التوازن المفقود بين عجلة الاقتصاد والطوارئ
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

التوازن المفقود بين عجلة الاقتصاد و"الطوارئ"

 فلسطين اليوم -

التوازن المفقود بين عجلة الاقتصاد والطوارئ

عبدالناصر النجار
بقلم : عبدالناصر النجار

أزمة اقتصادية عالمية مجمع عليها.. لكن التباينات واضحة والهوة في اتساع بين المنظرين والباحثين الاقتصاديين والرأس ماليين والسياسيين وممثلي الصحة.
قلة من السياسيين الكبار والأكثر تطرفاً انحازوا بشكل واضح إلى استمرار عجلة الاقتصاد بوتيرتها السابقة، تضامناً مع رأس المال، وهم المحافظون والشعبويون الذين تتلخص أفكارهم بأنه في سبيل الحفاظ على اقتصاد الدولة لا ضير من وفاة عشرات الآلاف من المصابين بـ "كورونا"، وربما هذا يحصل سنوياً مع أمراض موسمية تمر دون أن يلتفت أحد إلى ضحاياها.. بمعنى أن الاقتصاد يعلو على الصحة.

ومن أقوى المنظرين لهذا المبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان في بداية تفشي الوباء مصرّاً على أن ما يحدث مجرد أنفلونزا، وأنه لن يقبل بشل اقتصاد الولايات المتحدة مهما كلف الثمن.. لكنه وجد نفسه مجبراً على التخلي عن مواقفه في ظل الانتشار السريع للوباء في أميركا التي باتت تتصدر اليوم عدد الإصابات والوفيات بالفيروس عالمياً. من بين هؤلاء المنظرين رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الذي يقبع اليوم في العناية المكثفة بعد إصابته بفيروس كورونا، وفي النهاية اضطرت بريطانيا إلى التراجع عن مواقفها واعتماد إجراءات الطوارئ العالمية وإن كان ذلك متأخراً كما فعلت الولايات المتحدة.

دول أخرى مثل هولندا أصرت على نظرية مناعة القطيع التي نادت بها لندن أولاً، وتبعتها بعد ذلك السويد، ثم تراجعتا عنها بعد تقييم المخاطر الناجمة عن تطبيق هذه النظرية.
بالنسبة لرأس المال، كانت هناك تباينات واضحة بين ترك عجلة الاقتصاد تدور وكأن شيئاً لم يحدث أو تتوقف مطلقاً، وبين رأي ثالث يرى الموازنة بين مفهوم الطوارئ واستمرار القطاعات الاقتصادية الحيوية للدولة.

في مصر مثلاً رجال أعمال كبار (مليارديرات) رفعوا صوتهم مطالبين باستمرار حركة عجلة الاقتصاد كما كانت عليه، رافضين تمديد فترة الطوارئ وشل الحياة الاقتصادية، بل إن أحد كبار رجال الأعمال على المستوى العالمي هدد في لقاء تلفزيوني بالانتحار إذا لم تسمح الحكومة باستئناف حركة رأس المال خلال أسبوع. أما ممثلو الصحة فهم الأكثر تشدداً باتجاه استمرار شل الحركة، بل يرون أن الأفضل هو الحجر المنزلي المتواصل، ما يعني توقف عجلة الاقتصاد بغض النظر عن الخسائر، معتبرين أن حياة البشر أهم من المال.

خيارات صعبة، أحلاها مر، وربما الأخطر اقتصادياً هو ما سيحمله لنا المستقبل، فعلى سبيل المثال يحذر كثير من الخبراء من اتساع رقعة الفقر حتى في الدول المتقدمة وانتشار المجاعات في الدول الضعيفة والهشة وربما موت الملايين جوعاً وليس فتكاً بـ "كورونا". حتى أن التباين واضح بين الاقتصاديين والمحللين حول تكلفة الإغلاق، فمنهم من يعتبرها الأزمة الأخطر منذ انهيار الأسواق المالية في العام ٢٠٠٨ والبعض يقول إنها الأخطر منذ الكساد الكبير في العام ١٩٢٩.

وآخرون يقولون إن العالم لم يمر بأزمة مثل ما يواجهه اليوم وإن التأثيرات الحقيقية ستظهر خلال أشهر وسنوات قادمة. ولكن ماذا بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني وإجراءات الحكومة في ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ أسابيع، والشلل شبه التام الذي بات يضرب مختلف المرافق الاقتصادية، على الرغم من هشاشة اقتصادنا الوطني، الذي لا يمكن مقارنته بأي اقتصاد عالمي حتى في الدول النامية التي لديها الكثير من الخصوصيات.

رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية أكد في تصريحات صحافية أن التقديرات الحكومية لقيمة الخسائر الإجمالية للاقتصاد الفلسطيني تبلغ 8ر3 مليار دولار ستتضرر منها مختلف القطاعات، علماً أنه سيتم تدقيق الأرقام من لجنة مشتركة بين الحكومة والبنك الدولي. وأشار إلى أن عجز الموازنة سيرتفع إلى 4ر1 مليار دولار بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية بأكثر من ٦٥٠ مليوناً، وبذلك ستخفف الحكومة من نفقاتها إلى أقصى حد لدعم القطاع الصحي بموازنة قدرها ١٣٧ مليون دولار لمواجهة وباء «كورونا» وتوفير الرواتب واحتياجات الأمن.

ولكن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن فلا ضمانة حتى بدفع الرواتب أو جزء منها مستقبلاً!!! الحكومة منذ بداية الأزمة تحاول قدر الإمكان تجنب الخوض في مشاكل القطاع الخاص، وتأثير الأزمة عليه، وطرق إنعاشه أو على الأقل بقائه على قيد الحياة، على الرغم من أنه بات كالجسد الذي يعاني من الهزال شيئاً فشيئاً قبل الوصول إلى الكارثة.
كان سهلاً على الحكومة أن تقول لا لفصل العمال والموظفين من القطاع الخاص في ظل إعلان الطوارئ وهذا حق.. ولكن ماذا عن رأس المال الذي يتآكل والشركات التي بدأت تنهار؟

وماذا عن موظفين يرفضون حتى التعاون مع مشغليهم بحجة أن هناك قراراً حكومياً بالتزام المنازل وعدم الخصم من الرواتب والأجور؟ ألا يوجد تناقض واضح بين أن تصدر قراراً دون النظر إلى مخاطر هذا القرار وبين كيفية تجاوز المخاطر؟

دول العالم وجهت جزءاً من الدخل المتاح أو ما هو متوافر لديها لدعم القطاع الخاص، في الولايات المتحدة خصصت الإدارة بموافقة الكونغرس 2 تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم، جزء منه أجور للمتعطلين عن العمل الذين تم فصلهم، هناك يحق لأي شركة أو مؤسسة فصل الموظفين أو وقف أجورهم، وهذا لا يتعارض مع القانون. في الصين مئات المليارات وجهت للقطاع الخاص، في أوروبا وجهت أيضاً مبالغ ضخمة.. حتى في مصر خصصت عشرات مليارات الجنيهات لدعم الشركات والمصانع المتضررة.

في فلسطين لا دعم... حتى مستحقات القطاع الخاص على الحكومة تصرف بحدها الأدنى، وبالكاد تكفي لدفع الرواتب.. وفي الوقت الذي تجمع فيه الحكومة ما تيسر من مال لدفع رواتب القطاع العام، لم يحصل القطاع الخاص على جزء بسيط من مستحقاته من الحكومة لدفع رواتب موظفيه.. ألا يدفع ما سبق القطاع الخاص للموت التدريجي ويؤكد ضبابية الرؤيا.
في العالم وصلت نسبة الفائدة حد الصفر، والحكومات ملزمة للبنوك بما تقدم من تسهيلات للقطاع الخاص.

أمام هذا الواقع كثرت مناشدات التجار ورجال الأعمال والمزارعين وقوى الإنتاج الأخرى لإعادة النظر في الإجراءات المتخذة، وإيجاد نقطة للتوازن بين حالة الطوارئ والسماح لعجلة الاقتصاد بالدوران ولو بحدها الأدنى. عشرات المشاغل في الخليل عائلية وهي عادة ما تكون في مناطق قريبة من المنازل. فلماذا لا يسمح للعائلات بفتح مشاغلها التي لا يتجاوز عدد العمال فيها الخمسة أو الستة مع تعهد منهم بالالتزام بمختلف الإجراءات الوقائية؟ ماذا بالنسبة للشركات المتوسطة والكبيرة؟ ماذا لو كان هناك اقتراح مبدع لإعادة التشغيل مع الحفاظ على إجراءات الطوارئ والوقاية لضخ الأوكسجين لها بما يتيح استمرار تدفق الحياة في شرايين الاقتصادية.

الحل عند الحكومة، والشخصيات الاعتبارية النافذة اقتصادياً، أما وزارة الصحة فمطلوب منها عقد اجتماعات مكثفة لإيجاد الحلول التي ترضي الجميع وتوازن بين حركة الاقتصاد وحالة الطوارئ، حتى لا نموت اقتصادياً أيضاً!!!

قد يهمك أيضا : 

  رئيس وزراء بريطانيا يترك غرفة العناية الفائقة

الاستيطان الصامت.. والبصاق العنصري في زمن «كورونا»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوازن المفقود بين عجلة الاقتصاد والطوارئ التوازن المفقود بين عجلة الاقتصاد والطوارئ



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 10:42 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

تحديد موعد إجراء قرعة دوري المحترفين والأولى

GMT 10:04 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الأطعمة الدهنية تؤثر سلبًا على الجهاز المناعي والدماغ

GMT 18:00 2017 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

أوزيل يرد على انتقادات جماهير أرسنال

GMT 03:12 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

ظلال عيون يناسب صاحبات البشرة السمراء

GMT 07:08 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

أشهر الأماكن للسياحة في روسيا خلال موسم الشتاء

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أليغري يفضّل جلوس رونالدو على مقاعد البدلاء أمام "أتلانتا"

GMT 14:19 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

رفع دعوى قضائية ضد الملحن فارس اسكندر بعد تطاوله على الكعبة

GMT 17:01 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس الأولمبية الإسبانية يبرز قوة الرياضة لحل أزمة كتالونيا

GMT 17:32 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الصافي يمنح لاعبات «طائرة الأهلي» راحة من التدريبات

GMT 01:56 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتدي على إمام المسجد الأقصى

GMT 17:49 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"La Reserve Geneve" لقاء بين الرفاهية والكمال في آن واحد
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday