الشيخ أبو ماهر المؤذن

يعد الشيخ أبو ماهر المؤذن، مؤذن الجامع الكبير في جنين، من أشهر من قرأ الأذان المزدوج منذ منتصف القرن الماضي، وارتبط اسمه بمساجد ومآذن جنين في فجرها وليلها ونهارها، وحتى عندما كان يسافر إلى خارج الوطن كان الناس في جنين يفتقدون صوته الموسيقي الرخيم والذي أحبوه كثيرا، وخاصة في أيام التكبير والتهليل بقرب حلول أيام العيد.

واستقر هذا اللاجئ الذي اضطرته قوات الاحتلال مغادرة قريته زرعين الموءودة في نكبة عام 1948، ولم يكن يتجاوز من العمر 15 عاما، في جنين، وعين في العام 1955 مؤذنا في جنين من قبل قاضي القضاة الشيخ محمد الشنقيطي في وزارة الأوقاف الأردنية، ليبقى مؤذنا في مساجدها حتى العام 2005 قبل أن يتقاعد من وزارة الأوقاف الفلسطينية وهو الذي يقول إن الآذان في دمه وعروقه فهو لا زال مصرا على ارتياد المساجد ورفع الأذان حتى في أيام رمضان.

ويستذكر أبو ماهر، الآذان قبل النكبة والهجرة القسرية من ربوع الوطن فيقول: "كان في قرية زرعين جامع قديم واحد وبدون مئذنة كان يقع بالقرب من العلية (القلعة) ومن المدرسة الوحيدة التي كان يدرس فيها الشيخ أحمد زيد السيريسي والتي لا تزال آثارهما بادية حتى الآن في قرية زرعين التي لم يعد الوصول إليها أمرا سهلا، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة.
ي
قول "أبو ماهر"، إنه عاصر أئمة مساجد جنين وهم الشيخ محمد خير والشيخ امين حسنين والشيخ محمود البول والشيخ محمود الراجي ومفتيي جنين الشيخ أديب الخالدي والشيخ توفيق جرار و والشيخ محمد فؤاد زيد والشيخ مصطفى العبوشي، فيما لا يذكر أبناؤه أن والدهم شاركهم مائدة إفطار طيلة شهر رمضان كما يفعل بقية الآباء، فكان ينهي الآذان فيما الصائمون قد شارفوا على إنهاء الإفطار.

ومن وجهة نظر "الشيخ علي المؤذن"، فإن للآذان في جنين نكهة حزن خاصة يفرقه عن بقية الأقطار العربية والإسلامية، فقد ارتبط الأذان هنا في فلسطين بسنين النكبة والاحتلال الذي حرمنا مرات عدة من الوصول إلى المساجد لرفع الآذان أو حتى للصلاة كما هو حاصل الآن في المسجد الأقصى.

وحرم أبو ماهر مئات المرات، من الوصول إلى المسجد لرفع الآذان بحجة حظر التجول وأيام الحصار العسكري في سنين الاحتلال الأولى، وكان هدفا للتفتيش من قبل جنود الاحتلال وهو في طريقه من البلدة القديمة نحو مساجد جنين لإقامة أذان الفجر أيام الانتفاضة الكبرى الأولى في أواخر الثمانينات، حيث كان يصر على سلوك طرق ملتوية للوصول إلى المسجد حتى في أحلك الظروف والليالي.

وأضاف، إنه أمضى كثير من الساعات والليالي محتجزا في مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في جنين بحجة أن أحد أبنائه كان مطلوبا لقوات الاحتلال في أواسط الثمانينات.

ويشعر هذا اللاجئ الثمانيني، بكثير من الفخر بتدشين مشروع الأذان الموحد في جنين في العام 1995 بعد معاناة طويلة في عدم تناغم وانسجام المؤذنين سواء في المقام أو الوقت حيث رفع الأذان من المسجد الكبير في جنين لأول مرة وانطلق إلى كل أحياء المدينة وضواحيها الممتدة، فساعد البث الموحد إلى ظهور وظائف جديدة للمآذن مثل قراءة بيانات الفصائل الوطنية والإسلامية خلال سنوات الانتفاضتين الأولى والثانية وحتى الإعلان عن الوفيات إضافة إلى دورها الديني في رفع الآذان وتلاوة القرآن.

يقول أبو ماهر: "كنت أصعد إلى أعلى المئذنة لرفع الأذان في كل الجهات الأربعة في جنين بأعلى صوت ليصل الناس في معظم المناطق أيام الخمسينيات حيث لم تكن هناك كهرباء، وفي أيامنا هذه كنت أصعد لرفع الأذان بدون سماعات فقط في وقت حدوث انقطاع التيار الكهربائي وقت الأذان، تماما مثلما جرى خلال الاجتياح الإسرائيلي في نيسان 2002 لمدينة جنين ومخيمها حيث قطع الجنود التيار الكهربائي لمدة ثلاثة عشر يوما كنا خلالها نرفع الأذان من المساجد القريبة وخلال حظر التجول".

ومن وجهة نظر الشيخ علي المؤذن، فإن للأذان في فلسطين عالم خاص، وقصة فريدة بين شعوب العالم تتشابك في فصولها تقاليد القصور العثمانية، وتراث عريق من المقامات الموسيقية، فهناك مقام لكل أذان للصلاة، وتختلف المقامات من أذان لآخر، فيقرأ الأذان على مقام الصبا، والحجاز، والبياتي وغيرها حسب كل أذان، وكان المؤذن يتبع نفس المقام الموسيقي للأذان الداخلي الثاني والقصير توافقا لما سار عليه الخطيب في قراءة الآيات عند صعوده للمنبر يوم الجمعة.

قد يهمك ايضا :

مساعدة مالية من صندوق التضامن الإسلامي إلى وزارة الأوقاف الفلسطينية

  الاحتلال يعتقل شابا من بلدة برطعة جنوب جنين