الإسلام السياسي والدولة الوطنية ملاحظات آنية
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

الإسلام السياسي والدولة الوطنية: ملاحظات آنية

 فلسطين اليوم -

الإسلام السياسي والدولة الوطنية ملاحظات آنية

د. عاطف ابو سيف

تثير تفجيرات سيناء الأخيرة مرة أخرى موقف القوى الإسلامية من الدولة ونظرتها لها. ليست الدولة بما هي عليه من نخبة حاكمة تختلف معها هذه القوى، بل الدولة كفكرة تقوم على أساس العقد بين المواطنين لتسوية قضية الحكم والعلاقات فيما بينهم. من المؤكد ان ثمة عداء واضحاً للدولة يتأسس على رفض لفكرتها. إنها الفكرة التي تجعل سيناء مثلاً ولاية من ولايات دولة الإسلام ولا تنظر لها بوصفها جزءاً من مصر. إن الصياغات مختلة لكنها واضحة بما فيه الكفاية، وإن تفكيك الخطاب الإعلامي للجماعات الإسلامية في مصر يكشف كيف يتم نفي الدولة لصالح تجمعات خارج هويتها غير الموجودة أصلاً في وعي تلك الجماعات.
هذا من جانب، أما من جانب آخر فإن ثمة استغراقاً في تدمير المجتمع والدولة على حد سواء، بوصف المجتمع شريك الدولة في عملية التعاقد، أو بوصفه خارجاً عن الولاء ولا يتحقق فيه شرط المجتمع الإسلامي الصحيح. إن عمليات التصنيف هنا يتم صوغها وفق مقتضيات الحاجة. إنها الحاجة التي تجعل شخصاً ما ينصّب نفسه خليفة «علينا» نحن المسلمين دون أن نعرف عنه شيئاً. إنه ينزع لنفسه ملكاً من وعينا اغتصاباً. الرواية المبتدعة هي التي تؤسس للوعي الجديد. إن تأمل آلية خلق ما يعرف بدولة الإسلام يكشف كيف يصار إلى مأسسة الحكم الجديد ليس على نقائض الهويات المحلية فحسب بل أيضاً على تزييف الوعي. فليس من حق أحد حتى وفق تعاليم ديننا الحنيف ان ينصّب نفسه خليفة على الأمة جمعاء.  فقط وهبت البيعة ربانية للنبي الكريم أما من سواه فقد تم اختيارهم بآليات مختلفة تمت باتفاق البشر واختلافهم. 
ما يحدث في العراق وسورية يكشف كيف ترغب الدولة فوق الوطنية بطبعتها الدينية ليس في تجاوز الحدود، بل وفي القفز عن تخوم الوعي المتجذر لصالح تصورات يتم فيها تخليق مجتمعات وهمية. بالطبع لا علاقة لذلك بإحياء الجذور والعودة لمجتمع الفضيلة، إذ إن ما يحدث من تدمير وقتل وتشريد أبعد ما يكون عن المجتمع المتسامح الذي تأسس على حسن الخلق قبل أن يُعمل فيه السيف والذي كان سائداً فترة الخلافة الراشدة وما تلاها، ناهيك عن فترة النبوة الكريمة التي لا تضاهى ولا تنافس. فالدولة الجديدة تقوم على أنقاض دول موجودة وتتجاهل بشكل واسع مفهوم الانتماء غير ذلك الذي يصوغ أفكار وجودها، أو هي تدعي أنه النص الشرعي الوحيد الممكن للخلاص. 
وإذا ما عدنا لمصر، الدولة العربية الأولى، فإن تجربة الإسلام السياسي بشقيه المعتدل المتمثل بحركة الإخوان المسلمين والجهادي مختلف الهويات والأسماء، تكشف عن عدم تأقلم واضح مع طبيعة الدولة ونظمها الإدارية والمؤسساتية، بل كما أسلفنا مع الدولة كفكرة. فمثلاً تبدو قراءة تجربة الرئيس محمد مرسي في الحكم - على قصرها - مثيرة في هذا الجانب، خاصة التغيرات التي حاول مرسي إدخالها في بنية الدولة وتحديداً مع الاستفتاء على الدستور. وهي تغيرات وانزياحات صغيرة لكنها كانت تعني تحولاً كبيراً في هوية الدولة. كما أن طريقة التعاطي مع مؤسسات الدولة بوصفها من بقايا الماضي كانت تعني الانقضاض على الدولة من اجل تكوينات أوسع. لم يتم التمييز بين بقايا النظام وبقايا الدولة التي لا بد ان تزال باقية. وهو خط سرعان ما تقع فيه النخب في عمليات التغيير كما حدث في العراق حين قامت واشنطن وبجهل حلفائها من العراقيين بتدمير العراق لأنه لم يتم التمييز بين البعث كحزب وبين مؤسسات الدولة التي وجدت قبل البعث رغم مساهمة الأخير في تطويرها. 
في فلسطين قد لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً. فرغم ان تجربة حركة حماس كحركة مقاومة شهدت الكثير من النضج والاستفادة من تاريخ الحركة الوطنية وبالتالي نأت بنفسها عن الكثير من أخطاء الإسلام السياسي، إلا ان ممارسة «حماس» في الحكم لم تشهد افتراقاً كبيراً. فمن جهة تم تغليب المصالح الحزبية الضيقة على المصلحة العامة، ومن جهة أخرى تم محاربة الهوية الوطنية المتجذرة قبل النكبة من أغنية شعبية إلى الدبكة إلى بعض العادات والممارسات اليومية، بغية إحلال نوع من الهوية المختلفة، انطلاقاً من وعي خاطئ يعتبر المجتمع أقل أخلاقاً من المجتمع المرغوب. لكن الأزمة الأخطر كانت في عدم فهم مخاطر الانقسام على المشروع الوطني وعلى فكرة نشوء الهوية الوطنية والدولة الوطنية كمشروع حتمي في تطور وتحديث المجتمع. 
مرة أخرى ما يحدث لا يسير عكس حركة التاريخ، وهو لا يقف على الضفة الخطأ منه فقط، بل إنه يسعى لوجود رواية مختلفة لسيرة الأحداث. فلا شيء يمكن ان يقول إن سيناء ليست جزءاً من الدولة المصرية وهي لم تكن مسرحاً لمقاومة باسلة للاحتلال الإسرائيلي، كما أن هوية الدولة في العراق وسورية (التي كانت أشد ضحايا الربيع العربي تمزقاً) لا يمكن أن تتغير برغبة فردية. محاولة القطع مع الحاضر لا تجلب مستقبلاً اكثر زهاءً، بل ترمي الحاضر في أتون غيب استرجاعي يعود بالزمن للخلف. وأفضل ما في الزمن انه لا يعود ولا يستعاد، بل يدفعنا للأمام. 
وان الدولة الوطنية في الوطن العربي الواحد ليست نقيضاً للدولة الواحدة بل إنها قد تكون عاملاً مساعداً لها إن تم تطوير نظيرات اندماج ووحدة ترتكز على الفكر السياسي المعاصر وتستفيد منه.
هذا لا يعفي من القول، إن ثمة قصوراً كبيراً في الأكاديميا العربية وفي النخب التي لم تقدم مساهمات عميقة في هذا المجال على الأقل في العقود الأربعة الماضية. مرة أخرى هناك حاجة لإعمال العقل فيما يجري ومحاولة تكييف عثرات الماضي لصالح ومضات المستقبل حتى يكون أجمل. كما أن ثمة حاجة لمراجعات فكرية أعمق حتى داخل الإسلام السياسي بما يساعد في فهم أدق لصيرورة السياسة. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإسلام السياسي والدولة الوطنية ملاحظات آنية الإسلام السياسي والدولة الوطنية ملاحظات آنية



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 11:15 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

بريشة : علي خليل

GMT 10:21 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 10:16 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 13:30 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تقديم عطر أرماني كود النسائي الأفضل لفصل الشتاء

GMT 04:23 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ريتا اور تتألق في إطلالة رائعة تجذب الأنظار

GMT 18:37 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الشرطة تحبط محاولة قتل في إحدى مستشفيات نابلس

GMT 14:51 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday