معرض فلسطين الدولي العاشر للكتاب

أحد عشر يوما.. كانت المسافة بين البداية والنهاية، حين افتتح معرض "فلسطين الدولي العاشر للكتاب" في السابع من أيار الجاري، واختتم في السابع عشر منه، وما بين الافتتاح والختام عاشت الثقافة الفلسطينية أياما زاهية، على المستويات كافة، ويحق لمنظمي المعرض والمشاركين فيه أن يفتخروا بهذا الإنجاز.

ويقول وزير الثقافة إيهاب بسيسو: "لقد أردنا من خلال هذه التظاهرة الثقافية أن نشرع نوافذ الإبداع الفلسطيني على الذاكرة والغد معا بكل ما لدينا من روح وإصرار، كما أردنا أن نضع أنفسنا أمام صورتنا التي تحتفظ بملامح البيوت العتيقة والشرفات التي ما زالت تحتفظ بصدى الحكايات، مستندين على قدرتنا في أن نعيد بناء وجودنا من كلنا الذي حملته المسافات إلى جهات الأرض البعيدة وحمله الغياب إلى قسوة المنافي المختلفة".

حفل المعرض هذا العام بعدة إنجازات اختلفت في طبيعتها وكمها عن المعارض السابقة، فقد شارك في المعرض على سبيل المثال: ما يفوق 400 دار نشر عربية ودولية ومحلية، سواء تلك التي شاركت بشكل مباشر، أو عبر وكالات لإحدى دور النشر المشاركة، واقتضت هذه المشاركات بطبيعة الحال زيادة عدد الكتب المعروضة، وتنوع عناوينها التي غطت جميع المجالات بلا استثناء، الثقافة والدراسات والسياسة والاقتصاد والعلوم والطفولة، إلى آخر القائمة.

عدا عن عدد الدور المشاركة، فقد تم تخصيص أسماء للقاعات والأجنحة داخل المعرض بأسماء مبدعين فلسطينيين، مثل توفيق زياد، وعايد عمرو، وزينت الجدران برسومات لمحمود درويش ومعين بسيسو وغسان كنفاني وسلمان ناطور، ومبدعين آخرين، إضافة إلى معلومات عن كل واحد منهم، عدا عن بعض المقولات الشهيرة لكل كاتب.

وتزامن المعرض بشكل مخطط له كذلك مع ذكرى ميلاد توفيق زياد ووفاة حسين البرغوثي وذكرى النكبة، وكان لكل من هذه الذكريات نشاطات مرافقة هدفت إلى ترسيخ إبداعات هذه الشخصيات في الوعي الفلسطيني.

واحتفل المعرض وزواره كذلك بالمبدعين العرب الذين قدموا بناء على دعوة من منظمي المعرض، فكان بإمكانك أن تلتقي بهم وهم يوقعون نسخا من إصداراتهم في أروقة المعرض، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حضر إلى المعرض وساهم في فعالياته الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، والكاتب الفلسطيني المقيم في بريطانيا ربعي المدهون الذي فازت روايته "مصائر" بجائزة البوكر لهذا العام، وحضر كذلك الشاعر التونسي يوسف رزوقة، والشاعر العُماني حسن المطروشي، والشاعر الفلسطيني مازن معروف، والشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب، والروائي العراقي علي بدر، والشاعر الفلسطيني طاهر رياض، وعدد كبير من الأسماء اللامعة في سماء الأدب والفن، كما تميز هذا المعرض بحضور عدد من أدباء قطاع غزة الذين حرموا من المشاركة في النشاطات الثقافية في الضفة الغربية لفترات طويلة بسبب الحصار المفروض على غزة.

من الملاحظات الهامة كذلك، تقسيم المعرض إلى فضاءات، حيث كان هناك فضاء الحرية، الذي يقع تحت الأرض بطابقين، حيث تم بناء نموذج لسجن إسرائيلي كامل منذ لحظة دخول السجين إلى خروجه، وساهمت فيه الفنانة ميساء الخطيب طوال أيام المعرض بالشرح للضيوف عن الأسرى وطريقة تعذيبهم، بعض الضيوف العرب لم يتمكنوا من إكمال الجولة من شدة التأثر، والكثيرون بكوا بمن فيهم أسرى سابقون، وتم خلال هذا الفضاء عرض أفلام تتعلق بالحركة الأسيرة، من ضمنها أفلام قامت بصناعتها من ألفها إلى يائها أسيرات محررات، وضم الفضاء كذلك معرضا دائما لأعمال الأسرى الفلسطينيين.

وكذلك كان هناك فضاء الطفل الذي قدم عددا هائلا من النشاطات الخاصة بالأطفال، والمسرح الخارجين وقاعة الندوات، والاستوديو التلفزيوني والإذاعي.

كان جناح دولة الكويت من الأجنحة الأكثر تميزا بصفتها ضيفة الشرف في المعرض، وقد فاجأ الكويتيون الجميع حين عرضوا جميع الكتب في الجناح الكويتي للبيع بسعر خمسة شواقل للكتاب، ما جعل الجناح الكويتي يكاد يفرغ من الكتب منذ اليوم الأول.

وتميز المعرض هذا العام بتعدد فعالياته وتنوعها، فقد أقيمت ندوات ثقافية وسياسية وندوات تتعلق بالهوية والمكان والقدس في الرواية، وكانت هناك ندوات خاصة بالمسرح، وندوات خاصة بفلسطين في الأدب الكويتي، وندوات حول أدب إميل حبيبي وسميح القاسم، وأقيمت كذلك ندوات خاصة بالأسرى، كما أقيمت العديد من الأمسيات الشعرية سواء داخل أروقة المعرض أو في أماكن خارجه في مدينة رام الله، أو في مدن الضفة الأخرى، فقد أقيمت أمسيات للشعراء الفلسطينيين والعرب في نابلس وطولكرم وبيت لحم وجنين والخليل.

إضافة إلى الندوات والأمسيات الشعرية، تم افتتاح عدة معارض للصور الفوتوغرافية، بدأت بمعرض تاريخ العلاقات الفلسطينية الكويتية، ثم معرض طوابع القضية الفلسطينية الصادرة في الكويت، وامتدت المعارض لتشمل معارض صور من فلسطين، ومعارض للذاكرة الفلسطينية.

وتم خلال المعرض توزيع جائزة الكتاب الأول التي فاز بها الشاعر هشام أبو عساكر من غزة عن ديوانه "موتى يحكمون العالم"، والقاص طارق عسراوي عن مجموعته "رذاذ خفيف".

عدا عن هذا كله، تم عرض مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية في مخيم بلاطة، ومتحف محمود درويش، وجامعة بير زيت، وسينما جنين، ومسرح الإغاثة الطبية، وقاعة دار الندوة في بيت لحم، كما قدمت فرق مسرحية عدة عروض، وعروض أخرى لفرق رقص فلسطينية.

من ناحية لوجستية، فقد تميز المعرض بسهولة الوصول إلى دور النشر بتقسيماتها المختلفة، وتوفر الإنترنت المجاني المفتوح للحضور طيلة إيام المعرض، وتوفر عيادة طبية دائمة على مدار ساعات المعرض، وتوفر كافيتيريتين للطعام والمشروبات، مما جعل الزائرين غير مضطرين لمغادرة أرض المعرض لأي سبب.

من تابع معرض فلسطين الدولي العاشر للكتاب، فسيشعر بذلك الاختلاف الذي ميز هذا المعرض عن بقية المعارض، إذ شهد عدد من المثقفين العرب الذين حضروا العديد من معارض الكتب، بتميز هذه النسخة من معرض الكتاب من حيث التنظيم وسهولة الحركة وسرعة تقديم الخدمات، ولم يبق إلا أن نقول إن هذا المعرض كان بالفعل إنجازاً مشرفاً لفلسطين.