يتفقد منزله المدمر في بصر الحرير في درعا

يُعد التركيز حاليًا على "هدنة الجنوب" السوري، والتي تقع بين حافتين "أفكار أميركية - أردنية مع روسيا، مرفقة بتحذيرات للحفاظ على اتفاق "خفض التصعيد" وتنفيذه بنوده بما في ذلك إبعاد "حزب الله" تنظيمات تابعة لإيران من جهة، وتشجيع طهران لدمشق للذهاب إلى الحل العسكري والتلويح بأسلوب "الأرض المحروقة" من جهة ثانية".

وكان لافتًا أمس، إعلان واشنطن موقفًا تضمن مطالبة موسكو بالوفاء بإلتزاماتها بموجب بيان الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين العام الماضي.

وكان النقاش بعد غوطة دمشق وريف حمص، عن الوجهة المقبلة للمعارك والتسويات في سورية "جنوب غرب، شمال غرب، شمال شرق"، والفرق بين المناطق هو عمق الانخراط الخارجي، وحصلت اتفاقات "خفض التصعيد" شرق دمشق وشمال حمص بضمانة روسية ورعاية مصرية، غير أنه في الاتفاقات الأخرى كان هناك انخراط مباشر عسكري ودبلوماسي لدول مجاورة و/ أميركا وروسيا.

إذ إن اتفاق "خفض التصعيد" في جنوب غربي البلاد حصل باتفاق روسي - أميركي - أردني بعيدًا عن عملية آستانة، فيما يقع اتفاق إدلب ضمن عملية آستانة التي تضم روسيا وتركيا وإيران. أما منطقة شمال شرقي البلاد، فإنها محكومة باتفاق "منع الصدام" بين الجيشين الأميركي والروسي اللذين اعتبرا نهر الفرات خط الفصل بينهما بعد معاركهما ضد "داعش".

رياح الجنوب

وتشكل أجزاء من محافظات درعا والقنيطرة والسويداء جنوب سورية إحدى مناطق خفض التصعيد باتفاق أميركي - روسي - أردني في يوليو /تموز، وحاولت قوات النظام العام الماضي مرارًا التقدم إلى أحياء سيطرة الفصائل في المدينة وخاضت ضدها معارك عنيفة من دون أن تحرز تقدمًا بعد صد "الجيش السوري الحر" المهاجمين.

بعد الغوطة وحمص، الواضح أن دمشق حسمت خياراتها بدفع قواتها وتنظيمات تدعمها إيران إلى الجنوب وشمل ذلك قوات العميد سهيل الحسن المعروف بـ"النمر" والفرقة الرابعة و"لواء القدس" التابع لـ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل بعد الانتهاء من معارك مخيم اليرموك قبل أيام. كما ألقت مروحيات منشورات، وطبعت على أحد المنشورات صورة مقاتلين قتلى مرفقة بتعليق: "لا تكن كهؤلاء. هذه هي النهاية الحتمية لكل من يصر على الاستمرار في حمل السلاح (...) اترك سلاحك قبل فوات الأوان". وكتب على آخر: "أمامك خياران، إما الموت الحتمي أو التخلي عن السلاح، رجال الجيش قادمون، اتخذ قرارك قبل فوات الأوان".

وحضت منشورات أهالي درعا، التي انطلقت منها "شرارة الثورة" في 2011، للتعاون مع قوات الحكومة ضد "الإرهابيين"، علمًا بأن دمشق تصف جميع المعارضين بأنهم "إرهابيون"، وأن مقاتلي الجنوب هم من "الجيش الحر" باستثناء عدد قليل من عناصر تابعين لتنظيمات متطرفة.

وتسيطر فصائل معارضة على سبعين في المائة من محافظة درعا، وعلى أجزاء من مركز المحافظة. وتوجد في المدينة القديمة الواقعة في القسم الجنوبي من درعا فيما تحتفظ قوات الحكومة بسيطرتها على الجزء الأكبر شمالًا، حيث الأحياء الحديثة ومقرات مؤسسات الحكومة.

وبالتزامن مع انطلاق عملية "آستانة" التي قاطعتها أميركا، انطلقت بين واشنطن وموسكو وعمان في مايو (أيار) العام الماضي، مفاوضات لإقامة منطقة "خفض تصعيد" جنوبًا أسفرت في يوليو عن اتفاق بين الرئيسين ترمب وبوتين على هامش قمة هامبورغ، ثم جرى التأكيد عليه خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي "أبيك"، في دانانغ في فيتنام في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وتوصل وزيرا الخارجية الأميركي حينها ريكس تيلرسون، والروسي سيرغي لافروف، إلى اتفاق، أُعلِن باسم الرئيسين ترمب وبوتين في 11 نوفمبر تضمّن عناصر، بينها أهمية "خفض التصعيد" في الجنوب باعتباره "خطوة مؤقتة" للحفاظ على وقف النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بهدف "الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة"، في إشارة إلى عناصر الميليشيات الإيرانية و"حزب الله".

وكانت وُقعت في عمان، في 8 نوفمبر، مذكرة تفاهم لتنفيذ اتفاق، وتضمنت تأسيس مركز رقابة في عمان لتنفيذ الاتفاق الثلاثي لاحتفاظ المعارضة بسلاحها الثقيل والخفيف، وتحديد خطوط القتال، وبدء تبادل تجاري مع مناطق النظام، وتشكيل مجلس محلي معارض، واحتمال عودة اللاجئين من الأردن أو نازحين قرب الحدود.

وتعني الخطة التي ضمنت تعاونًا روسيًّا - أميركيًّا، بالنسبة إلى موسكو، القضاء نهائيًّا على "جبهة النصرة" و"جيش خالد" التابع لـ"داعش". وقدمت وقتذاك إدارة ترمب تنازلًا بأنها جمدت البرنامج السري لدعم فصائل المعارضة بتنسيق من "غرفة العمليات العسكرية" بقيادة "وكالة الاستخبارات الأميركية" (سي آي إيه) في الأردن. ونهاية العام الماضي، أوقف الدعم العسكري والمالي فعليًا لـ35 ألف مقاتل معارض في "جبهة الجنوب".

وجرت سلسلة لقاءات أميركية - روسية - أردنية منذ نوفمبر الماضي، لتنفيذ الاتفاق الثلاثي؛ حيث جرى تبادل الاتهامات، وتقول واشنطن "إن موسكو لم تلتزم إبعاد (القوات غير السورية) بين 5 و15 كيلومترًا في المرحلة الأولى، و20 - 25 كيلومترًا بالمرحلة الثانية، وموسكو التي نشرت بعض نقاط المراقبة ضمن منطقة فصل تلف خط القتال بين النظام والمعارضة، تقول "إن واشنطن لم تلتزم محاربة (النصرة) و(جيش خالد)"؛ لكن الاتفاق بقي صامدًا مع وقف عمليات القصف والعمليات الهجومية.

وحاول معارضو الاستنفار لـ"نجدة الغوطة"، خلال معارك غوطة دمشق؛ فجاء الجواب من السفارة الأميركية في عمان برسالة بعثت إلى قادة فصائل "الجبهة الجنوبية" في "الجيش الحر"، فيها أن الضربات من الطيران الروسي أو السوري "لا تعني بأي شكل من الأشكال نهاية اتفاق خفض التصعيد الموقع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والأردن ولا تشير إلى أي تغيير في سياستنا العامة تجاه سورية".

وتابعت "كدولة ضامنة لاتفاق خفض التصعيد، لا نرغب بأن نرى النظام يأخذ أراضيكم في الجنوب ونريد حفظ حقكم بالمطالبة بدولة الحرية والعدالة، لذلك نطلب منكم الحرص الكامل على عدم إعطاء النظام وحلفائه أي فرصة للانقضاض عليكم أو يقوم في درعا والقنيطرة بما قام به في الغوطة الشرقية" (قبل انتهاء المعارك). وفي إشارة تحذيرية، جاء في الرسالة: "إذا بادرتم في عمل عسكري ينتهك خفض التصعيد لن نستطيع أن ندافع عنكم، وإن بادر النظام بانتهاك الاتفاق فسنفعل أقصى ما بوسعنا لوقف الانتهاك وضمان استمرار اتفاقية خفض التصعيد".

عرض ـ تحذير أميركي

وبدأ حلفاء المعارضة مع اقتراب التعزيزات إلى درعا وإجراء ميلشيات إيرانية عمليات إعادة انتشار وبث حملات دعائية، البحث في الخيارات، وبحسب المعلومات المتوفرة لـ"الشرق الأوسط"، فإن مساعد نائب وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد عكف في الأسبوع الماضي على صوغ مقترح استمزجه مع دول إقليمية.

وتضمن العرض الذي كان مقررا بحثه مع الجانب الروسي: انسحاب جميع الميليشيات السورية وغير السورية إلى عمق 20 - 25 كيلومترًا من الحدود الأردنية (علمًا بأن الاتفاق الثلاثي نص فقط على انسحاب المقاتلين غير السوريين فقط، في إشارة إلى ميلشيات إيران) للاعتقاد أن إيران جنّدت ميليشيات سورية، نقل مقاتلي المعارضة وأسرهم إلى إدلب شمال سورية (التقديرات بأنهم نحو 12 ألفًا)، عودة الجيش النظامي إلى الحدود وعودة مؤسسات الدولة إلى درعا، إعادة فتح معبر نصيب بين سورية والأردن، إضافة إلى تشكيل آلية أميركية - روسية للرقابة على تنفيذ هذه البنود.

وتضمنت أفكار ساترفيلد، الذي عُيِّن الباحث في مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد شنكر بدلًا منها، احتمال تفكيك معسكر التنف الأميركي في زاوية الحدود السورية - الأردنية - العراقية، الذي تعرض لانتقادات علنية من موسكو؛ وربط دبلوماسيون بين هذا "العرض" والوجود الأميركي شمال شرق سورية بعد هزيمة "داعش".

كما حاول مسؤولون أردنيون التواصل مع الجانب الروسي للحصول على "ضمانات" بتأمين الحدود وعدم قدوم لاجئين جدد إلى الأردن، وفتح المجال لعودة لاجئين سوريين إلى بلادهم، في وقت بحث معارضون من الجنوب تداول اقتراحًا تضمن تدمير المعارضة للسلاح الثقيل أو تسليمه إلى دمشق ونشر عناصر من الشرطة الروسية بين حدود الأردن ودرعا بعمق 18 كيلومترًا، إضافة إلى عمل آلاف من مقاتلين معارضين كشرطة محلية وعودة مؤسسات الدولة إلى الجنوب.

ورجحت مفاوضات داخل إدارة ترمب، خط وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الجديدين مايك بومبيو وجون بولتن، خصوصًا أن ساترفيلد على وشك ترك منصبه، وربما كي يصبح سفيرًا في أنقرة، إذ أعلنت الخارجية الأميركية أمس بيانًا تضمن تحذيرًا من أنها ستتخذ "إجراءات حازمة ومناسبة"، ردًّا على انتهاكات وقف إطلاق النار، قائلة إنها تشعر بقلق بشأن تقارير أفادت بقرب وقوع عملية عسكرية.

وقالت هيذر ناورت الناطقة باسم الوزارة في بيان "تشعر الولايات المتحدة بالقلق من التقارير التي أشارت إلى عملية وشيكة لنظام الأسد في جنوب غربي سورية، ضمن حدود منطقة تخفيف التصعيد التي تم التفاوض عليها بين الولايات المتحدة والأردن والاتحاد الروسي في العام الماضي، وتم التأكيد عليها بين الرئيسين ترمب وبوتين في دا نانغ في فيتنام في نوفمبر. لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على استقرار منطقة تخفيف التصعيد في جنوب غربي البلاد، ووقف إطلاق النار الذي تقوم عليه. ونحذر أيضًا النظام السوري من أي أعمال قد تشكل خطر توسيع دائرة الصراع أو تعريض وقف إطلاق النار للخطر. ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات صارمة ومناسبة ردًا على انتهاكات نظام الأسد بصفتها ضامنًا لمنطقة خفض التصعيد مع روسيا والأردن".

وتابعت "روسيا مسؤولة على النحو الواجب كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي لاستخدام تأثيرها الدبلوماسي والعسكري على نظام الأسد لوقف الهجمات وإجباره على وضع حد لأي هجمات عسكرية مستقبلية. يجب على روسيا أن تفي بالتزاماتها المعلنة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 ووقف إطلاق النار في جنوب غربي سورية وفقًا لما هو محدد في بيان دا نانغ بين الرئيسين ترمب وبوتين".

انسحابات وتفاهمات

وتزامن تجديد الحديث عن سحب الميلشيات المدعومة من إيران من جنوب سورية والضغط لالتزام "هدنة الجنوب" مع عنصرين: أولًا، استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله" في سورية، ثانيًا، حديث الرئيس بوتين بعد لقائه الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي عن ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية.

ولاحظ مسؤول غربي أن القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سورية تزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو "ما يعني موافقة سياسية روسية وميدانية لأنها الجيش الروسي لم يشغل منظومة صواريخ إس - 400 الموجودة غرب سورية".

وأضاف "كان لافتًا أن روسيا لم تتحرك دبلوماسيًّا بعد الغارات الروسية ولم تنتقد الغارات كما فعلت بعد الغارات الثلاثية الأميركية - البريطانية - الفرنسية على مواقع تابعة للحكومة في أبريل /نيسان الماضي ردًّا على هجوم كيماوي في دوما عندما نقلت الملف إلى الأمم المتحدة وسط انتقادات إعلامية وسياسية".

أما بالنسبة إلى البند الثاني، يتعلق بكلام بوتين عن "انسحاب جميع القوات الأجنبية" من سورية، بل إن مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينييف حدد المقصود بجميع القوات ذاكرًا بالاسم إيران و"حزب الله" وتركيا وأميركا، الأمر الذي رد عليه ناطق باسم الخارجية الإيرانية بان وجود إيران بناء على طلب "الحكومة الشرعية"، الأمر الذي كرره بمعنى ما نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

واعتبر دبلوماسيون ذلك أنه إشارة إلى شقوق إضافية بين روسيا التي تملك اتفاقات رسمية مع دمشق تشرعن وجود قاعدتي طرطوس وحميميم من طرف وإيران التي سعت ولم تنجح للحصول على صك قانوني يشرعن وجود قواتها في سورية من طرف آخر، وأن دمشق تحاول الموازنة بين "الحليفين، لكن ذلك يزداد صعوبة مع اقتراب المعارك من مناطق تفاهمت موسكو مع دول خارجية حولها، ما بدا أن دمشق باتت أقرب إلى الخيار الإيراني فيما يتعلق بمعركة الجنوب".

وقال أحد الدبلوماسيين "إن الأيام الماضية شهدت "إعادة انتشار" لقوات تنظيمات تابعة لإيران وفق الآتي "عادت الميليشيات و(حزب الله) بضعة كيلومترات بعيدًا من الحدود الأردنية، لكن بقيت أقرب إلى الجولان. إذ إن (حزب الله) تحرك في مواقعه في معسكر البعث وهضبة تل أيوب 4 - 5 كيلومترات إلى بلدتي حمريت ونبع الفوار، كما أن عناصر الحرس الثوري انتقلت من درعا المدينة إلى ازرع لكنها بقيت على جبهات القتال الشمالية، إضافة إلى انتقال لواء القدس الفلسطيني من مخيم اليرموك إلى درعا".

في موازاة ذلك، بعثت دمشق مقترحًا عبر وسطاء إلى دول إقليمية تضمّن: انسحاب "حزب الله" وميلشيات إيران 25 كيلومترًا بعيدا من خط فك الاشتباك من هضبة الجولان المحتلة، وفق ترتيبات تسمح بوجود مجالس محلية في بيت جن وقرى في الجولان المحرر والبحث عن إمكانية إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل لعام 1974 الذي يتضمن منطقة محايدة ومنطقة منزوعة السلاح وأخرى محدودة السلاح يراقبها نحو 1200 عنصر من "قوات الأمم المتحدة لفك الاشتباك" (اندوف).

لكن في الوقت نفسه تواصل دمشق مدفوعة من إيران تعزيز قواتها وآلياتها إلى الجنوب، حيث تطرح سيناريوهات مشابهة لغوطة دمشق، وقبل ذلك شرق حلب، بحيث تتقدم القوات من درعا إلى معبر نصيب مع الأردن ليتم فصل شرق منطقة اتفاق "خفض التصعيد" عن غربها مع السيطرة على تلال استراتيجية وتكثيف الغارات و"قضم المناطق واحدة بعد الأخرى تحت التهديد بالنار والتسويات". عمليًّا يعني ذلك دفع المعارضة للاختيار بين ثلاثة نماذج: "نموذج دوما" الذي طبق شمال غوطة دمشق، و"نموذج حمورية" في الغوطة التي تعرضت لنهج "الأرض المحروقة"، و"نموذج سقبا" الذي يقع في الوسط بين النهجين.

وتحاول دمشق وضع ذلك تحت غطاء محاربة "جبهة النصرة" أو "جيش خالد" التابع لـ"داعش"، وأن كان اتفاق خفض التصعيد الثلاثي نص على أن ذلك من مسؤولية ضامني الاتفاق، أي أميركا وروسيا، الأمر الذي أكدت عليه واشنطن أمس من خلال بيان الخارجية.