أقاصيص قصيرة جدًا
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

أقاصيص قصيرة جدًا

 فلسطين اليوم -

أقاصيص قصيرة جدًا

عمار علي حسن

الطاغية الذى ملأ الأرض ناراً ودماً، لم يجد من يلوذ به فى لحظة انكساره سوى كتف امرأة يعشقها، وضع رأسه عليه، وبكى بحرقة، وهو يكتم نشيجه الحار حتى لا يصل إلى أسماع مطارديه.

غمست أصابعها الناعمة فى شعره المسترسل، والعجب يملأها، إذ لم تكن قد رأته هكذا أبداً، بل تخيلت أنه إذا بكى فسيسقط من عينيه حصى مسنون وجمر صافٍ.

قلبت وجهه الخشن فرأته طفلاً لوّعه ضياع لعبته، وتذكرت كيف كان يلهو بمن حكمهم سنين قبل أن يخلّى ملكه وراء ظهره.

كان بالفعل طفلاً، وتمنت هى لو أن هذه الهزيمة قد جاءت قبل سنين حتى تلهو بصغيرها زمناً طويلاً.

صور

جلس الولد ذو الجسد المطلى بالشحوم والزيوت والطين وسط الأطباق اللاقطة المبعثرة على سطح البناية الشاهقة. حملق فى تجاويفها الناعمة التى يحط عليها غبار كثيف، فرأى رجلاً وسيماً يقبّل امرأة جميلة، ولاعباً يركل كرة فتهوى بعيداً، وشجراً يهتز تحت مطر شديد، وعرائس من خشب وقطن تتراقص يمنة ويسرة، وأسداً يلتهم وعلاً، وضباعاً تربض بعيداً تنتظر انتهاءه من طعامه، وهدهداً يحلق فى سماء قريبة، ثم يهبط على مهل، ونهراً عذباً جارياً، ينجرح فى طريقه، فتظهر ترعاً وسيعة، ومسارب ضيقة، وشاباً يتشاجر مع قرينه على جسر عالٍ.

فرك الولد عينيه وهو يغمضهما، ثم فتحهما فجأة، وراح يخلع ملابسه على مهل، ليلقى جسده فى النهر، محاذراً من أن يراه الأسد والضباع، أو ينبئ الهدهد الشابين المتشاجرين بما فعل.

شطرنج

حرك بيدقه الأسود فحاصر الملك الأبيض، وأدرك خصمه أن قد خسر اللعبة. عندها ترك الرقعة، ووقف يرقص بشدة، ويقول:

- من هنا فى هذا المقهى المعزول الصغير يمكن أن تجرى معجزة لا ينالها البشر فى ساحات الحياة المديدة.

احتلال

وأنا جالس فوق بقعة أرض محتلة، رفعت بصرى إلى الوهج والنور الغامر، وسألته:

- لماذا لا نسمع يوماً عن الشمس المحتلة؟

ورأيت طائرات حربية تمرق فى الفضاء إلى أعلى، ودبابات تطحن جنازيرها الهواء، وناقلات جند تصعد على عجل، وأنساقاً متتابعة من جنود لا حصر لهم يصوبون بنادقهم فى وجه الفراغ، ويحفرون خنادقهم فى قطع السحاب المتتابعة، ثم يفارقونها ويغيبون فى الأزرق الفسيح.

لم تمض سوى ساعات حتى رأيت جمرات ضخمة تتساقط من جوف السماء، كانت تتوهج أمامى، لكنها قبل أن تصل إلى البقعة التى أجلس عليها، اختفت تماماً، وبدا قرص النار والنور أقرب إلى رأسى من أى وقت مضى.

قنبلة

قضى ثلاث ليالٍ يجهز قنبلته وحوله البارود والمسامير، وصفائح من صاج. طاف ذهنه وهو عاكف على صناعة الموت بمشاهد ملأت رأسه، جثث ممزقة ملقاة فى الشارع، وبرك من دماء تتابع بلا انتهاء، وذعر يسكن عيون العابرين، وصافرة عربات الشرطة تنعق بلا هوادة، وكاميرات التليفزيونات تهرع لتمسح المكان، وتحط على وجوه الثكالى، وتبرق الدموع فى ضوئها المبهر.

فى الليلة الرابعة أراد التأكد من أن قنبلته جاهزة، فقلبها ومد يده فى حذر إلى فتيل صغير، فانفجرت. ولم يجد الناس سوى جثة واحدة، لم يبك عليها أحد، ولا سعت إليها كاميرا، ولا زعقت نحوها أبواق عربات الشرطة، وانصبت عليها كل اللعنات.

حرب

قرر الصاروخ الذى أطلقته الطائرة بالغة التعقيد والتطور أن ينحرف عن الهدف الذى هو ذاهب إليه بدقة متناهية، بعد أن رأى طفلين يلعبان الكرة، وشجرة ترقص فى النسيم، وقطة منكمشة إلى جانب سور البناية العسكرية التى أخلاها الجنود قبل نصف ساعة فقط.

شكوى

يخرج عند الضحى من بيته على حماره قاصداً حقله. فى الطريق يستوقف المارة، لا يترك أحداً إلا ويقضى ويشكو له حاله، الزوجة المريضة والديون التى تراكمت وإخوته الذين ظلموه وابنه الغائب.

حفظ الناس حكايته التى لا يمل من تكرارها، ويضيف إليها كل يوم عبارات أخرى بقدر ما يسعفه لسانه. لم يعد لديه جديد، فكان الناس يتجنبونه، مختبئين بين الزروع، أو مسرعين وهم يديرون وجوههم إلى الناحية الأخرى.

عرف أن الكلام مع الناس لا يرجى منه، فكان يخاطب حماره، ويكلم الشجر والنخيل. لم يرد عليه أى منها، فراح يرفع يديه إلى الفضاء، ويكلم الله، مكتفياً به عن الناس والأشياء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أقاصيص قصيرة جدًا أقاصيص قصيرة جدًا



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 04:46 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

أفكار مبتكرة للفواصل في ديكور المنازل العصرية

GMT 00:15 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 01:04 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء آثار يعلنون عن حمامات بها أنظمة صرف صحي

GMT 15:37 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتلال يعتدي على طلبة الخضر في بيت لحم
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday