عندما نألف النِّعم
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

عندما نألف النِّعم

 فلسطين اليوم -

عندما نألف النِّعم

سما حسن
بقلم : سما حسن

أرسلت أسطوانة الغاز للموزع لكي يقوم بتعبئتها، حملها على ظهره ذلك الشاب الأسمر عريض المنكبين وهبط بها سلم البناية، وعدت لمواصلة عملي، وقد وعدني أن يعيدها ممتلئةً بغاز الطبخ في اليوم التالي، مر على وعده يومان ولم يأتِ، فاتصلت به وسألته عنها فقال لي: ما لون أسطوانتكم؟، وهنا لم أجد جواباً دقيقاً، فالشاب لم يميز الاسم الباهت المدون على الأسطوانة، وربما أراد ان يسهل عملية البحث، ولكني اكتشفت أنني لم أكن أعرف لونها.

سرحت قليلاً ثم ناديت ابنتي الصغيرة وسألتها على عجل: ما لون «الانبوبة»؟ فهزت ابنتي كتفيها الرقيقين بمعنى لا أذكر او لا أعرف، فيما جاء صوت ابنتي الكبرى من غرفتها: يا ماما، لونها إما أزرق او رصاصي، هذان اللونان فقط المشهوران للأنابيب، وهكذا اكتشفت أنني امتلك اسطوانتين لغاز الطبخ لا اعرف لونهما بالتحديد.

قد يبدو اكتشافي مضحكاً، فغالباً ما تكون ألوان الأنابيب كالحة وربما علا أكثر محيطها الصدأ، ولذلك فقد يختلط اللون الأصلي بلون الصدأ والقدم،  ولكني أحفظ هيئة اسطوانة الغاز جيداً، وحين أنظر لها عندما يعود بها الموزع فأرسل نظري نحو اسم ابني الأكبر المدون على جانبها، وأشير له ان يحملها للطابق العلوي من البناية، حيث أسكن مع اولادي، ولكني لم افكر يوماً بلون الاسطوانة، رغم فائدتها العظيمة، لقد ألفت وجودها واعتدته ومررت بها في روحي وذهابي إلى مطبخي الصغير وهي ترقد بهدوء وبثقلها على بعد متر من الموقد، ويربط بينهما خرطوم بلاستيكي.

إننا يا أصدقاء قد ألفنا النعم حتى نسيناها، وقد اعتدنا الخير حتى لم نعد نشعر بقيمته، وتعودنا على توفر كل شيء بين ايدينا من مأكل ومشرب، وتعاملنا مع أجسامنا بصحتها وعافيتها حتى نسينا ان فقدان الشيء كارثة، ونقصان النعم مصيبة، وأن غياب الرزق بلاء، فلا أحد يستطيع أن يعيش دون كماليات قبل الأساسيات في هذه الأيام.

يتندر كثيرون بأن سائل غسيل الشعر قد نفد، وبدؤوا يخلطون ما تبقى في قعر القنينة بالماء، وذلك بسبب تأخر صرف رواتب الموظفين، ولكن لا أحد قد فكر يوماً ما ان يشكر الله على نعمة الراتب الصغير الذي يطير بمجرد ان تغادر آلة الصراف الآلي، أو قبل أن تصل به إلى البيت.

الراتب كان يطير إلى الفواتير والأقساط والسوبرماركت ومحلات الملابس والصيدلية على زاوية الشارع المفضي إلى البيت، وكنا نتأفف ونشعر بالسخط لذلك، حتى تأخر الراتب وأصبحنا نتمنى ان يعود لكي يطير قبل أن يصل على البيت، فالراتب على الأقل لم يكن يضطرنا لأن نخلط ما تبقى من سائل غسيل الشعر» الشامبو» بالماء.

من المؤكد أن الراتب هو حق الموظف، ولكن الموظف تأخر كثيراً في شكر النعم، ولذلك حين يعود الراتب يجب ان نفكر بأن ننظر ونتأمل إلى قنينة سائل غسيل الشعر، أن نتأملها كثيراً، أن نضعها على الطاولة أمام الأعين في صالون البيت، وان نضع الفواتير المسددة والمختومة على الخزانة الصغيرة بالقرب من باب البيت وتحت المرآة التي نهذب أمامها ملابسنا قبل خروجنا، لكي نشكر الله دائماً على نعمة قليلة، لا نشعر بقيمتها إلا حين نفقدها.

ربما كان الراتب أحد النعم المحسوسة، ونرجو ان تجد الحكومة حلاً ومخرجاً لهذه الأزمة بما يسمح للموظف بتسديد اقل التزاماته، وان نبقى على قلب رجل واحد في مواجهة مخطط الضم، وكل ما يمس شرعية القضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت يجب أن نشكر الله على النعم ونشعر بالامتنان وبأننا محظوظون لأننا امتلكنا القليل، حتى لو ضاع القليل فسوف تصاب حياتنا بالشلل، فدائماً علينا ان نتذكر انه بالشكر تدوم النعم، وبأن أصعب بلاء يصيب الإنسان هو أن يألف النعمة فلا يشعر بقيمتها إلا حين تزول.

قد يهمك أيضا :

كي لا ننسى

شاطئ مثير للجدل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما نألف النِّعم عندما نألف النِّعم



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 18:29 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

أسماك الوطواط العملاقة تغزو شواطئ غزة

GMT 09:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 09:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 04:57 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

الخلاف بين ترامب و"نيويورك تايمز" يسبب البلبلة

GMT 06:44 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

هل الرياضة تحسن قدرة الأطفال على التفكير؟

GMT 05:02 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مقادير وطريقة إعداد "كعكة اللبن"

GMT 02:11 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تجنب تناول السكريات والموز يقي من الحموضة

GMT 10:58 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

اكتشاف محاولة لتهريب قطع أثرية مصرية إلى العراق
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday