الحدث السوداني
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

الحدث السوداني..!!

 فلسطين اليوم -

الحدث السوداني

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

يستدعي الحدث السوداني وقفة خاصة. لذا، نؤجّل، مؤقتاً، تحليل «الاستثناء السعودي»، دون تناسي أن وقفة اليوم وثيقة الصلة بالموضوع، وكذلك معالجات سبقت، واستمرت، منذ ربيع هذا العام. فرض الحدث السوداني نفسه، كما نعلم، بعد الإعلان، بصفة رسمية، عن الموافقة على «تطبيع» العلاقات من جانب الطرفين السوداني والإسرائيلي، ومباركة العرّاب الأميركي.

بداية، أعتقد أن مفردة «تطبيع» الشائعة، هذه الأيام، تنطوي على دلالات مُضللة. والأقرب إلى الحقيقة، والواقع، أن نتكلّم عن «السلام الإبراهيمي»، بوصفه خارطة طريق سياسية، وأيديولوجية، وتنظيمية ل «صفقة القرن»، وأن نشخص ونُعرّف به ما تحقق حتى الآن بين إسرائيل من ناحية، الإمارات، والبحرين، والسودان، من ناحية ثانية. وما يصدق في وقت لاحق، أيضاً، على قائمة ستضم كل دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى أكثر من دولة في شمال أفريقيا، على الأرجح.

وبناء عليه، نكون قد وضعنا كل «ما تحقق» حتى الآن، وما ينتظر التحقيق، في إطار موضوعي يصف حلفاً، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً، في طور التشكيل، على غرار حلف وارسو، أو الناتو، مع تنويعات تنجم عن اختلاف الزمان والمكان وهويات ومصالح وتراتبية اللاعبين. وبناء عليه، أيضاً، نكون قد تقدّمنا خطوة إضافية في تعريف الحلف المذكور كنظام للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، في مواجهة إيران، وتركيا، وكبديل تنظيمي للجامعة العربية.  

يبدو هذا السيناريو كفنتازيا سوداوية، تماماً، من جانب كاتب هذه السطور على الأقل. وإذا راود ما يشبهه بعض أطراف الحلف، وهذا مرجّح، فينبغي ألا يغيب عن الذهن أن الكلام عن أمر كهذا أسهل بكثير من تحقيقه، وأن هذه فنتازيا جنونية إلى حد بعيد، وعوامل موتها في صميم بنيتها.

ومع كل هذه التحفظات في الذهن، لا يجب، بالمطلق، الاستخفاف بالطموحات الفاوستية للعربان والإسرائيليين، فالعالم العربي جثةّ تحللت، تعصف به، وبالإقليم والعالم، رياح طور متأخر لليبرالية جديدة توحّشت، وعولمة تثير من الذعر أكثر مما تبعث على التفاؤل بالمستقبل، وثورة يمينية وشعوبيات تسعى لتعويض كل ما أصاب هويات جريحة من مهانة في زمن صعود اليسار، وما بدا لوهلة بعد نهاية الحرب الباردة انتصاراً نهائياً للديمقراطيات الغربية على الشموليات والاشتراكيات السوفياتية وغيرها.

قلنا إننا إزاء حلف في طور التشكيل. وفي هذا التشخيص ما يمكّننا من استنباط دلالات سياسية وتنظيمية، والتفكير في سيناريوهات مختلفة. ويبقى أن للحلف دلالة أيديولوجية، أيضاً. فالمكان الوحيد في الكون الذي لا ينبغي أن تنفصل فيه السياسة عن الدين، ولا ينبغي أن تنجح فيه سياسة دون الدين، هو العالم العربي، والشرق الأوسط. هذه نظرة يتبناها صنّاع القرار في الغرب، لأسباب يطول شرحها، وتروّج لها النخب الحاكمة والسائدة في هذا الجزء من العالم.

والمهم أن صنّاع «السلام الإبراهيمي»، وأعضاء الحلف قيد التشكيل، لم يعثروا في إبراهيم هذا على جد مشترك، وعلى ما يُشبع الحاجة للحيلولة دون فصل الدين عن السياسة، وحسب، ولكنهم وضعوا، أيضاً، عناصر ومفردات جديدة لحفظ وترميم العلاقة الرحمية بين الدين والسياسة، بعد إصلاح الدين (إصلاح الخطاب الديني بعد افتضاح هوية الدواعش الوهابية، وفشل الرهان الأميركي على الإخوان) من ناحية، وإصلاح السياسة (تحريرها من النزعة القومية العروبية، وملاحقة شبح الربيع العربي، وسحق ما تبقى من الحركة الوطنية الفلسطينية، وتعقيم السياسة حتى من أفكار كالمواطنة، والعدل، والمساواة) من ناحية ثانية. نبيذ جديد في زجاجات قديمة.

ويبقى أن الحدث السوداني يتجلى الآن كوسيلة إيضاح لأشياء كثيرة. فالتحاقه بالحلف تم بضغط من جنرالات الجنجاويد، وهؤلاء كانوا موضع ثقة البشير وشركائه الإسلاميين، وشاركوا في نهب البلاد، وإفقارها، وارتكاب جرائم حرب. ويمكنهم الإفلات من ملاحقة الجنائية الدولية إذا نالوا رضا الأميركيين والإسرائيليين.

وهؤلاء، أيضاً، هم الذين غضوا النظر عن الرشوة المالية التي تلقاها رئيسهم السابق، البشير، من السعودية والإمارات، مقابل الزج بالسودانيين الفقراء في حرب اليمن، التي لا ناقة للسودان فيها ولا جمل.  وهم، أيضاً وأيضاً، ما زالوا يغضّون الطرف عن بقائهم هناك.

وأخيراً، هؤلاء هم الذين أسفرت تدخلات إقليمية ودولية، تحت الطاولة وفوقها، عن صعودهم إلى هرم السلطة بعدما اتضح استحالة احتواء الثورة الشعبية دون التضحية برأس النظام. وهذا أحد الدروس التي استخلصتها قوى الثورة المضادة منذ الأيام الأولى للربيع العربي: التضحية برأس النظام كوسيلة لاحتواء الثورة الشعبية.

والواقع أن الالتحاق بالسلام الإبراهيمي سيمكّن هؤلاء من البقاء في هرم السلطة، وسيصعد من بينهم زعيم لهم، يستفرد بالسلطة، ويطيح بالشركاء المدنيين حتى يطيح به انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية. هذه سيرة ومسيرة الحكم في السودان منذ الاستقلال عام 1956.

ويبقى أن بعض المدنيين، الذين شعروا بالإهانة نتيجة الضغط والابتزاز الأميركيين، ليسوا حمقى تماماً، ولا يمكنهم، حتى لأسباب وطنية، تجاهل ما قد يحصل عليه البلد من مكاسب اقتصادية وسياسية بعد الالتحاق بالحلف.

على أي حال، أيام المدنيين في سدة الحكم قصيرة. وآمال السودان في الخروج من المأزق الاقتصادي لا تبدو واقعية. وعندما يخلع جنرالات الجنجاويد البزات العسكرية ليصبحوا «مدنيين» وحكّاماً «منتخبين»، لا ينبغي التظاهر بالدهشة إذا فكّرنا في أشياء من نوع: نبيذ جديد في زجاجات قديمة.

ويبقى، أن التاريخ لا يشكو ندرة اللؤم، أو حس المفارقة، فإسرائيل التي أرادت تكحيلها «عمتها» فعلاً بهبة الطحين التي تساوي خمسة ملايين دولار. وفي يوم ما، عندما يُؤرَّخ «لسلام إبراهيم» لن نجد بداية خيط أفضل من «الحدث السوداني».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحدث السوداني الحدث السوداني



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 12:35 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 10:08 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 10:00 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 07:23 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

الصحف.. و"كورونا" في زمن "حماس"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday