يها الآباء لا تحمّلوا أبناءكم ما لاطاقة لهم به

أريدك أن تصبح بطلاً في السباحة»، «أريدك أن تصبح عازفًا ماهرًا مثل شوبان»، «أريدك أن تكون الأول في الصف»... رغبات أو أوامر يطلبها الأهل من أبنائهم، سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين. وفي المقابل يشعر الأبناء بأن العلاقة التي تربطهم بأهلهم قائمة على أمنيات الأهل وحدها، أي أن الأبناء يشعرون بأن محبة أهلهم مشروطة بالنجاح والانجاز المطلوبين. وقد يؤدي هذا الشعور إلى الفشل في انجاز المطلوب.
فلماذا يطلب بعض الأهل من أبنائهم ما لا طاقة للأبناء به؟ وما هي نتائج متطلبات الأهل على الأبناء؟ وهل يدفع الأهل أبناءهم إلى الفشل؟ هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها الاختصاصية في التقويم التربوي لمى بنداق.


لماذا يكون بعض الأهل كثيري المطالب من أبنائهم؟
يريد معظم الأهل أن يكون أبناؤهم مثاليين. فهم يرغبون في دفعهم ليكونوا مميزين، وناجحين ليطمئنوا إلى مستقبلهم. ولكن في الوقت نفسه ليحوز الأهل الشعور بالفخر. فنجاح الأبناء وتميّزهم يشكلان مسألة شخصية بالنسبة إليهم. فأحيانًا ينتظر الأهل من أبنائهم تحقيق ما عجزوا هم أنفسهم عن تحقيقه، فيعيشون رغبتهم وشغفهم من خلال أبنائهم، ويظنون أن دفعهم نحو النجاح ولو بالقوة مفيد لهم.
من هنا يسعون إلى أن يحصل الأبناء على نتائج جيدة في المدرسة، وفي المشاركة في الألعاب الرياضية الجماعية أو الفردية، في دروس الموسيقى أو الرسم أو الرقص... وبالتالي يميل الأهل إلى جعل أبنائهم بارعين في كل شيء.
وهذه الرغبة تظهر منذ لحظة ذهاب الطفل إلى الحضانة، وبالتالي فإن وجود أطفال آخرين يسمح لهم بتشييد هيكل المقارنة بين طفلهم والأطفال الآخرين.

 ما هي عواقب رغبة الأهل على الطفل؟
يميل الطفل إلى الامتثال، حتى لو كان لا يحب كل ما يطلب منه أو يشعر بالحمل الثقيل. ولكن يجد في محاولته تحقيق رغبة أهله وسيلة لإظهار حبه لهم. وفي المقابل، يجدها وسيلة ليتأكد من أنهم يبادلونه الحب. فهو يعتقد أنه إذا فشل فإنه سيخيب آمال والديه به، ويفقد حبهما له. وهذا هو المحرّك لمواصلة القيام بما يطلبه منه والداه.
وهذا التعامل مع الابن مضر جدًا، لأنه يضعه في حال من انعدام الأمان العاطفي من جهة، ويُشعره بعدم الرضى من جهة أخرى. فهو لن يقول لا أستطيع، رغم تعبه أو عدم رغبته في انجاز ما يُطلب منه. وسيكون لذلك أثر أيضًا على حياته الاجتماعية الشابة، فهو لن يستطيع أن يمتنع عن وضع نفسه في منافسة دائمة مع أقرانه، وتكون لديه صعوبة في الاندماج مع الآخرين فيشعر بالتهميش، لأن الآخرين قد ينفرون منه بسبب محاولاته الدؤوبة في منافستهم بطريقة مزعجة.

هل من الممكن أن تؤدي رغبة الأهل في تفوّق أبنائهم إلى فشلهم؟
من المعلوم أن الفشل هو أن يعيش الشخص في دوامة من الأخطاء المتكرّرة والمتشابهة، وهو ليس السقوط أو التعثّر، بل أن يكون  حالة  من التعثر الدائم. وفي المقابل، يبدو الفشل مسألة نسبية، فهو يعني بالنسبة إلى البعض عدم الوصول إلى النتيجة المرجوة، وليس الرسوب مثلاً في الامتحانات أو الخسارة في المباريات.
فالتلميذ مثلاً قد يشعر بالفشل لا لشيء إلا لأن علاماته غير كافية بالنسبة إليه، مثلاً نال 18/ 20 بدل 20/ 20 . الفشل في هذه الحالة هو شعور بالإحباط لعدم إنجاز الهدف الذي يتطلع إليه الشخص، فالنتيجة أتت دون التوقّعات والآمال. وبالتالي يؤدي الإحباط إلى الفشل، لأنه يؤثر في حماسة التلميذ التي هي أهم عوامل النجاح التي لا ينبغي تجاهلها.
 فإذا لم تكن نتائج الأداء المدرسي تلبي تطلعات التلميذ والأهل، من الضروري الحفاظ على الحوار مع التلميذ والاستمرار في تشجيعه، وإلا لن يعود يكترث، وبالتالي يرسم طريقه إلى الفشل من حيث لا يدري. وهذا ما يحدث للتلامذة، أطفالاً كانوا أو مراهقين، الذين يعيشون تحت ضغط توقّعات أهلهم، الذين يطلبون منهم ما يفوق طاقتهم ونمطهم في التعلّم.
فحين يكون رد فعل الأهل عدم الرضى عن النتيجة رغم نجاح التلميذ، فهذا الأخير سوف يشعر بالإحباط، لأنه مهما فعل فلن ينال الرضى، وبالتالي يفكّر لمَ عليّ إرهاق نفسي بالدرس طالما أن والدتي لن ترضى عن النتائج التي أنالها مهما كانت.