درر من الحلي الأثري السوري

اهتم الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ باستخدام الأصداف في صناعة أدوات الزينة والحلي بسبب لونها الجاذب وبريقها الأخاذ وازدهرت صناعة الحلي من الأصداف في سورية منذ الألف الثالث قبل الميلاد وتؤكد التنقيبات الأثرية وجود مشاغل وحرفيين في فن تصنيع الصدف والقواقع في مملكة ماري حاليا موقع تل الحريري الأثري كما استخرجت في العصر الفينيقي والروماني صبغة قرمزية من قواقع الخريق البحرية صبغت بها الأقمشة المتنوعة.

ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن الأصداف هي أغطية خارجية صلبة توجد لدى العديد من الحيوانات مثل جراد البحر وبلح البحر والمحار والروبيان والقواقع والسلاحف المائية كما ينمو بعضها داخل الجسم في أنواع عديدة من
الحبار وهذه الأصداف الداخلية جيرية خفيفة وإسفنجية.

وتتشكل معظم الأصداف من ثلاث طبقات تحتوي على كربونات الكالسيوم والمعادن التي تمنح الصدفة القوة والمتانة وهي طبقة خارجية موشورية وطبقة وسطى صفاحية وطبقة داخلية أو طبقة عرق اللؤلؤ التي تحتوي في معظم الأصداف مادة لامعة.

بعض الأصداف ذات أشكال جميلة وألوان براقة وبعضها عادي وغير ملون ويشكل الغذاء الذي تلتهمه الرخويات والذي يحتوي على المعادن العامل الرئيسي في إكساب الصدفة ألوانها المميزة ويقوم الدم بنقل تلك المعادن إلى بطانة الصدفة شبه الجلدية وفيها تفرز الغدد مواد سائلة تكون الصدفة ومواد مصلبة تعمل على تصليب المواد السائلة بسرعة فتصبح الصدفة شديدة الصلابة كما تعمل الغدد على إضافة اللون إما بصورة متوالية من مصدر واحد فقط فيصبح للصدفة شريط لوني واحد أو بإضافة اللون بصورة متوالية من أكثر من مصدر فتتلون الصدفة بأشرطة لونية أما إذا أضيف اللون بصورة متقطعة فتتكون على الصدفة بقع أو أعمدة لونية.

معظم أنواع الرخويات يضيف مواد جديدة لأصدافه طيلة عمره وكلما ازداد الحيوان نموا كبرت صدفته.

وبين المؤرخ السوري أن سورية استوردت الأصداف المميزة بالحجم واللون واللمعة والملمس الناعم بشكل رئيسي من شواطئء المحيط الهادي أكبر مسطح مائي على وجه الأرض ففي جنوبه ينمو حيوان السمان الصدفي الضخم أو البطلينوس العملاق والذي يؤخذ منه أكبر الأصداف حجما والتي يصل طولها إلى أكثر من متر وتزن 230 كغ و هي أصداف أحادية المصراع كما يعيش في جنوب المحيط الهادي المحار الملزمي الضخم أكبر الرخويات ثنائية المصراع ويصل طول صدفته نحو المتر وفي غرب المحيط الهادي يعيش بكثرة حيوان النوتي والذي يؤخذ منه صدفة تتكون من غرف عديدة كل غرفة أكبر من سابقتها ومغلقة بإحكام من جميع الجوانب بوساطة جدران رقيقة ما عدا الغرفة الخارجية ولدى هذه الصدفة الحلزونية لون أصفر شاحب مخطط باللون البني بينما غرفها مبطنة بأم اللآلئ البراقة.

وقال السيد إن أصداف النوتي تنمو حتى 25سم في القطر كذلك يعيش في شواطئ المحيط الهادئ حيوان الخيتون النجمي ويصل طول صدفته إلى 30 سم وحيوان التيرتون الضخم الجميل النادر جداً وتستعمل صدفته بوقا تقليديا مشيرا الى انه اكتشف في احدى قاعات القصر الملكي بمملكة ماري قوقعة كبيرة من نوع خفير ومن نمط تيرتون مقسومة طوليا الى قطعتين وتصنف كنوع من انية السكيب مستوردة من الخليج او من المحيط الهندي وبهدف المحافظة على سلامة الأصداف من التكسر والتشقق والمحافظة على بريق ألوانها الأصلية تجمع غالبية الأصداف من الحيوانات الحية.

ولفت السيد أنه اكتشف في موقع تل عتيج الأثري في منطقة الخابور الأوسط حلية صدفية على شكل ثور توءرخ بحوالي 2500 ق.م وهي محفوظة حاليا في متحف دير الزور كما اكتشف في مملكة ماري على الضفة اليسرى لنهر الفرات العديد من الحلي المصنوع من صدف المحيط الهادي منها خاتمان صدفيان زخرف أحدهما بحزوز فقط بينما زخرف الخاتم الآخر بثقوب خصصت لوضع حجارة كريمة فيها تثبت بالقار وهما محفوظان حاليا في متحف حلب و يوءرخان بعصر البرونز.

كما توثق اللقى الأثرية المكتشفة في القصر الملكي و معبد الشمس في مملكة ماري استخدام الصدف في الترصيع و التعشيق ومنها لوحة أو عنصر تعشيق من العاج والصدف والكلس الأحمر والشيت يؤرخ بالقرن الخامس والعشرين قبل الميلاد ويصور مشهد أضحية يبدو فيها رجلان يحتفلان بطقس ديني ويتحضران لذبح كبش وقد القياه أرضا وقلبا رأسه وأصبح عنقه مهيأ للذبح ويراقب المشهد ثلاثة أشخاص بوضعية الصلاة واللوحة محفوظة حاليا في متحف دمشق ولوحة أو عنصر زخرفي للترصيع من الصدف والنضيد والقار يؤرخ بالقرن الرابع والعشرين قبل الميلاد ويصور جنديا من ماري يرتدي غلالة طويلة ويدفع أمامه سجينا عاريا يداه مربوطتان على جذعه وقد مثل الأشخاص بصدف اللؤلؤ واللوحة محفوظة حاليا في متحف حلب.

و أوضح نائب مدير المخابر أن صناع الحلي السوريون صنعوا أيضا من الأصداف أزرارًا لؤلؤية وزينوا بالأصداف العلب الفاخرة والآلات الموسيقية كما صنعوا من الأصداف قواعد للشمعدانات.