صناعة الحلويات الشرقيه

يرتبط شهر رمضان في دمشق  بمجموعة عادات خاصة تاخذ طابعا احتفاليا متنوعا يعكس  تنوع  اصول سكانها من عرب و اتراك و كرد و شركس ومهاجرين من كافة اصقاع الارض، وتبدأ الإحتفالات برمضان في دمشق  منذ ليلة النصف من شعبان التي يحرص الدمشقيون على صوم نهارها وإحياء ليلتها في المساجد حيث تنشد المدائح النبوية و تؤدى رقصة "المولوية" ، وفي اليوم التالي يبدأ الناس بشراء "مونة رمضان" وتجهيز بيوتهم بكل ما تحتاجه من مواد غذائية وتشهد الأسواق نشاطا إستثنائيا في تلك الفترة وتلاحظ الزينة و الأضواء الخضراء في جميع المتاجر ، وقبل بدء الصوم بأيام كان الدمشقيون يخرجون إلى ضفاف نهر بردى والبساتين القريبة منه(الربوة -نبع بردى -الغوطة) مع عائلاتهم أو اصدقائهم للتمتع بالطبيعة و بالطعام و الغناء و الإحتفال في تقليد قديم يسمى " التكريزة " وهو لوداع أيام الإفطار باحتفال صغير ممتع قبل قضاء الشهر الكريم في العبادة و التقرب من الله عز وجل .

ومع دخول أول أيام رمضان يتبادل الناس التهاني والتبريكات في زيارات للاقارب والمعارف ويزينون بيوتهم وحاراتهم حتى أن  الغريب عن دمشق يخطأ في التمييز بين أول يوم في شهر رمضان وبين أول أيام عيد الفطر .

وينتظر سكان العاصمة بعد منتصف الليل صوت الطبلة والنداء المييز للمسحراتي  وهو من أجمل العادات الرمضانية بلباسه الشعبي و عباراته المنتقاة التي تدفع الناس للقيام من النوم وذكر الله والإستعداد للصوم ، ويعد إجتماع العائلة على السحور طقسا أكثر من وجبة طعام يشارك فيه كل افراد العائلة  حيث ينتاول المتسحرون أطعمة من التراث الدمشقي ( معروك -سمن وتمر -رز بحليب)، ومن العادات المحببة أيضا في أوائل أيام الصوم أن يساير الأهالي أولادهم الصغار ويشاركوهم لذة الصيام بأن يسمحوا لهم بالصيام حتى آذان الظهر  في تقليد يسمى (درجات المادنة ) .

وتنهمك النساء في النهار  باعداد وجبة الفطور وتبادل أطباق الطعام مع الجيران في عادة قديمة القصد منها أن تكون موائد الفقراء مشابهة للأغنياء و أن لا "يكسر  خاطر" شخص صائم حتى لو كان فقير الحال ، وتسمى هذه العادة ب " السكبة "  ... وتتسابق نساء دمشق لإعداد أجمل "سفرة" لإرضاء زوجها و التباهي أمام المدعوين من أقاربها، ولا تكتمل وجبة الإفطار بدون المشروبات التراثية للدمشقية "عرق سوس - تمر هندي -قمر الدين " أو المقبلات " الفول المدمس- التسقية"  

وتعد وجبة الإفطار في رمضان أنسب وقت لإجتماع العائلة و الأصدقاء و حل الخلافات و تصفية القلوب ونسيان المشاكل..وتجري العادة أن يدعو كبير العائلة جميع أفرادها للإفطار في اول أيام الصيام ليتصالح الكبار ويحلو مشاكلهم  ويلتقي الصغار والشباب منهم للحفاظ على الروابط الاسرية في المستقبل، وشهر رمضان مقسم في دمشق إلى ثلاث أقسام ،أولها لدعوات الإفطار والتفنن بإعداد أشهى الأطعمة واجتماع العائلة ..والثاني للتسوق لشراء ملابس العيد وحاجات العائلة ..والثالث لتجهيز الحلويات والإستعداد للعيد ،وهذا الترتيب قديم في دمشق ومتعارف عليه ( أول عشرة "للمرق"  و الثانية "للخرق" و الثالثة  "لصر الورق"  ) ، ولا تكتمل تقاليد شهر رمضان بدون " الختمة" وهي قراءة القرآن الكريم كاملا مرة واحدة على الأقل بغض النظر عن "ختمة " صلاة التراويح  ..ويتسابق الصائمون لأكمال أكثر من "ختمة" أثناء قيام الليل وإهداء أجرها للوالدين أو لشخص قريب أو صديق متوفى.

و يتمثل الدمشقيون بأخلاق الشهر الفضيل و يخرجون زكاة أموالهم و صدقاتهم و يتم شراء "مونة رمضان " للعائلات الفقيرة والأرامل  قبل بداية الشهر و توزيع الأموال على الفقراء ودور الأيتام قبل أيام من عيد الفطر لشراء الملابس الجديدة للأطفال  لكي تعم الفرحة جميع البيوت والنفوس ..كما يتسابق أغنياء العاصمة لإقامة موائد الرحمن في الأحياء الفقيرة، ويحاول أهالي العاصمة الحفاظ على هذه العادات رغم قسوة الحرب و الحالة الإقتصادية الصعبة، حتى لا ينساها الأطفال و تندثر  مع الأيام .