بقلم :صلاح هنيه
أيام مضت وبدأ البعض بتوسيع دائرة استخدام التسهيلات التي أُعلنت يوم الأربعاء الماضي بتعبير عن تعظيم المصالح وتغييب مصالح جهات أخرى، فبات الشعار الحاضر بقوة «خليك في السوق» وتدافع وتسوق وعبء عربات التسوق، ولكن مع مجموعات كبيرة في داخل المحلات ولا تتباعد عند المحاسبة ولا عند الثلاجات ولا في قسم الخضار ولا اللحوم والدواجن.
القضية باتت أكبر من التدافع وأكبر من كمامة باتت تعكس قيم المجتمع، فشمر بعض أقطاب الأعمال والمال من الذين بدؤوا الصعود في القطاعين وهم الأكثر حدةً في الدعوة للناس ان يبقوا في السوق، لأن الرزق عند تدافع الأقدام ولا يحق بنظرهم لأي كان يعترض «خصوصاً ان راتبه واصله وهو في المنزل» متناسين ان هؤلاء يعملون عن بعد الكترونياً أو يعقدون اجتماعاتهم عبر تطبيق «زوم» منهم من يحشد تأييداً لقضايا برزت في زمن وباء كوفيد 19، ومنهم من يحشد ضمن لجان الأحياء للتكافل الاجتماعي والحدائق المنزلية والتعاضد، ومنهم من يدافع عن حقوق الناس في قضايا وملفات مختلفة، ومنهم من يعمل مجموعات متخصصة لتغيير نمطي في جزئية الحياة التي تخصه سواء الهندسية المعمارية او غيرها، ومنهم دراجون ينظمون صفوفهم لوضع أنفسهم تحت تصرف نقل وايصال حملات التكافل الاجتماعي، ومنهم مبدعون يكتبون وينظمون اسناداً نفسياً للأطفال وللمناطق المصابة.
ليس كل البقاء في البيت خيراً ووقاية وصبراً، بل قد يعاد انتاج المنزل على شكل مطعم أو مقهى أو منامة، ولا جهد باتجاه تطوير حالة البقاء في البيت بحيث يبقى استخدام الفيسبوك ووسائل التواصل بصورة سلبية، وقد يكون البيت مركزاً فقط للاحتجاج: لماذا يطالبوننا بدفع الفواتير الشهرية وانا دكاني مغلق، لماذا رسوم النفايات مع فاتورة الكهرباء؟
بينما يروج دعاة الخروج الى السوق تيمناً بالسويد وغيرها وان الحالات المصابة اقل وحالات التعافي بدأت تظهر، بالتالي لا تقولوا لماذا بل قولوا انطلقوا سعياً للرزق، وكأننا معترضون على صاحب مخبز وعماله اذا خرجوا وأيضاً السوبرماركت والصيدليات و»الدراي كلين» والمصانع وغيره، وكأننا معترضون على أصحاب شعار «خليك في السوق» الذين يريدون تحقيق الهدف المالي وحجم المبيعات من هذا الباب، اعتراضنا هو على النرفزة بمحتوى الخطاب ومفرداته «اذا إعلامية سألت في الايجاز المسائي او الصباحي عن سبل تخفيض كلفة فاتورة الاتصالات والانترنت» يشمر أصحاب هذا الخطاب ويقولون: لماذا لا تتنازلي عن راتبك الشهري وعندها تخفض الأسعار، واذا كانت العلاقات التجارية بين الموردين والشركات وبين صغار التجار والمهنيين والحرفيين قائمة على شيكات، وفجأة في حالة الطوارئ باتوا أصحاب الخطاب المنرفز يشنون حرباً ضد زبائنهم الذين يعملون معهم منذ سنوات طوال بالشيكات انهم دمروا الاقتصاد، سبحان الله لولا هؤلاء لما أديت العمرة ثلاث مرات في العام ولما ذهبت لفريضة الحج ثلاث مرات في عمرك ان لم يكن أكثر، ولما وجدت البوماً يوثق صور رحلاتك وسفراتك، واليوم تصفهم بمدمري الاقتصاد!!!!!!!!!
خليك في السوق خطاب مفرداته لا تتعامل مع صور ناصعة في الحياة في ظل الطوارئ، سواء عمال النظافة، والعمال المختصون بالتخلص من النفايات الطبية، والمتطوعون لاسناد حملات التكافل الاجتماعي، والمتطوعون لدعم منتجاتكم وخدماتكم الفلسطينية، أيعقل اننا لا نرى من كل هذا المشهد الا شيكاً تعثر فيه صاحب منجرة او حداد او صنايعي المنيوم او مطبخ نسوي يعتاشون منه، أو بدوي في المضارب انقطعت به السبل، ولأننا نستطيع ان نصل الى سلطة النقد الفلسطينية لنحرضهم على هؤلاء!!!!!!!! ولا اقبل لسلطة النقد ان تتعامل بردة فعل.
وحتى لا أُفهم خطأ، أنا مع وضع أسس واضحة للتفريق بين الشيكات المسحوبة والمرتجعة من قبل شركات فعلا متضررة من الازمة وتلك المرتجعة من شركات ومؤسسات وأفراد غير متضررين، ويوجد نظام في البنوك للتميز أصلاً.
جماعة «خليك في السوق» والذين اعتبروا انفسهم انتصروا للتسهيلات الحكومية عملياً يستخفون بشكوى مواطن عن سعر الخضار في محل تجاري على أساس انه في هذا المحل لا يسألون عن السعر!!!!!!، واللحوم الحمراء تباع في بعض المحلات بسعر مرتفع طبيعي ما هو بايعك قطعة بتجنن!!!!!!، وهم ذاتهم يحشدون ضد تاجر باع الدواجن بأسعار منخفضة بحجة انها تضر بالمزارع، سبحان الله كل المعترضين تجار ويبيعون بأسعار مرتفعة والمزارع لا يستفيد منهم!!!!!!!!!!!!!
فصل القول ... الحكومة عملت خيراً باعتماد «خليك في البيت» والتزام الناس في البيت، وفجأة بات أصحاب «خليك في السوق» يريدون فتح كل شيء عدا التعليم لأن البنية الفوقية ليست مهمة، ولأن التعليم عن بعد متاح ... لم يخطر على بال جماعة «خليك في السوق» بلورة اقتراح لتطوير خدمات التوصيل لتقليل الازدحام في الأسواق ... وخدمات الدفع الإلكتروني ... ولم يتيسر لطبيعة أعمالهم نمط العمل عن بعد «اون لاين».
قد يهمك أيضا :
ملاحظات على الهامش
الانفكاك استراتيجية أم ردة فعل؟