عن التجربة الإيطالية
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

عن التجربة الإيطالية

 فلسطين اليوم -

عن التجربة الإيطالية

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

في إشارة للمقالة السابقة حول التجربة الصينية، ربما من المفيد استحضار التجربة الإيطالية التي شكلت نوعاً من الكارثة لدولة بحجم وثقل وتاريخ إيطاليا. انتشر الفيروس بصورة مخيفة في الدولة العريقة المتقدمة في الطب وصناعة الأدوية، وباتت الوفيات اليومية تصل حد الألف فيما بدا أن الدولة على شفا الانهيار جراء العجز عن السيطرة على المرض، وانتقلت العدوى في الأوساط المختلفة حتى بات المريض والطبيب سواء في ذلك.

ومع هذا ثمة الكثير الذي يمكن أن يقال عن التجربة الإيطالية التي يمكن أن تدرس في مقدرة الدولة على الصمود في أصعب اللحظات وعدم الاستسلام لزحف الفيروس على كل مكونات المجتمع ومقدرة الأخير أن يكون معيناً للدولة ولأجهزتها في تلك الحرب. نعم فالبشرية في حرب لا يمكن توقع نهايتها حتى اللحظة فيما باتت التقديرات تطيل عمرها من وقت لآخر.

في تلك الحرب التي تخاض بلا أسلحة أو على الأقل لا تمتلك البشرية السلاح الملائم للقاتل بحكم تعذر التوصل إلى لقاح وعلاج للمرض يمكنانها من الصمود فترة أطول أمام مقدرة الفيروس على التحول والتبدل، ثمة حاجة لكافة الجهود من أجل السيطرة على تطورات الأمور. ومع تأكد الجميع من أن الخطر أكثر قوة من مواجهته بلا مبالاة، فهناك ثمة إدراك متزايد بضرورة تطوير أدوات للوقوف بحزم في وجهه. في التجربة الإيطالية ثمة الكثير الذي يمكن تعلمه.

مقدرة الشعوب على الحياة وإصرارها عليها يعكسان حيوية ووعي المجتمعات. وفي الحالة الإيطالية ربما أحد الأشياء اللافتة كان الإبداعات الكبيرة التي قدمها الشعب الإيطالي في ظل الجائحة، عاكساً روحاً فريدة في التمسك بالحياة وحبه لها والتغلب على الوباء. إن المشاهد المختلفة التي تم بثها من المدن والمناطق الإيطالية المختلفة حول احتفالات المواطنين على النوافذ والشرفات أو تبادل الأغاني من البيوت أو العزف منها، والاحتفال أيضاً عن بعد، والرسائل المختلفة والفيديوهات التي كان يتم تحميلها على الانترنت، دللت على تلك الروح الكبيرة التي لا يمكن تخيل إيطاليا دونها، ولا يمكن تخيل كيف تنتصر الإرادة الشعبية دونها، كما لا يمكن تخيل كيف تتكاتف الجهود الشعبية والحكومية دونها.

هذا التكاتف والإصرار على القتال ضد الفيروس أساس استمرار التجربة الإيطالية وفرادتها.
فالشعب الذي يريد الفيروس أن يفتك به ولا يملك الكثير من السلاح لمقاومته ينتصر عليه في حرب الإرادة.
وهذا درس مهم في مواجهة الجائحة، أن البشرية لا تنهزم وروح الإرادة قادرة على شحننا بطاقة غريبة وقوية تدفعنا للتحمل.

فبدلاً من الاستسلام لصرير عجلات شاحنات الموت وهي تحمل ضحايا الفيروس الخبيث يجب الاحتفال بالبقاء بالحياة بالإرادة.
والآن وفيما الكثير من الشعوب بجهود مختلفة تتعلم الدرس فإن المشاهد التي خرجت مبكراً من إيطاليا كانت درساً مميزاً في محاولات النفس البشرية هزيمة العدو الخفي عبر التمسك بالحياة.
يمكن استحضار النقاش الكبير حول الشعب والدولة. وهو نقاش جوهره العقد الاجتماعي كما صاغ منظرو العقد أدبياته، القائمة على التنازل الطوعي عن الإرادة الفردية من أجل سلطة عليا.

وجزء من النقاش الآن هو كيف يمكن للدولة أن تكون حامية للشعب. أحد الساسة الطليان قال خلال الأزمة إنه حان الوقت حتى تقوم الدولة بالتضحية من أجل الشعب فالشعب طوال كل الأزمات السابقة وخاصة في الحروب وقف بحزم من أجل حماية الدولة (إيطاليا) ولا بد الآن أمام فتك الفيروس بالشعب من أن تضحي الدولة بنفسها لكي تحمي الشعب. الجدل المعقد الذي يعيد النقاش حول دور الدولة والعلاقة التعاقدية مع الشعب. بالطبع ربما في الكلام السابق بعض المجاز لكنه المجاز الذي يكشف عمق الأزمة.

لم تكن الدولة لتنهار، رغم أن أحد أكبر الأزمات التي تواجهها إيطاليا الآن هو مقدرة الدولة على الصمود في ظل شبه انهيار النظام الصحي.
ثمة بعض الأخبار الجيدة وسط كل هذه الضوضاء تتحدث عن انحسار المرض في الجنوب ونجاح سياسات احتوائه على الأقل هناك، وهذه بدورها يمكن أن تكون دافعاً من أجل المضي قدماً من أجل محاصرته في كافة مفاصل الدولة.

وحتى لا تنهار الدولة يجب الاهتمام بالأفراد الذين يشكل وجودهم سبب وجود الدولة، من هنا فإن إصرار الدولة على البقاء والاستمرار وعلى تقديم الخدمات وإن بصيغ مختلفة أساس في انتصار الإرادة الجماعية، كما أن إرادة الأفراد أساس في تعزيز إرادة الدولة. هذا التكامل الذي أشرنا إليه سابقاً هو ربما جوهر التجربة الإيطالية.
لا يمكن تخيل تاريخ أوروبا في كل العصور من قديمها حتى معاصرها دون إيطاليا. هل يمكن تخيل أوروبا وحضارتها العريقة دون الإمبراطورية الرومانية، أو هل يمكن تخيل وصول المسيحية دين أوروبا الأول

دون الفاتيكان وما لها من قوة على نشر الدين في القارة عبر جيوش الإمبراطورية الرومانية ومفاصلها في القارة التي كانت تحكم أغلبها.
وهل يمكن تصور استعادة أوروبا لدورها التاريخي دون عصر النهضة الذي بدأ في المدن الإيطالية المختلفة وظهور العلوم وإحياء الكلاسيكيات. أيضاً يصعب كل ذلك.
ومع هذا فإن المصاب الذي حل بإيطاليا لن يكون قليلاً إذ إن البلاد ظهرت كأكثر ضحايا الفيروس وربما تجاوزت الصين في ذلك.

وأمام النظر بتفاؤل للمستقبل فإن معالجة تداعيات الأزمة لن تكون أمراً سهلاً. حتى سياسياً فالدولة التي أعطت أوروبا كل هذا تشعر بأن أوروبا تركتها وحيدة تواجه مصيرها، وهذا نقاش أشرنا له سابقاً هنا في معرض الحديث عن التحولات الدولية إثر انتشار المرض، وهذا يبدو مؤكداً.
عموماً هناك الكثير من الدروس التي يمكن تعلمها من التجربة الإيطالية التي تعكس روح الإصرار وقوة العزيمة في مواجهة المرض، وهي تجربة ستضاف للسجل الكبير الذي تتمتع به دولة بحضور إيطاليا في التاريخ وفي العلوم.

قد يهمك أيضا :  

 "كورونا" وعالمنا المعاصر

أبو سيف يؤكد أن المسرحيون الفلسطينيون يقدمون رسائل وطنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن التجربة الإيطالية عن التجربة الإيطالية



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:58 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

محمد رمضان يتحدّى منافسيه بفيلمه "هارلي"

GMT 01:45 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

بطولة كأس البحرين لسباق الخيل تنطلق في بريطانيا السبت

GMT 18:37 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

مفيدة شيحة تُهاجم غيتس خلال "الستات مايعرفوش يكدبوا"

GMT 07:55 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

انتخاب نساء أكثر في الحكومات يُقدّم مساهمات حقيقية

GMT 13:31 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

الدكتور علي جمعة يقدم برنامج "فن الدعاء" على "CBC"

GMT 05:28 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

إنتاج علاج جديد للسرطان يمنع انتشار المرض

GMT 20:24 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النجم حسن الفذ يُعلن عن استعداده لعرضه الفني الجديد

GMT 04:55 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

أستاذ تاريخ يشبه إزالة "رودس" بتدمير داعش آثار سورية

GMT 10:11 2015 الجمعة ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أسرار جمال اللون الكحلي في زفافك

GMT 06:28 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

7 أخطاء يجب عدم الوقوع بها في موضة الصيف
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday