غزة أمنيات بداية العام
آخر تحديث GMT 05:19:09
 فلسطين اليوم -

غزة: أمنيات بداية العام

 فلسطين اليوم -

غزة أمنيات بداية العام

د. عاطف ابو سيف

لو قدر للمرء أن يمتلك حقيبة مليئة بالأمنيات مثل طير في قفص، كلما تحقق منها أمنية أطلقها في الهواء ليخفق جناحاها بحرية وسعادة، ولو قدر له أن يسعى في مناكبها من اجل ان يطلق عقال أمنياته مثل قربة ريح مثقوبة، ولو وقف المرء بعد ذلك على سني عمره يعدد ما فيها من فرح وأحزان ووجد ان كفة الفرح طافحة بالخير، لو عرف ان خلاصة كل هذه سعادة مطلقة لظن أنه يحلم.
نفسي أن أتصالح انا والكهرباء، أن نصبح أصدقاء بمعنى الكلمة. يفتقد الواحد منا الآخر، يشتاق له، لأن علاقتي مع الكهرباء علاقة من طرف واحد: أنا فقط الذي يشتاق لها، أنا الذي يفتقدها، انا الذي أجلس بفارغ الصبر أعد الثواني المتبقية حتى وصولها مثل عاشق يقف في محطة القطار ينتظر وصول محبوبه. يعني حباً من طرف واحد. بل أبعد من ذلك هي لا تعاملني حتى كصديق قديم تتذكره بالخير، فعلى الأقل مر زمن ليس بالبعيد كنا أصدقاء مقربين جداً، حيث كانت تقطع للحظات، وحين تغضب لساعات قليلة. لو كانت باقية على العشرة ولو عزت عليها الأيام الخوالي، لكانت على الأقل أبقت على شعرة معاوية. بل هي تمعن في الردة والحرد ولوي البوز. فما أن أحاول أن أتأقلم على مواعيد وصولها حتى تفلت من بين يدي كما يفلت الماء من بين الأصابع، تهرب بخفة وثقل رياح المنخفض الجوي «هدى». قد يستغرقني الأمر أسبوعاً وأنا أحاول أن أحفظ جدول انقطاع التيار الكهربائي، وقبل أن أهنئ نفسي بأنني نجحت أخيراً في حفظ المواعيد حتى تتغير دون سابق إنذار. في الحقيقة في مرات كثيرة أشفق على عامل الشركة الذي يقوم بقطع التيار بعد سويعات من وصوله، إذ إنه يتلقى دعاوى بالهلاك وقطع اليد والحرمان أكثر من تعداد الشعر في رأسه.
نفسي أيضاً أن تسمعني شركة الكهرباء وتسمع شكاوى مئات آلاف المواطنين أمثالي. الشركة لا تقيم وزناً لكل شكاوى المواطنين. كما ان نفسي أن يقوم مسؤول فيها بتقديم شرح منطقي لما يحدث بشرط ان لا يرمي كل شيء على كاهل الآخرين وكأن دوره في الشركة ليس إلا تقديم الأعذار والتبريرات وليس الحلول. 
نفسي أن ينتهي الانقسام حتى لا يصبح لأحد عذر في رمي كل فشل غزة على كاهله، حتى بات المرء يمكن أن يصدق أن جارته تطلقت من جارهم بسبب الانقسام، او أن تحصيل ابنه متدنٍ في المدرسة بسبب الانقسام (هناك من يقول إن هذا وارد). نفسي ان ينتهي هذا الشيء المقيت المسمى انقساماً حتى نرتاح ونرتاح من الأعذار فالكهرباء لا تأتي، بسبب الانقسام، وإعادة الإعمار واقفة مثل كرفانات أصحاب البيوت المهدمة بسبب الانقسام، والمجاري تطفح امام أول زخة مطر بسبب الانقسام، وربما الجو بارد وعاصف بسبب الانقسام. مرت الآن أعوام ثمانية وربما تمر أعوام ثمانية عشر وثمانية وعشرون والانقسام بكامل شبابه وعنفوانه. ونفسي أيضاً أن نطلب من كل من يريد أن يحمل غزة أكثر مما تحتمل متدثراً بعباءة الانقسام أن يتقي الله فينا قليلاً وان يدرك أننا مللنا، وان حلمنا صار تجاوز البقع السوداء التي تركها الانقسام على أجسادنا. من منا لم يمل كل الأسطوانات المشروخة التي يرددها الكثيرون حول الانقسام! من منا لا يساوره الخوف من أن يموت قبل أن يموت الانقسام! من منا لا يحلم بأن كل ما يجري كابوس وليس واقعاً يعيشه! من منا لا يريد لهذه اللعبة أن تنتهي ويبدأ بكتابة القصيدة!!
نفسي أن أقرر أن أسافر وأن أحمل حقيبتي كما يفعلون في الأفلام واتجه صوب المطار أو الحدود وأغادر مثلما يفعل أي مواطن حر وشريف في أرضه. أن لا أفكر مليون مرة قبل أن يمر خاطر السفر ببالي، فأتعذب وأتألم لأنني اعرف أن السفر من غزة مثل الخروج من خرم الإبرة، وأن التفكير فيه متعب وممل وجارح للمشاعر الوطنية. نفسي ان يكون السفر مثل أي شيء آخر في الحياة في متناول اليد - هل من يقول إن ثمة أشياء كثيرة في غزة ليست في متناول اليد؟. على الأقل أن يكون ثمة حدود وثمة فرص لعبور الحدود. غزة سجن كبير، حتى كلمة كبيرة تبدو في غير محلها لأن السجن سجن حتى لو كانت مساحته مئات آلاف الكيلومترات، طالما لا تقدر أن تخرج منه. فعل الإرادة الغائب والعجز الأكبر من مقدرة التحمل، والحاجز الأعلى من قفزتك في الهواء - هذا إن تمكنت من القفز. 
نفسي أن يتمكن أطفالي من أن يروا العالم خارج غزة؛ لا أن يكبروا مثل معظم سكان غزة وهم لا يعرفون شكل العالم خارجها. كل سنة أعدهم أن نقوم في الصيف بإجازة خارجية؛ على أقل تقدير لمصر الأقرب والأسهل في الوصول او تركيا. وكل سنة أعرف أن عرقوباً كان سيخجل مني وهو يسمعني أعدهم، لأنه يعرف مثلي ان التخطيط للحظة القادمة في غزة حلم لا يصير حقيقة حتى بمعجزة. 
نفسي أن أركب البحر من غزة، ركبته من غيرها لكني مثل كل سكان غزة لا نعرف طعم السفر من بحر غزة. يبدو البحر لوحة جميلة معلقة على جدار الغرفة الكبيرة، غرفة السجن الكبيرة التي اسمها غزة، لكنها صورة لا تعبرها إلى ما خلفها. تقف قبالة الموج وتعرف ان الموجة التي تضرب قدميك أكثر حظاً منك لأنها سافرت بلاداً وبلاداً وجابت شواطئ وشواطئ، اما انت فتقف امام البحر لا تعرف منه إلا صخبه وغضبه والحمم التي تصدر من البوارج الرابضة فوق جسده المائج. 
نفسي أن أذهب للسينما مساء الخميس مع أطفالي أو أصدقائي أو ان اذهب للمسرح أو للمكتبة العامة. نفسي أن أحلم بالمستقبل ولا أجدني أفكر في العقبات لا في الفرص المتاحة، أن انظر بخفة في الغد ولا أجهد عينيّ دون أن تريا شيئاً، أن أقف على تفاصيل اللحظة القادمة بقليل من الثقة دون ان تواجهني تفاصيل مضادة تبدد كل ما أحلم به. 
عام جديد تبدو فيه الأمنيات مغرية ويبدو التقاط المستقبل أكثر طموحاً رغم ضبابية الجو وصعوبة الرؤية وقسوة الواقع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة أمنيات بداية العام غزة أمنيات بداية العام



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:19 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 13:28 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أنت مدعو إلى الهدوء لأن الحظ يعطيك فرصة جديدة

GMT 08:30 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"العقرب" في كانون الأول 2019

GMT 11:41 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 09:03 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الدلو" في كانون الأول 2019

GMT 09:11 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 14:19 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستعين بالتول لتصميم فساتين زفاف

GMT 00:29 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

جزيرة فوكيت لتمضية إجازة ممتعة في مسابح خاصة

GMT 18:38 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طرق تنسيق حقائب الـ Fanny Pack" "
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday