لـ «الأيام» وصحيفة أخرى ملحق (عدا الجمعة لـ «الأيام») كما للزيارات الدبلوماسية والسياسية الأجنبية زيارة رئيسية لإسرائيل و»ملحق» زيارة لفلسطين.
ذكّرني هذا الحال، بطرفة شامية عن سكن «المعترين» في العمارات، وتقول: «لنا القبو دون العالمين أو الملحق». في فلسطين تطور «الملحق»، وهو أعلى طابق في العمارة، إلى سطيحة (روف) فاخر.
المهم، أن نتنياهو فاخر: لا يمرّ أسبوع دون زيارة رئيس أو رئيس وزراء أو وزير خارجية لإسرائيل، وهذا للدلالة على أن الدولة العبرية ليست في خطر العزلة الدولية.
منذ متى هذا؟ منذ هذه الأوسلو، وبعدها صارت إسرائيل مثل «ديزني لاند» كثيرة الزوار، ولكن مع «ملحق» زيارة للسلطة الفلسطينية!
الزيارات الأميركية لإسرائيل وفلسطين هي الأكثر ترداداً وأهمية، ومنذ زار وزير الخارجية الأميركية الأسبق وارن كريستوفر إسرائيل وفلسطين (التقى عرفات في غزة). هل تذكرون أن وزير خارجية أميركية، أو حربية، أو نائب الرئيس، أو حتى الرئيس لم يؤد زيارة رسمية لجانبي «الخط الأخضر»؟
الرئيس أوباما، وقبله الرئيس بوش ـ الابن، استقبلا في مقاطعة رام الله استقبالاً رسمياً بمراسيم بروتوكولية كاملة.
مؤخراً، توافد علينا وعليهم وزير الخارجية كيري، ورئيس هيئة القوات الأميركية وانفورد، ثم نائب الرئيس بايدن (وعلى الهامش زارنا وزارهم رئيس رومانيا، ورئيس وزراء اليونان، ورئيس جمهورية قبرص).
حكينا عن زيارة وملحق زيارة، والزيارة «التاريخية» للرئيس أوباما ستكون لكوبا، و»ملحق» الزيارة التقليدية كانت لنتنياهو إلى مؤتمر «ايباك» ولقاء الرئيس أوباما.
على غير العادة، ألغى نتنياهو زيارة تقليدية أخرى لأميركا، وتهرّب من لقاء آخر مع أوباما، الذي كان تهرّب من لقائه في زيارات أخرى، بعد أن تحدّد موعدها.
لماذا زيارة أوباما لكوبا تاريخية؟ لأنها ستنهي قطيعة دامت أكثر من نصف قرن، ومنذ غزوة فاشلة للكوبيين المنفيين لأميركا الفاشلة صارت أغنية الشعب في جزيرة السكر والسيجار (ولحية كاسترو) هي: «كوبا سي (نعم) يانكي نو (لا)» واليانكي هي إشارة للولايات المتحدة.
هل سنحظى بصورة مصافحة «تاريخية» بين أوباما وفيديل كاسترو، أم مصافحة أقل «تاريخية» مع شقيقه الرئيس راؤول؟
وصفت زيارة الرئيس نيكسون للصين بأنها «تاريخية» بعد جفاء تاريخي منذ انتصار ماو تسي تونغ على تشيان كاي تشيك، لكن لقاء الرئيس كنيدي برئيس الوزراء السوفياتي خرتشيوف في برلين كان «تاريخياً»، أيضاً، والآن زيارة أوباما لجزيرة كوبا، بعد أن ارتدى راؤول البزّة المدنية مع ربطة عنق، وصار فيديل المريض يرتدي في المستشفى زي «ترينغ» الرياضي بعد الزي «الكاكي».
ماذا يهمنا من زيارات أميركية أخيرة لإسرائيل؟ كيري مهد لزيارة بايدن، وهذا وذاك أديا «ملحق» زيارة لمقاطعة رام الله، وغداً يزورنا ويزورهم مبعوث فرنسي.
ما العلاقة بين هذه الزيارات؟ إنها العلاقة بين مشروع فرنسي لمؤتمر دولي مزمع في تموز، وبين تمهيد كيري وبايدن لطرح الرئيس أوباما أفكاراً لحل وسط في نهاية ولايته الثانية (هذا إن فازت هيلاري على ترامب).
كان الرئيس كلينتون قدم أفكاراً غير رسمية في نهاية ولايته الثانية حول القدس واللاجئين، والرئيس أوباما ينوي تحويلها إلى أفكار رسمية بعد تفصيلها!
قيل إن واشنطن ستطرح تسوية وسطاً لأربع نقاط: القدس عاصمة لفلسطين، وتجميد الاستيطان في القدس الشرقية والضفة. هذا في صالح الفلسطينيين، أمّا في صالح إسرائيل فإن على السلطة الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وإسقاط حق العودة.
أفكار كلينتون حول القدس بسيطة: ما هو يهودي لإسرائيل، وما هو عربي لفلسطين، وأمّا مسألة اللاجئين فهناك خيارات: عودة لدولة فلسطين، وعودة محدودة لدولة إسرائيل، وتوطين لاجئين، حيث أقاموا، واستيعاب لاجئين في دول أجنبية، أو التعويض.
ربما تهرّب بيبي من زيارة أخرى ومقابلة رسمية مع أوباما، لأنه يرفض نقطتي القدس الشرقية وتجميد الاستيطان فيها وفي الضفة، لكن الرئيس الفلسطيني رفض مشروع النقاط الأربع، ربما لأنه ينتظر أن يثيرها الرئيس أوباما في خطاب الوداع بنفسه وببلاغته.
أعتقد أنه كان على أبو مازن أن يقتفي شروط شارون الـ14 في قبوله مشروع بوش ـ الابن وإزالة البؤر الاستيطانية وأن يشترط على كيري وبايدن قبوله يهودية دولة إسرائيل بما لا يمسّ علاقة الفلسطينيين فيها بإسرائيل.
أمّا فيما يتعلق بإلغاء حق العودة فكان عليه الإشارة لمشروع السلام العربي الذي قال إن حق العودة قابل للتفاوض، وسقف هذا التفاوض إما أفكار كلينتون؛ وإما صيغة عرفات القائلة: عودة بما لا يمسّ بتوازن إسرائيل الديمغرافي.. ثم ماذا عن عودة النازحين الفلسطينيين بعد حرب حزيران 1967 الذي قبلته إسرائيل ثم رفضت تنفيذه؟ وماذا عن عودة «المهجّرين» الفلسطينيين في إسرائيل إلى بعض قراهم الأصلية؟ ولماذا لا توافق إسرائيل على مشروع «إخلاء ـ تعويض» للمستوطنات والمستوطنين خارج جدار الفصل؟
أعتقد أن عقدة الحل الوسط ذي النقاط الأربع، هي أن توافق أميركا على المشروع الفرنسي إذا قدّم لمجلس الأمن، وأن واشنطن ستعترف بفلسطين إذا لم يؤد المؤتمر الدولي والمفاوضات إلى اتفاق ومشروع حل شامل.
أميركا مع إسرائيل الدولة وأمنها، لكنها ليست مع سياسة إسرائيل إزاء فلسطين والمستوطنات، أو مع سياسة نتنياهو خصوصاً.
«كوبا سي يانكي نو» صارت «كوبا سي يانكي سي» وعلى أميركا أن تقول بصراحة إن «الحل بدولتين» هو اسم كودي لإقامة دولة فلسطين، أي أن لا تبقى الزيارات الأميركية للسلطة «ملحقاً» لزيارات أميركية لدولة إسرائيل.
حسن البطل