أبواب المسجد الأقصى

مع حلول ساعات العصر، تبدأ جموع الفلسطينيين، خصوصاً أهالي القدس، بالتدفق إلى "باب الأسباط" و "باب حطة" و "باب المجلس" وغيرها من أبواب المسجد الأقصى المغلق منذ نحو أسبوعين، وإلى الساحات والأزقة القريبة منها. ومع موعد صلاة المغرب تفيض هذه الأماكن بعشرات الآلاف من المواطنين الذين يأتون من كل حدب وصوب للصلاة والاعتصام والاحتجاج على الإجراءات الإسرائيلية في أولى القبلتين وثالث الحرمين، "بوابة السماء" التي عرج منها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وينقسم الناس إلى مجموعات وتجمعات تنفضّ حيناً وتتصل أحياناً، من شباب ونساء وفتية ورجال.

يجول الفتية في مسيرات في البلدة القديمة، وهم يهتفون مطالبين بالوحدة والإصرار على تحرير المسجد الأقصى والقدس من الاحتلال. يقف أحدهم وقد تحلق حوله العشرات يرنم أناشيد دينية. يصعد ثان على كرسي بلاستيكي ويطلق الهتافات الحماسية، فتردِّد الجموع خلفه. آخرون يعقدون حلقات نقاش، وبعض صامت يتأمل حجارة أسوار القدس العتيقة التي تروي قصص الأنبياء والعظماء الذين مروا من هنا، وتركوا أثراً في تاريخ المكان والزمان، فيما تواصل مجموعات شبابية تدفقها حاملة الماء والطعام للمعتصمين.

عند الصلاة، تصدح الحناجر خلف الإمام بدعوات مليئة بالغضب، تهز أركان المدينة: يا الله... يا الله... ويتردد الصدى في مختلف أنحاء المدينة التي تحيط بها المستوطنات والتجمعات اليهودية إحاطةَ السوار بالمعصم، على شكل أحزمة تبدأ من قلب البلدية القديمة والأحياء المحيطة بها، وصولاً إلى محيط كامل المدينة.

يرتبك الجنود، ويأخذون مواقعهم مصوبين أسلحتهم التي تطلق مختلف أنواع الذخائر، من رصاص حي إلى مطاطي وقنابل صوت، وأخرى مسيلة للدموع. تصلي الجموع المغرب على الأسفلت، وتجلس منتظرة صلاة العشاء، وما أن تنتهي صلاة العشاء حتى يأخذ الجنود الإسرائيليون، الذين يتوزعون على حواجز تفصل مختلف أحياء القدس العتيقة وعلى أسطح المنازل، باستفزاز المواطنين لدفعهم إلى المغادرة. وفي حال حدوث أي رد فعل يوجِّهون حمم أسلحتهم إلى جموع الناس.

ليلة الثلاثاء الأربعاء كانت الحصيلة، وفق الهلال الأحمر، ستة عشر مصاباً، بينهم طفلة في العاشرة من عمرها، أصيبت بقنبلة صوتية في رأسها ونُقلت إلى المستشفى للعلاج. بدأت انتفاضة المسجد الأقصى الثانية تأخذ زخماً جديداً مع تعمق الحراك الشعبي المقاوم الإجراءات الإسرائيلية في المسجد، وأخذت الجموع المتدفقة إلى ساحات البلدة القديمة القريبة من الأقصى وأزقتها، تطالب بإزالة الوجود الإسرائيلي كاملاً عنه. وقال الحاج خليل أبو عرفة (67 عاماً)، أحد أبناء القدس العتيقة: «نحن نراقب ما يجري في المسجد الأقصى منذ زمن، واليوم جاءت الشرارة لتفجر كل شيء».

 وأضاف: «في البداية استولى الإسرائيليون على باب المغاربة، وأخذوا يدخلون مستوطنين إلى باحات المسجد بأعداد قليلة، ثم زادت هذه الأعداد وأصبحت جماعات كبيرة. ثم أخذ رجال دين وحاخامات وأعضاء كنيست يدخلون ويطالبون بتقسيم المسجد. وأخيراً وضعوا بوابات فحص معدنية وكاميرات ومعدات».

وأمام الضغط الشعبي الجارف أزالت السلطات الإسرائيلية بوابات الفحص المعدني، لكنها أعلنت أنها ستنشر كاميرات ذكية على بوابات أسوار المسجد لكشف المعادن. ورفض أهالي القدس، الذين تمثلهم المرجعيات الدينية، مثل دائرة الأوقاف والهيئة الإسلامية العليا ومجلس الإفتاء وقاضي القضاة، الاكتفاء بإزالة البوابات الإلكترونية، وطالبوا بإزالة الجسور المعدنية التي نصبت لوضع الكاميرات والكوابل الأرضية وغيرها. وقال رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري: عليهم إزالة كل المعدات التي وضعوها على بوابات المسجد. ولن نقبل بأقل من إزالة جميع المعدات جملة وتفصيلاً.

يشعر أهالي القدس بتهديد جدي ووجودي على المسجد الأقصى جراء سلسلة الإجراءات الإسرائيلية فيه، خصوصاً الدخول المتكرر لأعداد كبيرة من المستوطنين يومياً إلى باحاته، وما يرافق ذلك من تصريحات وإعلانات ومطالبات بتقسيم المسجد بين المسلمين الذين لم يعرفوه سوى مسجد إسلامي، واليهود الذين يدّعون أن المسجد مقام على أنقاض "الهيكل".