البشير و«الإخوان»
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

البشير و«الإخوان»

 فلسطين اليوم -

البشير و«الإخوان»

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

هل كان "عمر البشير" إخوانياً أم مجرد مستبد تغطّى بعباءة الإخوان؟ هل تعتبر تجربة نظامه في الحكم نموذجاً لحكم الإسلاميين، أم أنها تجربة نظام عسكري، تقوى بشعارات إسلامية؟
في فيلم وثائقي عرضته قناة "العربية"، بعنوان "الأسرار الكبرى"، كشفت فيه علاقة "البشير" ونظامه الوثيقة بتنظيم الإخوان المسلمين.. هنا سيشكّك البعض بمصداقية الفيلم، طالما أنه من إعداد "العربية"، وهذا لا يهم، فبصرف النظر عن دوافع القناة، وتوقيتها، فالفيلم تظهر فيه تسجيلات واضحة بالصوت والصورة لتصريحات لا خلاف عليها من قبل عمر البشير والكثيرين من أركان نظامه، وهو يؤكدون أنهم من الإخوان.

وتلك التسجيلات كانت لاجتماعات سرية عقدتها الحركة الإسلامية في السودان، في أوقات مختلفة، شهدت حضوراً لأعضاء من الإخوان أتوا من دول عربية عديدة، كما كشفت عن الدعم المعنوي والسياسي الذي تم تقديمه من قبل التنظيم الدولي للإخوان، وأيضاً دعم نظام البشير للعديد من الجماعات الإخوانية في دول عربية أخرى. يعترف البشير، في تصريحات موثقة، بأن كل مفاصل الدولة السودانية بعد انقلاب 1989 أصبحت تحت سيطرة الإخوان، بعد أن وضع الضباط الإخوان والمجموعة المدنية المسلحة بقيادة "حسن الترابي" و"علي عثمان طه" اللمسات الأخيرة لانقلاب 1989. كما يعترف بفصل أكثر من 600 ألف موظف سوداني (في الحكومة والجيش) من وظائفهم واستبدالهم بعناصر إخوانية، أو مقربة منهم، مؤكداً أن الإخوان باتوا يسيطرون على كافة مؤسسات ومفاصل الدولة، وعلى جهازيها المدني والعسكري، وعلى البرلمان.

وإذا شكك البعض بحقيقة السيطرة المباشرة من قبل عناصر وكوادر الإخوان على مرافق الدولة والجيش، فإن الشعارات "المعلنة" لنظام البشير، والنظام الداخلي لحزبه الحاكم تؤكد على ذلك بلا مواربة.. ولا يخفى على أحد أن "الترابي" (أبرز مهندسي الانقلاب)، كان من أشهر منظري الإخوان، وهو الذي أقنع نظام النميري بتطبيق أحكام الشريعة في أواخر عهده.. ومن يراجع الحقبة الأولى من نظام "البشير" سيجد سيلاً من التصريحات المؤيدة والمرحبة، على لسان قيادات الإخوان في مختلف الأقطار.

ومع ذلك، ظلت علاقة نظام البشير بالإخوان علاقة ملتبسة، وغير واضحة، حيث كان إعلام النظام حريصاً على استخدام مصطلح "الحركة الإسلامية"، وتجنب ذكر العلاقة بتنظيم الإخوان.. وظلت قيادات الإخوان تراقب عن بعد، وكأنها في موقف الداعم المحايد فقط.. وتدريجياً لم يعد خطاب الإخوان الرسمي يأتي على ذكر هذه العلاقة، إلى أن بدأ يصف البشير بـ"الطاغية"، والنظام بـ"الفاسد".. خاصة في السنوات الأخيرة من عمر النظام.

من الطبيعي أن يتبرأ خطاب الإخوان الرسمي من نظام البشير.. خاصة بعد أن فاحت روائح الفساد والطغيان، وبانت علامات الفشل والانهيار، وتقسيم البلاد.. لكن هذا لا ينفي أن تجربة البشير في الحكم كانت إحدى المرات التي تصطدم فيها شعارات الإخوان بصخرة الواقع.. وكانت إحدى أخطر التجارب الفاشلة لشعارات طوباوية، طالما دغدغت مشاعر الناس، وأوهمتهم بإمكانية تحقيقها.. وقد تكررت مرة ثانية في عهد محمد مرسي.. وفي أماكن أخرى يعرفها أي متابع.

هذا لا يعني أبداً فشل "الإسلام" في الحكم.. بل يعني فقط فشل نظرة وأسلوب أحزاب الإسلام السياسي لإدارة الحكم (بما فيهم الإخوان). نفذ البشير انقلابه بحجة توقيع حكومة المهدي على اتفاق مع الانفصاليين.. ثم قام البشير بتوقيع اتفاق مشابه "بروتوكول ماشاكوس 2005"، والذي أعطى للجنوب حكماً ذاتياً لفترة انتقالية، وحق تقرير المصير للجنوبيين في الانفصال. وبعد الانقلاب، تبنت الحكومة العسكرية شعار "الجهاد الإسلامي" ضد القوى الجنوبية، الأمر الذي أدى إلى اشتعال الحرب بقوة أكبر.

ثم وقعت الحكومة مع الانفصاليين اتفاقية "نيفاشا 2011" التي وضعت حداً للحرب، وبموجبها أصبح "جون غارانغ" نائباً أول لرئيس الجمهورية. برر البشير انقلابه بأنه إنقاذ لاقتصاد السودان، حينها كانت قيمة الجنيه السوداني تعادل 4 جنيه لكل دولار، حين سقط النظام بعد ثلاثين سنة كانت قيمة الجنيه تعادل 75 ألف جنيه مقابل الدولار. فشل نظام البشير لا يكمن فقط في مستويات الفساد التي وصلها، ولا في حجم القمع والتنكيل ومصادرة الحريات والسجون السرية، ولا في القضاء على أول تجربة ديمقراطية عربية (حكومة الصادق المهدي)، ولا في الانهيار الاقتصادي، ولا في خسارة نصف البلاد (بسبب التقسيم)، ولا في مقتل آلاف السودانيين في حروب عبثية (الجنوب ودارفور).. الفساد الأكبر هو إخفاق النظام في تحويل السودان إلى أغنى بلد عربي وإفريقي.

بسبب غياب الديمقراطية ونرجسية الحاكم بأمر الله، وتفرده بالحكم، برؤية ضيقة تحكمها عقلية حزبية (وتلك سمات النظم الشمولية)، انتشرت في عموم البلاد القلاقل والاضطرابات، وأخفقت الحكومة في الاستفادة من ثروات البلاد، وتعطلت كل مشاريع التنمية، وأُغلق الأفق السياسي، وغرق السودان في بحر من الظلمات. وفي النتيجة رضخ النظام للضغوطات الدولية، وقَبِل بالتقسيم على وهم أن نقاء دولة الشمال الديني، بأغلبيتها المسلمة، سيمكّن البشير من فرض دولته الدينية بسهولة ويسر، والأخطر من ذلك توهمه بأن قبوله الانفصال سيبعد عنه شبح المحكمة الدولية.

السودان، بموقعه، وثرواته الطبيعية، وإمكاناته الهائلة.. كان يجب أن يكون أهم قوة في الإقليم.. وأن يكون سلة الغذاء العربي.. لكنه يعاني الجوع والفقر ويعاني من التخلف والأمية ومن الحروب الأهلية ونزعات الانفصال. صحيح أن تلك الأزمات قديمة، ناجمة عن سياسات فاشلة مارستها النخب الحاكمة منذ استقلال السودان، وصحيح أن مؤامرات دولية حيكت ضد هذا البلد، لكن كشف تلك المؤامرات لا يعفي النظام من مسؤوليته، فالنظام أخفق في معالجة الأزمات الخانقة، بل إنه ساهم في تفاقمها، وفتح المجال للتدخلات الأجنبية لتفعل أفاعيلها في السودان.

مشكلة نظام البشير عدم امتلاكه مشروعاً وطنياً سودانياً، يستوعب التنوع الهائل الموجود في البلاد.. فقد كان نظاماً حزبياً، إقصائياً، مستبداً.. وقد توهم أن رفعه لشعارات إسلامية براقة أمراً كافياً لازدهار البلاد.. لكن تبين أنها شعارات رُفعت فقط لإدامة الحكم، والتحكم بالعباد. أهم درس من تجربة البشير البائسة، أنَّ قوة الشعارات، وبريقها، وحُسن صياغتها، حتى لو تغطت بالإسلامية، لا تصمد أمام وقائع العصر ومعطياته. رغم الثورة الشعبية الواعدة، لم يتحسن وضع السودان، وقد بدأ النظام يغزل مع إسرائيل، وها هو يستعد لتسليم البشير للمحكمة الدولية، تماماً كما فعل البشير حين سلّم كارلوس.

قد يهمك أيضا :   

الدولة المقدسة (1من 2)

الدولة المقدسة (2 من 2)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشير و«الإخوان» البشير و«الإخوان»



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 15:40 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 10:57 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

تعرّف على "Corolla" الجديدة كليا من "تويوتا"

GMT 21:54 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"Urban EV Concept" أول سيارة هوندا كهربائية

GMT 05:12 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

بريطانيا تحول منزلًا مهجورًا إلى مكان لحماية التاريخ

GMT 11:37 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

باحثون يكتشفون عظمة غامضة في جسم الإنسان

GMT 07:56 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

مهلا يا رونار

GMT 10:49 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ديكورات ريسبشن رائعة و جذابة تبهر ضيوفك

GMT 11:25 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أحمد الشناوي يكشف سبب انتقادات حارس الأهلي له

GMT 09:28 2017 الثلاثاء ,26 أيلول / سبتمبر

كيف تكتشف مافي نفوس الأخرين وأنت صامت؟
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday