يتفوقن ويستمر التمييز
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

يتفوقن ويستمر التمييز!

 فلسطين اليوم -

يتفوقن ويستمر التمييز

مهند عبد الحميد
بقلم : مهند عبد الحميد

أثارت نتائج الثانوية العامة لهذا العام تحديات وأسئلة وفرحاً واحتجاجاً على الفرح بمستوى من الجرعات أكثر من السنوات التالية، قد تكون الحدة التي بدت في سلوكيات أفراد وجماعات ومجتمع، تعود لمعاودة فيروس كورونا في موجة هجوم أشد فتكاً وضرراً وتعطيلاً لسبل العيش، وللأزمة الاقتصادية الخانقة المترتبة على انتشار الوباء والحصار المالي،  وللتجاهل الإسرائيلي العدمي للحقوق الوطنية، فضلاً عن حالة الضعف التي المستوى الرسمي والمعارض في مواجهة التحديات.

أبدأ بسؤال لماذا اتسم الاحتفال بنتائج التوجيهي بصخب فاق احتفالات السنوات الماضية ؟ لا شك ان طلبة التوجيهي عاشوا هذا العام شروطاً أقسى، فقد شملهم الحَجْر الصحي الشامل للوقاية من فيروس كورونا، وكانوا في العادة يَحجرون أنفسهم لغاية الاستعداد المكثف لامتحان التوجيهي وتأكيد حفظ المواد. أصبح الحَجْر حَجْرّين.

الجديد أن سلطة العائلة التي تحث الأبناء والبنات على الدراسة والحفظ وتحاول ان تضعهم في العناية الفائقة لإكمال المهمة، تغير سلوكها وهي تتولى الإشراف من موقعها الجديد المحجور والمأزوم اقتصادياً، ازدادت شدة من موقعها المحجور، وانعكس أداء السلطة العائلية المحجورة على الأبناء بزيادة ومفاقمة التوتر والشد العصبي. كانت سيكولوجية طالب وطالبة التوجيهي في ظل الحجر الطوعي للحفظ تنطوي على نوع من الاستلاب وما يعنيه ذلك من خضوع لعملية الحفظ، فالحفظ  كأسلوب إيداع للمعلومات والتمرن على استعادتها أثناء الامتحان والخلاص منها بعد انتهاء الامتحان والتي تبلغ أوجها أحياناً بتمزيق الكتب او حرقها.

عندما تعلن النتائج بالفوز تحديداً، يخرج الفائزون والفائزات من قبضة الحَجْر الطوعي وفي حالتنا الحَجْرين، يتنسمون الحرية متمردين على استلابهم، بالألعاب النارية وبإطلاق الرصاص وبمواكب السيارات التي تطلق العنان لأبواقها، غير عابئين وعابئات بما يتسببون به من إزعاج للمواطنين من خارج الدائرة.

وبهذا المعنى فإنهم يتمردون على استلابهم، وليتحمل المجتمع متاعب إجازته لهذا الشكل من التعليم اللا تحرري القائم على إيداع المعلومات واستعادتها بصرف النظر عن وظيفة العلوم والتعلم والتعليم في المجتمعات والبلدان المتطورة. هذا يطرح إعادة النظر بكل عناصر العملية التعليمية بما في ذلك امتحان التوجيهي، ويطرح سؤال ماذا نريد من التعليم والعلم؟ وهنا جذر المشكلة، وما الصخب والإزعاج والخسائر الا نتيجة منطقية لنظام التعليم السائد في بلدنا.       

 بينت نتائج امتحان التوجيهي لهذا العام انه من أصل 40 طالباً وطالبة أوائل أو في عداد العشرة الأوائل، حصدت البنات 35 مركزاً متفوقاً في كل الفروع بنسبة 87.5% مقابل 5 مراكز للأولاد بنسبة 12.5%. اذا ما أضيف لذلك زيادة عدد الطالبات في الجامعات والمعاهد العليا الى ما ينوف 62%،  وزيادة عدد الإناث المشتغلات في سوق العمل لتصل الى 24% - النسبة تتضمن العاملات بدون أجر في الاقتصاد العائلي-.  وزيادة نسبة المستعدات للانضمام الى سوق العمل، الناجمة عن الزيادة في عدد الخريجات الجامعيات وزيادة نسبة النساء اللواتي يُعِلْن أسراً بنسبة تفوق 11% من مجموع الإعالات، فضلا عن زيادة الإعالات المشتركة وبخاصة جيل الألفية الثانية فما فوق.

هذا التطور لا شك انه مستقل عن الوعي السياسي والاجتماعي السائد، ورغم هشاشة الاستثمار فيه من قبل بعض النخب، إلا انه مهم كونه يشكل مادة خاماً او مرتكزاً مادياً للعمل على تغيير مكانة النساء في المجتمع وانتقالهن الى موقع الشريك على قدم المساواة.

ما حدث  مع النساء على صعيد التعليم والعمل والتفوق الآن يشبه ما حدث في بداية الثورة الصناعية عندما اضطرت الرأسمالية الى استيعاب القوى العاملة بأعداد ضخمة، بما في ذلك تشجيع عمل النساء، حينها وصف الفلاسفة تلك العملية بأن الرأسمالية تحفر قبرها بيدها وهي تصنع نقيضها. في تلك الفترة حدث التطور المادي بمعزل عن الوعي، لكن الوعي أخذ ينبثق عبر قوى ثورية ونخب فكرية طرحت مهمة حل التناقض.

عندنا لا يوجد اي انعكاس لحضور البنات المتعاظم في التعليم من موقع متفوق، البنات يتفوقن والتمييز ضدهن يتواصل، وقد احتدم مؤخراً في رفض ومقاومة مشروع قانون حماية الأسرة ومن قبله رفض ومعارضة اتفاقية سيداو التي تدعو الى إزالة كل أشكال التمييز.

البنات يتفوقن ونظام التعليم  اللا تحرري بكل مكوناته، يدعم التمييز ضدهن من خلال دفاعه عن قيود تحرم العقل الذكوري والأنثوي من التفكير، وقيود تخضع الإناث لولاية الذكور. يُحل هذا التناقض بالاستجابة لتطور مكانة البنات في التعليم وبالاستجابة لحاجة المجتمع لإشراكهن على قدم المساواة، وبهزيمة الفكر الرجعي ووقف تغلغله في صفوف المجتمع.

الاستجابة تكون عبر منظومة قوانين بديلة للقوانين المتخلفة التي عفا عنها الزمن، وعبر نظام تعليمي تحرري ديمقراطي يزيل القيود والوصاية الاجتماعية والسياسية والثقافة الداعشية التي تحاول تكريس نوع جديد من الجهل المقدس، نظام تعليمي يطلق الطاقات الواعدة والكامنة للاجيال كي تصنع مستقبلها بنفسها.

ويُحل التناقض ايضا عبر اقتصاد تعاوني منتج يستند الى تطوير الموارد الذاتية من داخل المجتمع كبديل للاقتصاد الريعي «المتسول»  في حالتنا الفلسطينية. ما لم يحل هذا التناقض لمصلحة المساواة فسيتم إهدار الطاقات الكبيرة للبنات، ويتم قطع الطريق على تطور المجتمع.

 عناوين أخرى أثارتها نتائج الثانوية العامة لهذه السنة أهمها، زيادة  نسبة الملتحقين بالفرع الادبي الى 62.4% واذا اضيف لها فروع اخرى تنتمي للفرع الادبي ترتفع النسبة الى 72.6% .

مقابل 26.4% ينتمون للفرع العلمي وبعض الفروع ذات الصلة. السؤال لماذا تنخفض نسبة الفرع العلمي إبان الثورة الرقمية وتكنولوجيا الاتصال وتطور العلوم والبحث والمعرفة والاركيولوجيا والانثروبولوجيا. الانخفاض لا يتناسب أبداً مع ضرورة مواكبة الأجيال الجديدة للعصر الذي صار متطلبه الأساسي  تطوير ملكات الإبداع والابتكار والاختراع والتفكير والطموح والانفتاح. ولا شك ان عدم المواكبة والتطوير يضعنا خارج مكان وزمان الدول والشعوب المتطورة.

لم يعد نظام -علمي أدبي- الذي ينمط العقول، يناسب العصر. كما لم يعد نظام التوجيهي والامتحان الحاسم في تقدير المستوى العلمي للطلبة يلائم التعليم الحديث. الانتقال الى نظام تعليم تحرري جديد يزيل القيود عن العقول، وينهي تقسيم الطلاب الى علمي وأدبي بهذه الصيغة النمطية ويحترم الميول والتخصصات بصيغة أنظمة التعليم الحديثة، ولا يكون فيه امتحان توجيهي يستدعي المعلومات المودعة بنظام الحفظ والتلقين. دعونا نقارن المشهد الاجتماعي الفلسطيني أثناء إعلان نتائج التوجيهي، والمشهد الاجتماعي الفنلندي او الياباني او الفرنسي مع انتهاء عام دراسي والانتقال الى الدراسة في الجامعة في تلك البلدان، ماذا سنجد؟، سنجد فرقاً مدهشاً، اقله سنكون في حالة لا نحتاج فيها الى جلبة فرح ملتبس!

قد يهمك أيضا :   

ما بعد الضم!

لماذا لا تدخل السلطة مناطق (ب وج) لحماية شعبها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يتفوقن ويستمر التمييز يتفوقن ويستمر التمييز



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 19:58 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

4 انتصارات في ختام دوري الدرجة الأولى

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:59 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

منتزهات" الطائف" للتمتع بالطبيعة الخلابة والمساحات الخضراء

GMT 10:59 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

قائمة المرشحين لحصد جوائز "أوسكار" 2019 تخرج إلى النور

GMT 07:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رسالة مؤثرة من الأميرة هيا بنت الحسين إلى شقيقها الأميرعلي

GMT 00:52 2014 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

اليابان تكشف النقاب عن الروبوت الأسرع في العالم

GMT 08:10 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سارة نخلة تُشارك في مسلسل "هبة رجل الغراب 4"

GMT 05:51 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

"رجال الأعمال" "قرار 800" يدفع الشركات الأجنبية للهروب من مصر
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday