إحدى مرضى "حمى القش"

كشفت دراسة بريطانية حديثة، أنَّ من يعانون آلام حمى القش أكثر عرضة لتطورها إلى اكتئاب شديد أربع مرات عن ذويهم من الأصحاء، مشيرة إلى أن الالتهابات في الأوعية الدموية والأربطة الموجودة في لجسم تحدث بسبب الحساسية لحبوب اللقاح والتي يكون لها أثار سلبية بعيدة المدى على المخ.  

وتعتبر الاستجابة للالتهابات، سبب لأعراض الحساسية العادية مثل العطس، هي طريقة الجسم في محاولة التخلص من الحمى مثل حبوب اللقاح، إلا أنه تبقى هناك آثار على الجسم لحقت به أثناء التعرض لمستويات قليلة من الالتهاب لأشهر عديدة، كما في موسم حمى القش، ويكون لها آثار نفسية خطيرة بعيدة المدى بالحياة، ومع ذلك يمكن أن يتم علاجها بأدوية بسيطة مثل الأيبربروفين.

ويعاني حوالي مليون شخص في بريطانيا سنويًا أثناء فصل حمى القش، التي تصل ذروتها في أواخر فصل الربيع والصيف، ويتحقق الباحثون مما إذا كان الالتهاب يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والاكتئاب الثنائي وانفصام الشخصية.

وفي دراسة أخيرة بحث العلماء في الجامعة الوطنية يانغ مينغ بتيوان حوالي 100 ألف مراهق يعانون من حمى القش، و30 ألف آخرين لا يعانون أعراض المرض.

وقاموا بملاحظة ورصد المجموعتين خلال عقد تقريبًا، وسجلوا كيف أن الكثيرين منهم ظهرت عليهم أعراض الاضطراب الثنائي، وهي الحالة التي يمكن تصنيفها بفترات من الهوس (عندما تظهر لدى الناس الحماسة ويفقدون القدرة على التركيز أو النوم) وتبعها حالة اكتئاب شديد.

وأظهرت النتائج التي نشرت في مجلة البحوث العلمية أن المراهقين كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والاضطراب الثنائي أربع مرات عن البالغين.

واكتشفت دراسة دنماركية مبكرة عام 2010، أن الناس المصابين بالحمى مثل حمى القش أكثر عرضة لمخاطر الانتحار بنسبة 30% عن غير المصابين بالحمى، وأقر باحثو جامعة أرهوس بهذه النتائج بعد مقارنة معدلات الحمى مع معدلات ضحايا الانتحار مع مجموعة من الأصحاء.

ولكن كيف يكون مرض حميد مثل سيلان الأنف مرتبطًا بمرض عقلي؟ العلماء ليسوا متأكدين تمامًا، ولكنه من المعروف أن أي رد فعل أثناء الحمى، فإن المخ يتأجج بمواد السيتوكينات المصاحبة للالتهاب، وهذه هي البروتينات التي تسبب الالتهاب في ما بعد وتطلق المواد الكيميائية في الدم لطرد واستبعاد "الغزاة" الغرباء مثل حبوب اللقاح.

ويتطور الالتهاب لكي ينبه جهاز المناعة بأن الجسم يتعرض لهجوم، وطبيعيًا، فإنه يقضي على التهديد الذي يظهر، وتشفى الأنسجة الملتهبة؛ ولكن تتطور المشكلات عندما لا يتم تثبيط الالتهاب.

وترجح العديد من الأبحاث أنه يمكن أن تتسبب السيتوكينات في تراجع مستويات الاستيرونين في المخ، والتي تسمى كيميائية السعادة، والتي تؤدي انخفاض نسبتها إلى الاكتئاب.

ويمكن أن يكون هذا تفسيرًا حيويًا للأسباب التي تجعل الالتهابات العادية تتسبب في أمراض نفسية، ويتحقق الباحثون الآن إذا ما كانت الأدوية المضادة للالتهابات مثل الأيبروبروفين يمكن أن تعالج الاكتئاب.

وبدأت كلية كينج لندن مع مطلع هذا العام أكبر تحقيق على الإطلاق حول الالتهابات التي تؤدي إلى اكتئاب المريض عن طريق عمل اختبارات وأشعة للمخ.

وفي الماضي، كانت أعراض الالتهابات تظهر في الدم للمريض المكتئب، ولكن لم يثبت أن الالتهاب موجود في المخ أيضًا، والذي يعتقد أنه يمكن أن يكون سببًا لأعراض الاكتئاب.

ويختبر العلماء الآن ما إذا كانت الأدوية المضادة للالتهابات يمكنها أن تعالج المريض الذي لم يستجيب لمضادات الاكتئاب عن طريق تحسين مستوى الاستيرونين.

وتؤكد الدكتورة فاليري مونديل، واحدة من الباحثين، أنه لكون الالتهاب رد فعل طبيعي، فإن زيادته عن معدلات معينة يمكن أن تحمي المخ من الإصابة، لكن إذا كان مزمنًا فإنه سيظهر ليبدأ في تحطيم خلايا المخ.