عند لحظة «1984»، فتوقف سريان الزّمن، وتحولت أعوامنا كلّها 1984 مكرّرة. كم كنت بصيراً يا أورويل.

قد يهمــــك أيضــــا:  

موعد انطلاق مهرجان مراكش للكتاب للتعريف بالأعمال الأدبية الفرنكفونية والعربية

الذييب يؤكد أن السعودية من أغنى دول العالم في الكتابات القديمة المتنوعة

palestinetoday
palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دوريان لاينسكي يتتبع سيرة 1984 في روايته الجديدة وزارة الحقيقة دوريان لاينسكي يتتبع سيرة 1984 في روايته الجديدة وزارة الحقيقة



هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 19:58 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

4 انتصارات في ختام دوري الدرجة الأولى

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:59 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

منتزهات" الطائف" للتمتع بالطبيعة الخلابة والمساحات الخضراء

GMT 10:59 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

قائمة المرشحين لحصد جوائز "أوسكار" 2019 تخرج إلى النور

GMT 07:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رسالة مؤثرة من الأميرة هيا بنت الحسين إلى شقيقها الأميرعلي

GMT 00:52 2014 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

اليابان تكشف النقاب عن الروبوت الأسرع في العالم

GMT 08:10 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سارة نخلة تُشارك في مسلسل "هبة رجل الغراب 4"

GMT 05:51 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

"رجال الأعمال" "قرار 800" يدفع الشركات الأجنبية للهروب من مصر

GMT 08:29 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لأفضل 12 وجهة سياحية للسفر في احتفالات الكريسماس"

GMT 16:56 2019 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار سيارات كيا جراند سيراتو في السوق
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday