أيضاً المجتمع الدولي يتغير
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

أيضاً المجتمع الدولي يتغير

 فلسطين اليوم -

أيضاً المجتمع الدولي يتغير

عاطف ابو سيف
بقلم : عاطف ابو سيف

لصيق بالحديث عن تفتت الموقف العربي، فإن ثمة تحولات كبيرة في المواقف الدولية يجب أن تكون مصدر قلق حين يتعلق الأمر بمواجهة مخاطر الصفقة التي يطرحها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. أيضاً بنفس القدر الذي يصعب فيه الحديث عن موقف عربي موحد، يصعب الحديث عن موقف دولي موحد تجاه الصراع. وفي حقيقة الأمر، إن مثل هذا الموقف لم يتشكل يوماً بصورة واضحة، إذ ظلت الدول تحتكم في موقفها من القضية الفلسطينية لمدى قربها أو بعدها من أطراف الصراع وحلفائهم. وظلت غائبة دائماً فكرة ظهور موقف دولي واحد وموحد يعكس فهماً واحداً لحقيقة ما يجرى في الأرض المقدسة التي ترتبط بها جل دول العالم بطريقة أو بأخرى.

ومع هذا تطور مع الوقت شيء بات يعرف بالشرعية الدولية التي تتشكل من مجمل القرارات الأممية التي تحدد معالم الحل الذي بات موضع إجماع دولي للصراع. والشرعية الدولية ليست معبرة عن الموقف الدولي بقدر ارتباطها بالآلية التي يرى العالم ممكنات حل الصراع عبرها. ورغم ما تحمله هذه الشرعية من إجحاف غير مسبوق في التاريخ بحق الفلسطينيين، فإنها باتت السقف الأدنى الذي يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا به في ظل الظلم الكبير الذي وقع عليهم من قبل مؤسسات المجتمع الدولي التي خلقت الدولة التي سرقت بلادهم وهدمتها وقامت على ترابها الوطني. وأيضاً من حقائق الصراع التي لا تخفي على أحد مساهمة المجتمع الدولي في تدمير فلسطين.

وبطريقة أو بأخرى دفع الفلسطينيون ثمن أخطاء أوروبا وجرائهما بحق اليهود وغيرهم، وتم ترحيل الحل على حساب شعب أعزل عاش طوال آلاف السنين بطمأنينة ودعة في بلاده حيث منح البشرية الفكر والدين والحضارة. يصعب تصور وجود إسرائيل دون تصور الدور التخريبي للمجتمع الدولي في عملية هدم ممنهجة للحقوق الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من بلادهم. وربما سيأتي يوم في التاريخ تدرس هذه المفارقة المجحفة في الأكاديميا بوصفها إثباتاً على ظلم تاريخي غير إنساني.

مرة أخرى، ومع هذا، فإن تطور ما بات يعرف بالشرعية الدولية كان بطريقة أو بأخرى حماية للمزيد من التآكل في عملية هدم الحقوق الوطنية الفلسطينية. فالمجتمع الدولي الذي سار منذ فجر القرن العشرين مقوداً مثل خروف العيد لرغبات الحركة الصهيونية وبعد أن مكّن الصهاينة من فلسطين واعترف بدولتهم ومنحها شرعية المؤسسات الدولية، بات ينظر بقليل من اليقين إلى الحدود الدنيا للفلسطينيين، خاصة حقهم في تمثيل أنفسهم وضرورة أن يظل لهم جزء يسير من أرضهم ومهد وطنهم حتى يقيموا عليه دولة خاصة بهم.

ومع هذا ربط قيام هذه الدولة باتفاق غير متوازن يجب أن يتم التوصل له مع عدوهم إسرائيل. وبعبارة أخرى مطلوب من الفلسطينيين أن يستجدوا هذه الدولة من إسرائيل، وعلى العالم أن يقف ساكناً ساكتاً لا يقوى على شيء إلا القول إن هذه الدولة حق للفلسطينيين. لكنه الحق الذي لا يستدعي تدخلاً لإنفاذه. لا أحد يقتنع بضرورة الضغط على إسرائيل، بل إن هذا الضغط مخالف لقناعات المكونات الكبرى للمجتمع الدولي ويجب محاربته وردعه. لذا وحين تطورت أشكال المقاطعة البسيطة بين بعض محبي السلام ودعاته في بعض الدول الأوروبية، صار يعمل على تجريمها وتوصيفها بمعاداة السامية، كأن أحداً لا يستطيع أن يقول لا لإسرائيل، أو كأن هذه الـ "لا" غير إنسانية، وأن احتلال الغرباء لبلاد غيرهم أمر إنساني وعادل بامتياز.

حتى هذه الشرعية الدولية بدأت تتآكل مع ظهور دعاوى جوهرية لتجاوز تمثيلية المؤسسات الدولية. كان المحافظون الجدد أول من حاول تصديع المؤسسة الدولية، حين قال بوش الابن: إن الحرب على العراق هي حرب الراغبين وإن المهمة تحدد التحالف.. بدأ عهد جديد يرى في المؤسسة الدولية شيئاً هامشياً أمام إرادة القوى العظمي. وتاريخياً كان الأمر كذلك ولكن قبل تصدع جدار برلين كان ثمة توازن مرغوب تحرص الدولة على الحفاظ عليه.

ومع الوقت بات واضحاً أن المنظمة الدولية الأولى، أي الأمم المتحدة، لم تعد صاحبة قرار في تقرير مصير الكوكب، وأن القوة القصوى التي تحولت لها واشنطن باتت هي من يقرر إيقاع التحالفات والحروب وعمليات السلام المرغوبة. إنه ذات المنطق الذي ينطلق منه ترامب حين يريد أن يجعل المجتمع الدولي يتبنى خطته بوصفها شاملة وعادلة وتجبُّ كل ما قبلها من قرارات الشرعية الدولية.
في الحقيقة، ثمة سبب آخر وراء هذا التآكل في الشرعية الدولية، وذلك يتمثل في صعود المنظمات الإقليمية التي باتت أكثر نجاعة في حماية مصالح أعضائها من النادي الكبير في نيويورك.

ويمكن النظر إلى تجربة الاتحاد الأوربي بكثير من الثقة في ذلك، إذ إن عضويته باتت أكثر إغراءً لدول وسط وشرق أوروبا من أي شيء آخر. ولكن حتى هذه العضوية بقدر ما تجلبه من منافع خاصة اقتصادية، فهي لا تعني شيئاً على صعيد تطوير المواقف السياسية. وبالنظر إلى تجربة الاتحاد الأوروبي، فإن العثرة الكبرى التي ظلت تواجه الدول الأعضاء هي صياغة سياسة خارجية وأمنية مشتركة. وطوال سنين من ركائز الاتحاد الأوروبي، بعد انهيار جدار برلين وانضمام أعداء الأمس إلى نادي بروكسل والتحولات الكبرى التي عصفت بالقارة، فإن الاتحاد ظل عاجزاً عن تبني سياسة واحدة تجاه القضايا الكبرى.

ورغم مثلاً ما تم تحقيقه فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي منذ إعلان البندقية عام 1980 وحتى إعلان برلين عام 1999 وجمود الموقف الأوروبي حول اشتراط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتوصل لتفاهم بشأنها مع إسرائيل، فإن الكثير من الدول الأعضاء، خاصة الوافدين الجدد من وسط وشرق أوروبا، لا يلتزمون بروح ونص الموقف الأوروبي.
خلاصة القول: إنه بات يصعب الحديث عن موقف دولي، بل مواقف يجب السعي إلى تأمينها والحصول عليها وحمايتها من هجمات وضغوطات مضادة.

قد يهمك أيضا :  

 فـي الـمـوقـف الـعـربـي

  عن الموقف العربي مرة أخرى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيضاً المجتمع الدولي يتغير أيضاً المجتمع الدولي يتغير



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 08:44 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 13:39 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن بعض الوصوليين المستفيدين من أوضاعك

GMT 09:32 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 07:42 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تحتاج إلى الانتهاء من العديد من الأمور اليوم

GMT 05:35 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الملكة رانيا وبيلا حديد بسترة واحدة على "إنستغرام"

GMT 21:07 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شوارع بيروت تغرق في النفايات بسبب الامطار الغزيرة

GMT 07:21 2014 الجمعة ,31 كانون الثاني / يناير

زينة تلجأ إلى تحليل "DNA" لإثبات النسب لأحمد عز

GMT 09:17 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

«حماس» تتوارى عن الأنظار
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday