بنك قطر الوطني

رجح التحليل الاقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني "كيو ان بي" أن تنحصر مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة نفسها، وإلى حد ما في منطقة اليورو، لكنه لم يستبعد انتشار الأزمة إلى بقية العالم من خلال التجارة والأسواق المالية وأن يشكل حينذاك خطرا حقيقيا في المستقبل. وقال التحليل الأسبوعي الصادر اليوم تحت عنوان "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي: صداع جديد للاقتصاد العالمي"، إن نتائج التصويت جاءت صادمة وقوية للأوساط السياسية وأسواق المال، حيث تقدم رئيس الوزراء البريطاني باستقالته (سيظل بمنصبه حتى اختيار خلف له). كما انخفضت قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 10.3% إلى أدنى مستوى له منذ عام 1985 وانخفضت أسواق الأسهم العالمية بشكل حاد بسبب اندفاع المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، وتم تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة من قبل وكالات التصنيف الثلاث الكبرى.

ورجح التحليل أن يكون لهذا الحدث آثار كبيرة على اقتصاد المملكة المتحدة، وإلى حد أقل على اقتصادات منطقة اليورو المجاورة، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن لا تتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شريطة أن تبقى الأزمة ضمن دائرتها المحلية ولا تمتد إلى بقية أنحاء العالم وتؤدي إلى تأثير سلبي كبير على أسعار النفط. ولفت التحليل إلى فرضية أن يضر الخروج بالمملكة المتحدة على المدى القصير، حيث يتوقع المحللون أن يبلغ معدل النمو صفرا أو يكون سلبيا بدرجة طفيفة في النصف الثاني من 2016 وأوائل عام 2017، بانخفاض من نسبة 1.9% التي توقعها صندوق النقد الدولي في أبريل. ورأى أن المتهم الرئيسي في كل ذلك هو الشكوك وعدم اليقين، إذ هناك شكوك حول احتمال وتوقيت بدء الخروج من الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك شكوكا حول الخلافة السياسية في المملكة المتحدة، لدى كل من الحكومة والمعارضة، وهناك شك وعدم يقين حول مستقبل اسكتلندا، التي قد تسعى إلى الاستقلال مرة أخرى بعد أن صوت الاسكتلنديون بأغلبية ساحقة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. ونبه إلى عدم اليقين حول ما إذا كانت بريطانيا ستمضي قدما في ترك الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن من شأن هذه الشكوك أن تؤدي إلى تأخير الشركات لقراراتها الاستثمارية وميل المستهلكين للتصرف بحذر أكثر، وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ النمو.

وعلى صعيد جانب السياسات، ذكر التحليل أن بنك انجلترا قد يواجه معضلة كبرى، خاصة وأن تراجع توقعات النمو يجب أن يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة لأجل تحفيز الاقتصاد، ولكن من المرجح أن يؤدي خفض أسعار الفائدة الآن إلى المزيد من التدهور في قيمة الجنيه الإسترليني، وهو ما من شأنه أن يفاقم ارتفاع معدل التضخم في المستقبل. ورجح تحليل بنك قطر الوطني، أن تتأثر منطقة اليورو بالصدمة التي يمثلها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يتوقع أغلب المحللين تراجع النمو بحوالي 0.5% إلى 1.0% في 2016، ويرجع هذا الأمر بالأساس لحالة عدم اليقين التي تؤثر على منطقة اليورو ولو بدرجة أقل مقارنة بالمملكة المتحدة، كما من المتوقع أن تتأثر المنطقة بشكل سلبي من جراء التباطؤ الذي تشهده المملكة المتحدة والذي ينتج عنه تراجع في الطلب على الصادرات. وأوضح أن خروج بريطانيا من الاتحاد تسبب على المستوى العالمي، في موجة من الشعور بالمخاطر ونتج عنه هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة نحو الملاذات الآمنة، ويقوم المحللون عبر العالم بمراجعة توقعاتهم مع احتمال أن يؤدي هذا الخروج إلى تقليص معدل النمو العالمي بحوالي 0.2% ليبلغ 2.8%. 

وأضاف أنه إذا تسبب خروج بريطانيا في أزمة عالمية مكتملة الأركان (وهذا ليس السيناريو الرئيسي الذي يتوقعه التحليل لكنه يمثل مخاطرة حقيقية رغم ذلك) فقد يتأثر الطلب على النفط بشكل سلبي وتترتب عليه أضرار لأسعار النفط. وقال إنه بينما يظل احتمال حدوث أزمة عالمية غير مؤكد، فإن المؤكد أكثر هو حجم ضخ السيولة الكبير من طرف البنوك المركزية الرئيسية في العالم، مرجحا أن يقوم بنك إنجلترا المركزي بخفض أسعار الفائدة إلى الصفر بمجرد استقرار الجنيه الاسترليني، وأن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة وتوسيع برنامجه للتيسير الكمي للتعويض عن التأثير السلبي لصدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما من المحتمل أن يقوم بنك اليابان المركزي بتخفيف سياسته النقدية لمواجهة تأثير التدفقات نحو الملاذات الآمنة والتي تتسبب في رفع قيمة الين الياباني وتضر تنافسية اليابان. واستبعد التحليل في هذا الإطار، أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة قبل شهر ديسمبر على أقرب تقدير من أجل تجنب حدوث ارتفاع سريع لقيمة الدولار الأمريكي الذي قد يكون مؤذيا للنمو.

ورأى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محصنة على الأرجح من الاضطرابات التي قد تنجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، شريطة عدم تحوله إلى أزمة عالمية كبيرة، فيما يمكن لخروج بريطانيا من الاتحاد أن يؤثر على بلدان الشرق الأوسط من خلال قناتين، الأولى هي القناة التجارية، معتبرا أن الروابط التجارية مع المملكة المتحدة صغيرة نسبيا. وفي هذا السياق أشار التحليل إلى أن دولة قطر لديها أكبر تعرض لصادرات المملكة المتحدة في المنطقة، ومع ذلك، فإن إجمالي الصادرات إلى المملكة المتحدة يشكل 1.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لقطر. وذكر أن القناة الثانية، هي القناة المالية، حيث قد تقل شهية الأسواق المالية لتمويل الجهات السيادية في منطقة الشرق الأوسط مع ازدياد الميل لتجنب المخاطر، مبينا أنه حتى تلك المخاطر تظل محدودة لحقيقة أن عدداً من بلدان الشرق الأوسط سبق أن استفادت من خدمات السوق لتلبية احتياجاتها التمويلية في وقت سابق من العام الحالي.