اللوحة الأولى للفنان بول سيزان

صوّرت اللوحة الأولى للفنان بول سيزان، شابا في أوائل العشرينيات من عمره، وتوحي هيئته بأنه ربما يكون مكتئبا أو مصابا بالكبد، ويُوحي شكله بأنه خرج من مسرحية "جراند غينول" أو رواية لـ"ماري شيلي"، ويرتدي ذلك الشاب معطفا دمويا أحمر اللون، وشفتاه لونهما أخضر قليلا، ويتمتّع بجبين واسع بوضوح وشارب حريري ووجه ذي عينين هزيلتين لونهما خليط بين الأبيض والقرمزي، وإذا دققت النظر في رأسه بما فيه الكفاية، فربما ترى زوجا من القرون الصغيرة، للوهلة الأولى عند النظر إلى اللوحة قد تشعر بشيء من الخوف، ولكن سريعا ما تجد أن الفنان يصوّر نفسه بشيء من السخرية.

صوّر سيزان، الذي ادّعى عدم اهتمامه بعلم النفس البشري، في لوحته صورة صارخة وعاطفية، وأوضح أن تلك اللوحة لا تعبّر إلا عن شخصيته القتالية سيئة السمعة، والتي حوّلها إلى صورة كرتونية، ويجعلك سيزن، الذي رسم نحو 200 لوحة على مدار مسيرته المهنية، دائما ما تتساءل في قرارة نفسك عن الفجوة بين ما تظهره اللوحة وعمق ما تهدف إليه.

ويكمن اهتمام سيزان في تصوير تفاصيل المنضدة التي يسند عليها الشخص الذي يرسمه بنفس قدر اهتمامه، وإن لم يكن أكثر، بالشخص المرسوم نفسه.

ذلك ويؤكّد المعرض الوطني للبورتريه، الذي يجمع للمرة الأولى خمسين لوحة من لوحات الفنان سيزان، أنه رغم سهولة إعجاب الجمهور بأسلوب سيزان فإنه قام بتطوير أسلوبه عدة مرات من الرسم بالفرشاة إلى السكين إلى الزيت، كما كان يستخدم الفن التجريدي في لوحاته، وهو قد يكون سابقا جدا لعصره، فالبنظر إلى لوحته "المدخن" التي تعود لعام 1893 من المستحيل أن لا يذهب ذهنك لمشاهير وعمالقة الفن كبيكاسو وبراك.

ويُمكن القول إن لوحتين فقط في المعرض تحظيان بالإعجاب، الأولى هي "فورتوني ماريون" (1870-1)، إذ إنّ هناك شيئا مغريا ربما عيون البقرة، في مواجهة صديق سيزان محب للجيولوجيا، والثانية هي "ابن الفنان" (1881-2)، إذ يظهر التوتر بين طريقة رسم سيزان لابنه الصغير بول، مع الرمادي والأزرق اللذين يُغطيان قماش اللوحة، فتصوّر اللوحة المسافة كما تصوّر الحب.​