حوّا بتغار وآدم بشكّ
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

حوّا بتغار وآدم بشكّ

 فلسطين اليوم -

حوّا بتغار وآدم بشكّ

بقلم : الدكتورة عصمت حوسو

رئيسة مركز الجندر (النوع الاجتماعي) للاستشارات النسوية والاجتماعية

قال المتنبي : " وعادى محبيه بقول عداته وأصبح في ليلٍ من الشكّ مظلمِ، وما الخوف الاّ ما تخوّفه الفتى وما الأمن الاّ ما رآه الفتى أمناً، خُذْ ما تراه وَدَعْ شيئاً سمعتُ به، فإن قليل الحبّ بالعقل صالح وإن كثير الحبّ بالجهل فاسد"...

عند التقاء صوت العاطفة بالعاصفة تكون الغيرة؛ وما أجملها في حينها وما أقبحها حين تسود في كلّ حين. من المعلوم أن الغيرة صفة إنسانية وشعور فطريّ، وهي محمودة اذا كانت (للذود) عن المملكة الخاصة ولحماية الحصرية في المشاعر بين الشريكين، ولكن عند تحوّلها الى الشكّ والتحكّم والتسلّط وإقصاء الشريك وسجنه على محراب الحبّ تصبح مذمومة جداً..

الغيرة تأخذ جذورها من استشعار الإنسان لقيمته الذاتية وأهمية وجوده ( الحصري ) في قلب المحبوب ، تماماً كأهمية حقوقه وشمولها للانتماء والملكية والاستئثار. وأي مساس لأيٍ من تلك الحقوق أو حتى مجرد الشعوربالتهديد والخطر ينمو شعور الغيرة، يلعب (الجندر) هنا دور كبير في رسم الحدّ الفاصل بين ما هو طبيعي مقبول وبين ما هو مرضي شاذّ معلول..

بالتأكيد، الغيرة مرتبطة بالحبّ، وغيابها ما هو الاّ دليلاً على غياب الحبّ والاهتمام، ولكن؛؛ ليست دائماً الغيرة عنواناً للحبّ أيضاً، فأحياناً قد تكون عنواناً لأشياء أخرى بعيدة كلّ البعد عن الحبّ كالتسلّط والتحكم والإيذاء والاتهام والعنف وما شابه ذلك، وتُمارس على مذبح الحبّ للأسف الشديد. وفي أحيان أخرى كثيرة تكون مؤشرًا لعدم الثقة خلقه أحد الشريكين رغم الاختلاف في السبب والنيّة. (فالثقة) تُكتسب ولا تُمنح، وهي نتيجة لمواقفتناعلى تراكمية إما نحو مزيدٍ من المصداقية في العلاقة، أو نحو خلع ثوب الصدق ولبس الأقنعة وتكرار الأكاذيب المختٓلٓقٓة والمكشوفة على المدى القصير والبعيد في آن،، خصوصاً في خرافة ما يسمى (الكذب الأبيض).

أما أسوأ الحالات القاتلة ببطء للثقة بين الشريكين على الإطلاق عند الاجتهاد بتوليف السلوك إما الخاطىء أو المزعج للشريك، وتغطيته بمعلومة مغلوطة وإعادة صياغتها بحلّة جديدة للابتعاد عن البوح بالحقيقة؛ اعتقاداً بأن الكذب المحترف بإخفاء الحقائق والوقائع قد يحظر الفظائع ويُجنّب الوقوع في المشاكل.

ينجم عن تكرار تلك الألعوبة المكشوفة حتماً نسف الثقة من جذورها بالضربة القاضية لصالح الغيرة الشديدة حدّ الشكّ بالخيانة، وهنا تكون الكارثة والانزلاق نحو بداية النهاية ..

غيرة الرجل في الحبّ تختلف عن غيرة المرأة؛ فغيرة الرجل في حالات كثيرة تكون (ستار) يُداري به خفايا هو وحده بعد الله أعلم بها، في حين غيرة المرأة تكون في أكثر الحالات أقصى تعبيرًا عن (الاهتمام)، إن خلت من السمة المرضية بالطبع. من المهم هنا ضرورة التنبه الى أنه لا يمكن التعميم على جميع النساء والرجال بالنمطية في شعور الغيرة، ولكن نتحدث عن السواد الأعظم بما هو سائد في تصورات الجنسين عن الحبّ ومشاعرالغيرة. فالغيرة حدّ الشكّ ليست (علامة مسجلة) بالرجال فقط؛ بمعنى أن الرجال جميعهم لا يفكرون بالطريقة نفسها، وكذلك الأمر عند النساء، فليس جنس النساء بأكمله يغار بالطريقة ذاتها. لذا قد نجد رجلاً يفكر بدماغ امرأة وقد يحبّ ويغار بطريقة نسوية أو ربما لا يغار البتّة ، وقد نجد امرأة تفكر بدماغ رجل وتغار حدّ الشكّ . وتساعدنا تلك المعلومة بتفسير أسباب الخلافات وعدم الرضى بين الشريكين، وتفسير أسباب التعميم السلبي على المرأة أو حتى على الرجل في طرق التعبير عن مشاعر الحبّ والغيرة. وكلٌ يرى الناس بعين طبعه..

كلما زادت نرجسية الرجل وإعجابه بذاته وحبه اللامتناهي (لأناه) تزيد غيرته على امرأته وغيرته منها في ذات الوقت، فيرغب هنا بالسيادة عليها والتحكم بها والتدخل بكل كبيرة وصغيرة بشؤونها، بل ومحاولة طمسشخصيتها والغائها أحياناً لضمان عدم منافستها له بالظهور أو بالحضور أو حتى بالجمهور..

أما الغيرة عند المرأة اذا استثنينا بعض السمات النفسية المرضية كتدنّي الثقة بالنفس والشعور بالدونية، فهي مرتبطة بشعور (عدم الأمان) مع رجلها، إما لكذبه المستمر خاصةً عندما يكذب بصدق، أو بسبب تجارب سابقة لهوصمته (بالنسونة) -من حبّ النساء-، أو لاهتمامه بنفسه ومظهره بشكل مبالغ به ليحظى بجمهور غفير من المعجبات، أو لعدم إشباعها سمعياً وعاطفياً وجسدياً. وفي الحالة الأخيرة على وجه الخصوص يغدو نقصان الثقة بالذات سبب ونتيجة في آنٍ واحد، ويتحوَّل تدريجياً الى فقدان الثقة بالشريك كنتيجة حتمية..

لا يستنكر العربي غيرته على زوجته أو غيرتها عليه اذا كانت متناسبة مع السبب المثير لها، واذا كانت الوقائع أيضاً واضحة البيان ومرئية (ملموسة) لا فقط محسوسة، والأهم أن لا تخضع للتكهّن والتأويل. والأمر الخطيرفي حالة استفزاز الغيرة لدى أي من الطرفين يكون؛ عندما تبدأ فكرة الشكّ بخيوط عنكبوتية واهية ثم تتطور نحو القفز على الاتهام والاستنتاج دون سابق إمعان. هنا تحديداً اذا لم تُخضع تلك الفكرة للمنطق ولم تُدعّم بالأدلة والبراهين ينقلب الحبّ الى كره والحنان الى لؤم والغيرة الى شكّ بشكل اتوماتيكي..

(الصراحة والشفافية) ثنائية هامة جداً بين الشريكين، ويُضاف إليها ثنائية أخرى لا تقلّ أهمية عنها بل مكملة لها : (الانفتاح وعدم السرية) لضمان استمرار العلاقة واستقرارها. تلك الصراحة يجب أن تبدأ مع بداية العلاقة حتى لا تُخلق (توقعات) غير منطقية عند أحد الأطراف ثم يُفاجأ بعد ذلك بعدم صحة توقعاته وتقع الأزمة. فالصراحة بين الشريكين وعدم إخفاء المعلومة مهما كانت بسيطة هي (صمام الأمان) ضمن أطوار العلاقة على مدىطولي. وبالمقابل، فإن إخفاء المشاعر والمعلومات والتوقعات حتى التافهة منها يسبّب سوء فهم كبير بين الشريكين، ويترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها للشكّ أو ربما الخيانة الفعلية لا وهم الخيانة فقط..

الحصرية بالمشاعر وتملّكها ضرورية في أي علاقة (طبيعية) خصوصاً في حال كانت صحية وشرعية لا مخفية، لكن دون كتم أنفاس الآخر، أو إسقاط الازدواجية والفصام الأخلاقي من قبل الطرف المتسلط في العلاقة بإباحة ممارسة سلوكات وتحريمها نفسها على الشريك في ذات الوقت..

هامش الحرية والمساحة الشخصية مطلوب في أيّ علاقة بشرط أن لا تتعدى (كرامة) الشريك بحضوره أو غيابه، لا أعني بالحرية هنا وجود حياة علنية وأخرى سريّة ! فكل ما هو (سرّي) هو خاطىء بلا أدنى شك.فالخيانة العاطفية أو الهاتفية أو الفيسبوكية وغيرها من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على الهواتف الذكية لا تقل امتهاناً وهدراً على الكرامة الإنسانية من الخيانة الجسدية.. وتبقى الكرامة دوماً هي العنوان...

وأختم هنا ببعض كلمات أغنية "ثورة الشكّ" لكوكب الشرق (أم كلثوم) وهي للشاعر الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، وألحان رياض السنباطي.... إليكم تلك الأبيات المنتقاة :-

" أكادُ أشكّ في نفسي لأني أكاد أشكّ فيكَ وأنتَ منّي، تُعذّبُ في لهيبِ الشكّ روحي وتشقى بالظنونِ وبالتمنّي، وكم طافت عليّ ظِلالُ شكٍّ أَقَضَّتْ مضجعي واستعبدتني... أجبني إذ سألتك هل صحيحٌ حديثُ الناس خُنتَ؟؟ ألمْ تخنّي؟؟"... وللحديث بقية....

palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوّا بتغار وآدم بشكّ حوّا بتغار وآدم بشكّ



هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 08:58 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

حزب الله يستهدف 7 مواقع للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 06:42 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 10:30 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الناتو يقرر تمديد وجوده في أفغانستان حتى عام 2024

GMT 04:31 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

"حماس" تستنكر "زيارات تطبيع" مع الكيان الإسرائيلي

GMT 04:19 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الصفراء عند الأطفال الأسباب والأعراض والعلاج

GMT 01:44 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ودّعي جميع الروائح الكريهة في الرخام بمواد في كل مطبخ

GMT 11:26 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النجم محمد رجب يبدأ تصوير مشاهده في فيلم "بيكيا" الجمعة

GMT 14:19 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

رونالدينيو غير نادم على عدم المشاركة في البريميرليغ

GMT 03:41 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هولي هولم تهزم روندا روزي بالضربة القاضية في ملبورن

GMT 23:27 2016 الأحد ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ماجدة الصباحي بخير ولم تجر عملية جراحية

GMT 00:26 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

سيارة سباقات بورش تتألق في معرض لوس أنجلوس

GMT 08:25 2017 الخميس ,19 كانون الثاني / يناير

التشوهات الجسدية كانت وسيلة لكسب الرزق قديمًا
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday