جلسة حوارية في المركز الفلسطيني لأبحاث

دعت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية ونشطاء المجتمع المدني الفلسطيني إلى حوار واسع ومتعدد بين مختلف النخب السياسية الديمقراطية والوطنية والإسلامية؛ من أجل الوصول إلى تسويات تاريخية بين هذه التيارات في مختلف البلدان العربية، لا سيما تلك التي تشهد متغيرات وثورات دون إقصاء أحد، وإلى توسيع الحوار ليشمل النخب العربية لإصدار نداء عربي باسم نحو 200 شخصية، يتضمن رؤية بشأن كيفية التعامل مع تداعيات المتغيرات العربية والإقليمية لتقليل الكوارث والأخطار.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات" بشأن المتغيرات العربية والإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، واستضاف خلالها الوزير الأردني السابق، سمير حباشبة، الذي قدم مدخلاً للحوار، بحضور أكثر من 30 شخصية من السياسيين والأكاديمين والنشطاء، في مقر المركز في مدينة البيرة.

كما أكدت تلك المجموعة على ضرورة بلورة نداء عربي مشترك تصدره عشرات الشخصيات من النخب العربية ومؤسسات المجتمع المدني، يطرح رؤية واضحة إزاء كيفية التعامل مع المتغيرات العربية، ولاسيما في البلدان التي تشهد صراعات داخلية تطغى فيها المذهبية والطائفية، وكذلك الانقسامات في بلدان أخرى، بما فيها الانقسام الفلسطيني الداخلي، بما يسهم في استعادة مكانة القضية الفلسطينية على رأس سلم الأولويات العربية.

واعتبرت المجموعة أن الأولوية ينبغي أن تكون لتعزيز العمل العربي المشترك بما يخدم المصالح العربية، والتعامل وفق ذلك مع التحالفات والمحاور الإقليمية والدولية، وبما يشمل إعادة تقييم علاقة العرب بإيران وتركيا على أساس المصالح المشتركة ومحددات الجوار.

وافتتح الجلسة الحوارية المدير العام لمركز مسارات، هاني المصري، والذي طرح تساؤلات بشأن الحاجة إلى مواقف آنية تعالج مشكلة هنا وأخرى هناك، أم إلى رؤية شاملة تنبثق عنها خارطة طريق تتناسب مع حجم المشاكل التي تمر بها المنطقة، منوهًا في هذا السياق إلى أهمية إطلاق حوار هدفه التوصل إلى مصالحات وتسويات شاملة بين مختلف التيارات الوطنية والديمقراطية والإسلامية، التي تقبل بمبدأ الشراكة السياسية ومفهوم الدولة السيادية التي تلتزم بقيم المساواة والعدالة والديمقراطية والحرية وتحترم الإرادة الشعبية في كل من البلدان العربية.

وأكد المصري أن الانتخابات يجب أن تكون نزيهة وتعددية وقائمة على التوافق بين مختلف المكونات الفكرية والسياسية والقبول بمبدأ تداول السلطة بعيدًا عن الإقصاء، حتى تكون الحل للأزمات في البلدان العربية، مشيرًا إلى خصوصية الحالة الفلسطينية في ظل مرحلة التحرر الوطني، التي تقتضي التوافق على هدف ووظيفة الانتخابات تحت الاحتلال، في سياق إعادة النظر في شكل السلطة ودورها ووظائفها، حتى لا تعيد إنتاج الانقسام بصورة أشد ضررًا.

من جانبه، أوضح حباشنة أن الانتفاضة الأولى أعادت الاهتمام إلى القضية الفلسطينية وأدرجتها على سلم أولويات القمم العربية، خلافًا للسنوات الأربع التي سبقت الانتفاضة، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة تراجع الاهتمام بها بسبب انشغالات المنطقة بما يجري فيها من متغيرات وتحولات، سواء في سوريا واليمن والعراق وليبيا، أم في غيرها من البلدان العربية.

كما طالب بضرورة بذل جهد عربي رسمي وعبر مؤسسات المجتمع المدني من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ودعا حباشنة إلى حوار مستمر بين النخب الفلسطينية والأردنية، كون الواقع الذي يعيشونه واحدًا والهم واحدًا والهاجس واحدًا، وبما يمكن من بلورة رؤى حول كيفية مواجهة المخاطر المشتركة، وفي مقدمتها خطر السياسات اليمينية المتطرفة للحكومة "الإسرائيلية"، مشيدًا بمبادرة مركز مسارات لتنظيم هذه الجلسة الحوارية التي يفترض أن تكون فاتحة لحوار منظم بين النخب في البلدين، وبما يفعل دورهم وتأثيرهم على رفد صانعي القرار بالرؤى والسياسات التي تخدم تعزيز العمل الفلسطيني الأردني المشترك.

وطرح حباشنة فكرة توسيع الحوار ليشمل النخب العربية لإصدار نداء عربي باسم نحو 200 شخصية، يتضمن رؤية بشأن كيفية التعامل مع تداعيات المتغيرات العربية والإقليمية لتقليل الكوارث والأخطار، ولاسيما التأثيرات السلبية للمتغيرات والتحولات في المنطقة على القضية الفلسطينية، ومخاطر انهيار الدولة والتقسيم في بعض البلدان، مضيفًا: "ليس من المناسب أن تبقى النخب في صفوف المتفرجين إزاء ما يجري في مصر وسورية والعراق واليمن، وأيضًا في فلسطين".

وحذر من تفشي مظاهر الاحتراب والاحتقان العدائي القائمة على المذهبية والطائفية، كون الأمة العربية أمة تتنوع بمذاهبها وأعراقها وجغرافيتها على مدى 1400 عامٍ، وبناءً على ذلك يجب أن تكون العلاقة مع إيران قائمة على المصالح والجيرة، وعلينا إدارة الحوار مع الإيرانيين كعرب تربطنا مصالح وأهداف مشتركة، وتطرق إلى تداعيات التغيرات في التحالفات والمحاور العربية في الفترة الأخيرة على المنطقة بشكل عام.

وتنوعت آراء المشاركين في الجلسة الحوارية بشأن القضايا التي يمكن أن يشملها حوار النخب العربية، وما إذا كان ينبغي أن يخلص إلى مواقف إزاء ما تشهده بعض البلدان من صراعات داخلية في ظل قراءات متباينة بين النخب العربية لما يحدث، وما إذا كان الحوار سيقتصر على التيارات الوطنية والديمقراطية والعلمانية، أم سيتسع ليشمل التيارات ذات الأيديولوجيات الدينية، التي تتباين مواقف مكوناتها إزاء شكل الدولة ومفاهيم الشراكة السياسية والديمقراطية والتعددية.

وأكد معظم المشاركين أهمية الحوار بين مختلف الأطياف الفكرية والسياسية القومية والديمقراطية والدينية، التي تقبل بمبدأ الشراكة في الحياة السياسية؛ من أجل الوصول إلى تسويات تاريخية بين هذه الأطياف، منسجمة مع قيم الديمقراطية والتعددية وبعيدًا عن الإقصاء، وبالتالي سيشكل هذا الحوار مدخلًا لحل بقية القضايا الأخرى.

وفي حين طالب البعض بتمتين الجبهة الداخلية من خلال إجراء انتخابات قائمة على التوافق لتكون مدخلًا للحل، رأى البعض الآخر أن التوافق على أسس الشراكة السياسية الديمقراطية ينبغي أن يسبق الانتخابات كشرط للقبول بنتائجها، مشيرين إلى ما يتضمنه النموذج التونسي من إيجابيات.

ونوه بعض الحضور إلى ضرورة أن يأخذ الشعب زمام المبادرة باتجاه التحول الديمقراطي والتصدي للمؤامرات والصفقات التي تحبكها "إسرائيل" وأميركا، وأن ظاهرة التطرف مثل "داعش" أفرزتها سياسات الأنظمة الاستبدادية القائمة على الإقصاء والفساد والتبعية.

بينما اعتبر آخرون أن التيارات الوطنية والقومية والديمقراطية أخفقت في القيام بدورها التاريخي في قيادة التحولات الديمقراطية في البلدان العربية، مما أدى إلى تراجع دورها لصالح التيارات الإسلامية التي انتقلت من مواقع مهادنة النظم السياسية إلى مواقع محاولة فرض التغيير من وجهة نظرها، مستفيدة من مواقف دولية داعمة لوصولها إلى السلطة مع بدء الثوات والانتفاضات العربية في مصر وتونس العام 2011.

واحتل موضوع الانقسام الفلسطيني وكيفية إعادة بناء الوحدة الوطنية حيزًا مهمًا من النقاش، إذ طالب بعض الحضور بضرورة تشكيل ضغط شعبي من أجل إجبار طرفي الانقسام على إنهائه واستعادة الوحدة، والعمل على بلورة رؤية واضحة لكيفية التعامل مع ما يجري في البلدان العربية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبدان التي تشهد متغيرات وتحولات، مع الالتزام بالقيم والمبادئ القائمة على الحرية والاستقلال والعدالة وحريات الإنسان وحقوقه.