بدون مسرحية عراقية واقعية تلقى قبول واستحسان المجتمع الألماني
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

تروي مأساة لاجئتين في أرض المنفى بعد هروبهما من العنف الأسري

"بدون" مسرحية عراقية واقعية تلقى قبول واستحسان المجتمع الألماني

 فلسطين اليوم -

 فلسطين اليوم - "بدون" مسرحية عراقية واقعية تلقى قبول واستحسان المجتمع الألماني

مسرحية بدون
بغداد – نجلاء الطائي

عُرضت مسرحية "بدون" باللغة الألمانية في مدينة مانهايم، على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون "آلانوس"، وهي مقتبسة من مجموعة مسرحية قصيرة للكاتب العراقي ماجد الخطيب تحت عنوان "بدون ألمانيا"، في استعادة ضمنية لمصطلح "من دون" الذي يطلق عادة على المقيمين من دون أوراق رسمية في دولة الكويت أما "البدون" في المسرحية فهما "فائزة" و"ماريا"، امرأتان مهاجرتان في ألمانيا، تلتقيان صدفة في "بيت النساء"، حيث التجأتا هربًا من العنف الأسري ورغم أن فائزة عربية الهوية وماريا شرق أوروبية، لكنهما تتشاركان المعاناة الجسدية والنفسية، وتجمعهما معًا الغربة عن المجتمع الألماني واللغة الألمانية، فتبدأ صداقة من نوع خاص بالتشكل بينهما، وتعثران على لغة للتخاطب، هي مزيج من ألمانية مكسرة وإنجليزية وحركات إيمائية، فأحيانًا لا تحتاج وحدة الحال لكثير من الشرح، ولا يحتاج الألم إلى كثير من الكلام.

وقد أضاف المخرج رياض القزويني شخصية ثالثة للنص المسرحي، هي شخصية مديرة "بيت النساء" التي تلعب دور الراوية للحكاية أيضًا، ومعها تبدأ المسرحية حيث تظهر بداية وتهيئ الجمهور للدخول إلى عالم البطلتين، فتقول: "سنروي لكم حكاية، ولكنها ليست بحكاية"، في إشارة إلى أن الحكاية ما هي إلا يوميات لنساء حقيقيات، هن ضحايا لعنف مزدوج، عنف الزوج وعنف الاغتراب، ولكنها أيضا حكاياتهن بألسنتهن، حيث لا وجود للرجل على الخشبة، إلا بما تركته أصابعه من كدمات على أجساد هؤلاء النساء، ومن خوف على أرواحهن.

بعد أن تقدم المديرة الحكاية، وتعرب في اتصال هاتفي مع مفتش الشرطة عن عدم توافر أماكن شاغرة لديها لاستقبال المزيد من النساء الفارات من العنف الزوجي، تغادر المسرح وتتركه للبطلتين الرئيسيتين، اللتين تظهران بداية في عتمة حالكة، وفي يديهما هاتفاهما النقالان كمصدر إنارة وحيد، وكبطاقة تعارف أيضًا تعرض بها كل واحدة للأخرى ذاكرتها الرقمية، بكل ما فيها من صور شخصية وذكريات في أوطان بعيدة.

وعندما تضاء الخشبة، نشاهد "فائزة" تقف وحيدة (قامت بدورها ندى صبح)، وبين ذراعيها طفلتها الرضيعة، تغني لها أغنية فيروز "نامي يا صغيرة"، وعندما تخلد الصغيرة للنوم تلتقط "فائزة" مرآتها، ثم بحركة عصبية نجدها تمسح أحمر الشفاه وترمي المرآة جانبًا، وكأنها تشعر بعبثية التزين في مكان، لا وجود للرجال فيه، ولا يعشش فيه إلا الخوف والوحدة، ففي "بيت النساء" لا وجود للرجل في مكان إقامة سري مخصص للنساء المعنَّفات، لمساعدتهن على استعادة توازنهن النفسي، وتلمس بدايات جديدة في الحياة.

وبالعودة إلى "فائزة" في المسرحية، التي تحاول رغم كل الظروف البائسة أن تستعيد البهجة في حياتها من جديد وتجعل غرفتها الباهتة في "بيت النساء" أكثر حرارة وحميمية، فتشغل المسجل على أغنية للمطربة فيروز، وتحضر المقبلات والشراب في انتظار أن تحضر زميلتها في البيت "ماريا" (قامت بدورها روض الخطيب) للسهر معها، ثم تغفو من شدة التعب على صوت فيروز "إيه في أمل".

وكما هي الشخصية العربية عادة مضيافة وانفعالية، ترحب فائزة بصديقتها "ماريا" عندما تصل، وتفتح أبواب غرفتها وقلبها لها وتستمع لهواجسها وقلقها، وتحاول أن تهدئ من خوفها من زوجها، الذي شاهدته يحوم حول البيت وفي يده مسدس. وبعد أن تشربان الجعة الألمانية، ترفع كل واحدة نخب الأخرى بلغتها الأم وتبكيان معًا، فالدموع لغة الأسى بلا وسيط، ثم تستحضر "فائزة" موسيقى "أم كلثوم"، فسهر الليالي العربية بلا "كوكب الشرق" لا يكتمل، وكما تقول "فائزة" في المسرحية: اليوم سنرقص ونفرح وننسى.

وهكذا تأخذ معها "ماريا" إلى عوالم الرقص الشرقي، وتبدأ الحواجز تزول بين الغريبتين تحت تأثير الخمر والموسيقى، وأيضًا بسبب الوحدة والحاجة إلى البوح، ورويدًا رويدًا تكشف كل امرأة للأخرى عن كدمات الروح والجسد التي خلفها زوجاهما، ومعًا يتقاسمان القلق على مستقبل غامض في أرض غريبة، لا عائلة لهما فيها ولا مهنة ولا لغة. وبعد أن تبوح كل واحدة للأخرى عن متاعبها، تدخل كل منهما على حدة في بوحها الداخلي، حيث تقف في مواجهة نفسها والجمهور والضوء مسلط عليها.

ومن اللافت للنظر أن المونولوج هنا كان بلغة ألمانية رفيعة لا تشبه الألمانية المكسرة، التي كانت المرأتان تتخاطبان بها، فالروح تخاطب نفسها بطلاقة ولا تتلعثم في تهجئة المشاعر والأحاسيس، والألمانية الفصيحة في المسرحية استخدمت كبديل "للغة الأم" التي عادة يتحدث بها الإنسان مع نفسه ويحلم بها. وعندما تسأل "ماريا" صديقتها عن سر السعادة في عينيها، تخبرها "فائزة" بأنها تعيش قصة حب جديدة، ونراها تلتقط المرآة المرمية على الأرض وكأنها تستعيد أنوثتها المنسية. فتلح عليها "ماريا" لتروي أكثر وأكثر، وكأنها عنكبوت ينسج خيوطه بهدوء وتروٍ.

ولا يقطع سيل الكلمات إلا صوت ارتطام حصاة صغيرة بالنافذة، هي إشارة الحبيب إلى "فائزة" أنه بانتظارها على ناصية الرصيف، فتسرع "ماريا" إلى النافذة لتتعرف على ملامحه، فتكتشف أن عشيق فائزة الجديد ما هو إلا زوجها، الرجل العنيف والخطير نفسه، وكأن الذئب ارتدى ثياب الأمير لينقض على فريسة جديدة. وهكذا يتصاعد الخط الدرامي وتنتقل الإضاءة من الأزرق الهادئ إلى الأحمر الحاد، ويقع شجار بين المرأتين تتبادلان فيه الاتهامات، وتسقط بعده "فائزة" على الأرض باكية، طالبة الصفح من صديقتها لجهلها بحقيقة الزوج.

وهكذا ندخل كجمهور مثلث العلاقة الشهير "رجل وامرأتان"، ونشهد الصراع الأزلي بين الحب والصداقة، صداقة نشأت على عجل بين امرأتين، شردهما الرجل وجمعهما الهروب منه في مكان معزول، ليفرقهما من جديد حب الرجل والخوف منه أيضاُ. وفي النهاية تحسم "ماريا" الموقف عندما تقف في وسط الخشبة معلنة أنها لن تخاف بعد اليوم، وعندما تغادر نسمع صوت طلقة. وعندما تعود "ماريا" تكون مضرجة بالدماء، فتغفو بين يدي "فائزة" التي تهدهد موتها بأغنية "نامي يا صغيرة"، وتنتهي المسرحية بأغنية النوم تمامًا كما بدأت، نوم طويل بلا أحلام، ووجع أرواح معذبة تحمله أينما رحلت، ومجتمعات مستباحة تعيد إنتاج نفسها حتى لو غيرت جلدها، بصرف النظر إن كانت تلك المجتمعات شرق أوسطية أو شرق أوروبية، فكلاهما مجتمعات عاشت القمع والاضطهاد السياسي، الذي حتمًا سينتج قمعًا أسريًا ونفسيًا.

مع الإشارة هنا إلى أن المرأة الشرق أوسطية تتعرض للعنف الأسري من دون أن تظهر الإحصاءات الأرقام الفعلية، فجزء من ثقافتنا وعاداتنا أن تبقى أسرار البيوت داخلها ولا تخرج إلى العلن، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من النساء اللواتي يقبلن عنف الأزواج، بسبب الخوف أو لاعتقادهن أن الرجال قوامون على النساء، ويحق لهم استباحة أجسادهن  دون أن ينفي هذا طبعًا تعرض المرأة الأوروبية الغربية أيضًا للعنف الأسري، ولكن تبقى المرأة هناك أكثر وعيًا بحقوقها، ويبقى القانون سيد الموقف في النهاية، وما "بيوت النساء" الألمانية إلا شكل من أشكال الحماية للمرأة وملجأ لها من التعنيف الجسدي والنفسي وربما كانت إضافة شخصية ألمانية ما ينقص فعلًا المسرحية، لتكتمل الصورة ويحاط الموضوع من جميع أبعاده، فالعنف الجسدي ضد المرأة لا جنسية ولا دين له.

ومن اللافت أيضًا أن فعل القتل يرتكبه الرجل الأوروبي لا الشرق أوسطي "زوج فائزة" مثلًا، وفي هذا ابتعاد عن "كليشيه" جرائم الشرف المرتبطة عادة بالشرقيين في الإعلام الغربي، من دون أن يغفر هذا للعمل مغالاته أحيانًا بالميلودراما، أو عامل الصدفة في وقوع "فائزة "في غرام زوج "ماريا" بالذات. في الختام لاقت المسرحية استحسان الجمهور الألماني والعربي على حد سواء، وتميزت بأداء متميز للممثلتين المشاركتين، لا سيما أنهما ممثلتان هاويتان. وتعتبر هذه المسرحية تجربتهما الأولى في ألمانيا، وكأنهما في مغامراتهما المسرحية تلك تشبهان بطلتي العمل، فهما أيضًا حاولتا تلمس أرواحهما في الغربة بروح غضة وكأنهما تعيشان الحياة والحب للمرة الأولى. ولكن يبدو أن الحياة لا تمنح فرصة أخرى إلا لمحترفي العيش فيها.
 

 

palestinetoday
palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بدون مسرحية عراقية واقعية تلقى قبول واستحسان المجتمع الألماني بدون مسرحية عراقية واقعية تلقى قبول واستحسان المجتمع الألماني



هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:06 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير داخلية بوينس آيرس يستقيل من منصبه

GMT 01:24 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

النجم جورج وسوف يحيي حفلة غنائية في فرنسا

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

نجم الفريق تامر صيام يحسم موقفه من هلال القدس

GMT 05:49 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد نؤكد خوض تجربة المسلسل الكارتوني لأول مرة

GMT 07:21 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

6 أخطاء شائعة يجب تجنبها عند إنشاء "كملة سر" صعبة

GMT 10:51 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

هنري جاك يواصل إبداعه في مجموعة Les Classiques de HJ

GMT 00:18 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة تحضير مشروب التمر هندي بالكركديه

GMT 06:07 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

الصبار يحميك من السرطان ويحافظ على صحة بشرتك

GMT 06:41 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

عمليات التجميل ترتفع بنسبة 200 % بين النساء

GMT 17:12 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

أنوشكا تستضيف في صالونها ليلى علوي وإلهام شاهين ويسرا

GMT 22:58 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مكياج بوحي الساحل الشرقي والغربي الأميركي من جيجي حديد

GMT 16:16 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مصطفى مراد يُعلن ترشحه لانتخابات الأهلي

GMT 19:16 2017 الإثنين ,25 أيلول / سبتمبر

تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday