في حضور ياسر عرفات
آخر تحديث GMT 05:19:09
 فلسطين اليوم -

في حضور ياسر عرفات

 فلسطين اليوم -

في حضور ياسر عرفات

د. عاطف ابو سيف

سيظل ياسر عرفات حاضراً في الوعي الفلسطيني مهما طال الزمن أو قصر، وسيظل اسمه احد أسماء فلسطين، وكوفيته رايتها، ولن تغيّب السنون الرجل الذي ارتبط اسمه بفلسطين وارتبطت قضيتها به، حتى بات من الصعب التمييز بينهما، فحيثما حل اسم ياسر عرفات وجدت فلسطين، كما من المتعذر الحديث عن فلسطين دون أن تأتي على سيرة عرفات. 
هذا الامتزاج والتداخل وجد بالفطرة كما خلال الزمن العسير متلاطم الأمواج الذي نجح عرفات خلاله في قيادة دفة السفينة التي تحمل علم فلسطين في أوديسة يصعب على هوميروس صياغة تفاصيلها، كما يصعب على كل الشعراء نظم ما يعبر عنها من آلام ومعاناة كما من عشق وفناء. 
ياسر عرفات لم يكن عابراً في التاريخ الفلسطيني، ولم يكن زمناً وانقضى. فأنت من الصعب أن تتحدث عن ياسر عرفات بصيغة الماضي، فهو الحاضر في التفاصيل، كما هو النسيج الأبرز في الثوب، وهو الطريق الأوضح في الخريطة، وهو البيت المضيء في ظلمة الغابة. 
ياسر عرفات الباقي في الزمن والعابر له، المنتصر على النسيان العصي على كل ميكانزماته، فهو الحاضر أبداً في الوعي وفي الممارسة. 
يصعب تخيل الزمن الفلسطيني بلا ياسر عرفات، كما يصعب الحلم بمستقبل فلسطيني لا يكون ياسر عرفات جزءاً منه، فهو أكبر من الأزمان وأكثر بريقاً من وهج الذاكرة؛ فهولا يحتاجها، كما أنه التعبير الأشمل عن شمولية الزمن الفلسطيني واستمراريته.
هل يمكن تخيل الزمن الفلسطيني بلا ياسر عرفات!! يبدو ذلك متعذراً لأن ياسر عرفات موجود ليس في الزمن الفلسطيني فحسب، بل في الجينات الوراثية التي يتخلق منها هذا الزمن. 
فهو لم يكن مجرد صانع للأحداث، لأن الأحداث قد يكون لها أكثر من صانع، كما أن أكثر من صانع يمكن أن يفعل الحدث نفسه، ولكن يبدو أنه لا حدث فلسطينياً بلا ياسر عرفات، ولا زمن فلسطينياً بلا ياسر عرفات. كما أنه لم يكن مجرد عابر في الطريق حمل الراية ومضى، إذ إن لا راية بلا قبضة يده حول ساريتها، ولا خريطة بلا عرق جبينه ينز على حوافها. وعليه فهو الزمن والخريطة وهو الطريق والبيت وهو ضوء المصباح والمصباح.
حين كنا صغاراً وكنا نشتري الفلافل في قراطيس مصنوعة من أوراق الجرائد، كانت صورة عرفات في خبر على صفحات الجريدة تبدو شهية أكثر من الفلافل الساخن في القرطاس.
وحين نفرد القرطاس على الأرض لنتناول الفلافل، كانت عيوننا تلاحق تفاصيل الوجه الأسمر والكوفية المرقطة التي تزين رأسه وتتدلى على كتفه بشغف ينسينا جوع الصغار، قبل أن نقف تحت تحريض أمنا للركض للمدرسة. 
كانت تلك الطلة السريعة ترتسم في العقل وينسج حولها مخيال الفتى صوراً لبطولات كبيرة يسمعها عن الفدائي الأسمر الذي يحمل بندقيته ثائراً مطالباً بحقه، الحق الفلسطيني الذي هو أكبر من كل قرارات عصبة الأمم وجمعياتها وهيئاتها، إنه الحق العرفاتي.
كما كانت طلة ياسر عرفات من خلف شاشة التلفاز في تلك اللحظات القليلة التي كانت إشارة البث تلتقطها في جهازنا الصغير الأسود والأبيض، في زمن الطفولة، كان وجهه وهو يموج مع التشويش المستمر للبث مثل قمر يركض بين سحابات كثيفة داكنة. 
وكان كلما صفا الجو وبان الوجه الاسمر نفرح مثلما نكون عثرنا على غايتنا المنشودة. 
كان وجهه يبرق لنا بالدفء ويرسل لنا بحب منقطع النظير. في تلك الليلة الغائمة من شهر تشرين الثاني من العام 1988 حين خرج ياسر عرفات من خلف الشاشة يخطب معلناً دولة فلسطين، خرجنا للشارع رغم منع التجول المفروض على المخيم نهتف لياسر عرفات ونقول: "بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار". 
كان أبو عمار جزءاً من كل لحظات اشتباكنا مع جنود الاحتلال ونحن فتية لم نكن نفهم وقتها جدل السياسة ولا بلاغة الساسة. 
كان حاضراً في كل مكان، في كل تفصيل وانعطافة، كان الجنود حين يقبضون علينا في الطرقات أول شيء يطلبونه منا أن نسب على ياسر عرفات، وكنا نرفض ببراءة لا تعرف سرها، كانوا يريدون منا أن نسب على ذاتنا من خلال السب على ياسر عرفات. 
كنا دائماً نشعر أنه بيننا، يجالسنا، يركض معنا في الأزقة وفي ساحات الاشتباك مع الجنود المدججين بالسلاح، وكنا نصدق ما يقول حين يهمس من خلف الراديو أن "الدولة على مرمى حجر". 
كان يجعلنا هذا نشعر أن الدولة قد تكون على مرمى الحجر التالي في يدك. كان عرفات هو حالة المواجهة الدائمة مع الاحتلال، وحالة العشق المستمر لفلسطين. 
أبو عمار يشبهنا كلنا، يشبهنا في ابتسامته، يشبهنا في تكشيرته، يشبهنا في أحلامه، يشبهنا في نظراته القلقة، يشبهنا في حيرته، يشبهنا في فرحه، يشبهنا في رجفة الرمش باحثاً عن إغفاءة الحلم، في تأتاة الشفاه راكضة خلف كلمة عشق تصف فيها فلسطين
أبو عمار كان كلنا وكان كل فرد فينا على حدة، كان المجموع مؤتلفاً، وكان الأفراد مجتمعين فينا، كان التمثيل الأصدق عن الكينونة والشمولية. 
عشر سنوات تمر وكأن الزمن لا يمر، تمضي الأيام وكأنه الخالد الوحيد في ذلك التاريخ العاصف، والصامد الأوحد في وجه الأمواج العاتية. 
كأنه رحل اليوم، او كأنه لم يرحل، عنده فقط يقف الزمن وعلى اعتاب حضوره يغيب الغياب، وإذا ما هبت رياحه اهتزت أزهار الحنون على تخوم الحقول تشتم رائحة الأرض منه، كان ذلك الزمن العرفاتي، والحضور العرفاتي والمستقبل الذي نسجه عرفات بعرق الأيام الخوالي، وهو ينتقل من عاصمة لعاصمة باحثاً عن القدس الذي ووري بجوارها، ليس بعيداً، وليس قريباً، ولكن منتظراً أن يُحمل إلى هناك حيث تهفو الروح وترفرف فوق المساجد والكنائس. 
في هذا الحضور تبقى فلسطين ويبقى ياسر عرفات توأمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حضور ياسر عرفات في حضور ياسر عرفات



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:19 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 13:28 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أنت مدعو إلى الهدوء لأن الحظ يعطيك فرصة جديدة

GMT 08:30 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"العقرب" في كانون الأول 2019

GMT 11:41 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 09:03 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الدلو" في كانون الأول 2019

GMT 09:11 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 14:19 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستعين بالتول لتصميم فساتين زفاف

GMT 00:29 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

جزيرة فوكيت لتمضية إجازة ممتعة في مسابح خاصة

GMT 18:38 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طرق تنسيق حقائب الـ Fanny Pack" "
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday