اشتشهادالطفل هيثم محمد الجمل

لم تصدق الأم المكلومة أن ابتسامة طفلها البكر هيثم محمد الجمل، غادرتها إلى الأبد، وبين الفينة والأخرى كانت تصرخ مذعورة: "تعال يا هيثم"، فتحاول المعزيات النساء تهدئتها ومواساتها بأن طفلها قضى شهيداً.

وهيثم غادر منزله مودعًا والدته بابتسامة جميلة كعادته، فانتظرت عودته ليلتمّ شمل العائلة على مائدة الإفطار الرمضانية، بعد أن وعدته بإعداد وليمة شهية.

وتقول والدة هيثم إن ابنها توجه برفقة مئات الشبان والفتية إلى مخيم العودة ليشارك في الاعتصامات والتظاهرات السلمية، ولم يشكل أي خطر على قناصة الاحتلال، الذين أعدموه بدم بارد، ووجهوا نحوه رصاصة متفجرة، لم يستطع جسده الضعيف احتمالها، فسقط شهيدًا.

وأضافت "كنت أراه يكبر أمامي كل يوم، وأضع كل أحلامي وأمنياتي فيه وبشقيقه الأصغر، بأن أعلمهما لأراهما رجلين أفتخر بهما، لكن كل الأحلام انتهت في لحظة، وقد ذهب هيثم ولن يعود. وقال المصور الصحافي محمد قنديل، وكان شاهدًا على جريمة قتل الطفل هيثم: إن الشهيد الطفل أدى صلاة العصر مع مجموعة من المعتصمين، ثم وقف على بعد مئات الأمتار من السياج الفاصل يشاهد كغيره التظاهرات، حيث باغتته رصاصة اخترقت خاصرته ومزقت أحشاءه قبل أن تخرج من الجهة الأخرى.

وحاول الطاقم الطبي، سواء في الخيمة الطبية أو مستشفى غزة الأوروبي، إنقاذ حياته، غير أن وضعه الحرج حال دون ذلك. ورغم وقع الخبر الصادم على والد هيثم، الذي صعق بنبأ إصابته ثم مقتله، إلا أنه تماسك وتمالك نفسه، وذهب إلى المستشفى مودعاً جثمان ابنه، وطبع قبلة على جبينه، ثم نظر إلى وجهه وقال: "الله يسهل عليك".

وأكد محمد (34 عاماً)، أنه ودع ابنه البكر الذي كان يعول عليه كثيرًا في المستقبل، لكنه يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن دماء ابنه ليست أغلى من دماء الشهداء ممن سبقوه. وأوضح أنه حتى الآن لا يعلم لماذا قتلوه، وأقصى ما يتمناه أن يقاضي من أصدر أمر إعدامه ومن ضغط على الزناد ليضع حداً لحياة طفل كل أمنيته وحلمه أن يعيش كباقي أطفال العالم.

وشدد على أن غياب محمد خلف وسيخلف فراغًا كبيرًا في العائلة، فهو الابن المثابر الشقي، الذي يضفي أجواء مرحة على المنزل، وبغيابه انطفأت شمعة العائلة، ولم يعد للحياة معنى.

وأما جده الحاج خليل، فودع حفيده بدموع الحزن، مؤكداً أن ما حدث مع هيثم دليل واضح على مدى الجرائم اليومية التي ترتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، فما ذنب هذا الطفل أن يقتل بهذه الطريقة الوحشية؟

وكان الشهيد هيثم ورغم صغره، يحاول منذ أسابيع صنع قناع يحمي مرتديه من الغاز المسيل للدموع، ويقلل من الآثار الكارثية لهذا الغاز. وتوصل هيثم وفق ذويه لشكل مبتكر للقناع، وكان يحاول إطلاقه، في رسالة أراد من خلالها أن يطلع العالم على ما يتعرض له الأطفال من قمع وانتهاكات من قوات الاحتلال.