ثنائية الموت والحكم في العراق
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

ثنائية الموت والحكم في العراق

 فلسطين اليوم -

ثنائية الموت والحكم في العراق

عبد الغني سلامة
بقلم :عبد الغني سلامة

يزدحم تاريخ العراق بأحداث العنف بأقسى صوره، مع ميلٍ للمبالغة والتطرف في ممارسته والإيغال في تطبيقه، حتى بات العنف والتقلبات الدموية سمة للعراق، وهي ظاهرة تستوجب الدراسة، وللأسف فإن البلاد ما زالت تسير على نفس النهج دون تغيير، مدفوعة بنفس النوازع السيكولوجية، ولم يتغير فيها سوى التسميات وتاريخ السنين وأسماء الأشخاص.

في كتابه، "تاريخ العنف الدموي في العراق"، يقول باقر ياسين: "هذا العنف الذي تفجر مبكراً ورافق مراحل البلاد التاريخية تجلى بأشكال وأمثلة عديدة، بدأها ملوك "أور" بعادة دموية كانت تقتضي قتل ثمانين رجلاً وامرأة مع كل ملك يموت لخدمته في الحياة الآخرة، ثم تجلت مرات عديدة في الصراعات الدموية التي طبعت غزوات وحروب الممالك على بعضها البعض، وتدمير المدن المفتوحة واستباحتها، وكان سبق البدء للملك السومري "زاكيزي" حين دمر "لكش" وقتل سكانها.

ويبدو أن القرن العشرين هو البديل المكافئ لكل القرون الخمسين الماضية، لغزارة أحداثه الدموية وكثافتها، حيث بدأ القرن بقتل والي البصرة أكثر من عشرين لصّاَ بوضعهم في "شوالات"، وإغراقهم في شط العرب، فيما ابتدأ القرن الحالي بقتل أكثر من مائتي مواطن في اليوم الواحد، دون الحاجة لوضعهم في "شوالات"، وإغراقهم في أي شط.
ومع تفاقم ظاهرة العنف نشأت على هامشها ظاهرة السحل والتمثيل بالموتى، والتنكيل بالخصوم، حتى لو كانوا مفكرين وعلماء وأدباء.. كما سجل التاريخ ظاهرة تدمير الآثار والتراث الحضاري والفني والثقافي.
أما الظاهرة الأبرز فتمثلت بتلازم حوادث القتل المفجعة والموت المريب بنهايات رؤساء وملوك العراق، بدءًا من فيصل الأول وانتهاءً بصدام حسين. وحدهما "عبد الرحمن عارف"، و"جلال طالباني" توفيا بشكل طبيعي كسائر البشر.

لنبدأ بفيصل الأول، الذي اختاره السوريون المتحمسون لفكرة الانفصال عن تركيا ملكاً عليهم، والذي لم يدم ملكه سوى شهر واحد، حيث خسر المعركة في ميسلون، لكنه لم يخسر اللقب، فبعد ترحيله وجَدَ في العراق ملاذاً، فيما وجَدَ فيه العراقيون ضالتهم؛ كان فيصل الأول أول ملوك العراق، وأول من افتتح موسم الموت المريب، فبينما كان في رحلة استجمام في سويسرا حقنته ممرضة حقنة سامة أودت بحياته، ضمن ظروف ما زال يكتنفها الغموض.

من بعده تولى ابنه الأمير غازي الحكم، وهو في مقتبل العمر، لم تُرق للبريطانيين سياساته وتطلعاته، فدبروا اغتياله من خلال هوايته المفضلة، بواسطة حادث سيارة مفتعل في حرم قصره في العام 1939.

 وثالثة الأثافي كانت من نصيب الوصي عبد الإله، صهر الملك المغدور، الذي قُتل مع العائلة المالكة في ذاك اليوم المحفور في ذاكرة العراق، وقد أوغل الغاضبون في سحْلِهِ في شوارع بغداد وتقطيع جثته، وفي نفس هذا اليوم الفاصل بين الملكية والجمهورية تم القبض على رئيس الوزراء نوري السعيد ونجله وقتلهما، وسحلهما مع المسحولين.

كان فيصل الثاني آخر ملوك العراق، وكان يوم الرابع عشر من تموز 1958 آخر عهده بالدنيا، في قصر الرحاب في حي الحارثية حيث كانت تقيم العائلة المالكة، المكان الذي شهد نهايتهم المفجعة، عندما اجتاح الجيش باحات القصر فخرجت الأسرة المالكة مذعورة، وبعد أن تكاثرت جموع الغوغاء، أعطى ضابطٌ تعليماته بإطلاق النار، منهياً بذلك عهداً ملكياً دام ثلاثة عقود ونيف.. ويؤكد بعض شيوخ العراق أن نزيف الدم الذي انفجر ذلك اليوم التموزي الملتهب، سيصير "لعنة" ستستمر كعقوبة لأمد غير معلوم!
كان عبد الكريم قاسم أول عراقي يحكم البلاد بعد الملوك الهاشميين، وأكثر من حكموا العراق إثارة للجدل، وإذ يتهمه خصومه بالاستبداد،  سمّاه الشعب الزعيم الاوحد، والابن البار.

مَنَحَ الزعيمُ الشيوعيّين حريةً كبيرة ووَرّطَهُم في أحداث العنف في الموصل وكركوك، ولكنه بعد انقلاب الشواف الفاشل نكّل بخصومه وأمر بإعدامهم.. ناصبه البعثيون العداء، وحاولوا اغتياله عام 1959 في شارع الرشيد، وكان من نفذ المحاولة صدام حسين.

وفي مبنى وزارة الدفاع ستكتب نهاية حقبة فريدة من تاريخ العراق، سيتذكرها كثيرٌ من المسنين بحنينٍ ولوعة حتى يومنا هذا، فقد صحت بغداد صبيحة الثامن من شباط 1963 على أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات وهي تقصف مبنى الوزارة حيث كان يتحصن بها الزعيم الأوحد، ففيها كان يتخذ من غرفة متواضعة مكتباً له ومناماً.

حدث هذا على يد عبد السلام عارف، شريك قاسم في انقلاب تموز، وبدعم من البعثيين، ضمن انقلاب عسكري سيغير مسار الأحداث كلياً، اقتيد العقيد بعربة عسكرية، ليمثل أمام محكمة سريعة قضت بإعدامه رمياً بالرصاص، فأعدم وهو ببزته العسكرية، ومعه كبار معاونيه.

ثامن القتلى هو أول مدني يحكم الجمهورية: عبد السلام عارف.. في رحلته الأخيرة على مروحية لزيارة مدينتي العمارة والناصرية، برفقة محافظ البصرة، وقيل إن المحافظ تردد في الصعود معه، لكنه أجبر على ذلك، وفي صباح اليوم التالي بثت الإذاعة بياناً مقتضباً ورد فيه "في ظروف غامضة تحطمت الطائرة التي كان يستقلها الرئيس"، لكن الأيام كشفت فيما بعد تورط حزب البعث في الحادث.

وبينما يحتفل العراقيون بالذكرى الحادية عشرة لثورة البعث، وهم يهتفون لقائدها حسن البكر، فوجئوا بخبر عاجل مفاده أن البكر استقال من منصبه، وعيّن نائبه رئيساً للجمهورية، وفي اليوم التالي جلس صدام على منصة في قصر للمؤتمرات وأخذ يتلو بعض الأسماء.. من ورد اسمه يخرج من القاعة، ليتولى حرسه الشخصي أمر إخراجه من الدنيا كلياً، بتهمة التآمر على النظام والثورة، والتحالف مع الجارة اللدود سورية.

دام حكم صدام ربع قرن، وانتهى ضمن نفس السياق العنيف، حيث أعدم شنقا بعد محكمة صورية، وبطريقة مخزية.. خلال عهده خاض العراق حروباً كثيرة، قتل فيها أعداد هائلة، وأعدم خلق كثيرون، إلى أن جاء الغزو الأميركي، لتبدأ مرحلة جديدة من العنف والفساد والطائفية.

منذ بدايات العام الحالي، بدأت تخرج في بغداد ومدن أخرى عديدة تظاهرات شعبية حاشدة، تطالب بالإصلاح، ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية.. نرجو أن تكون بداية التغيير الإيجابي، لتقفل مرحلة طويلة من العنف، ليعود العراق كما نعرفه ونحبه: حاضرة الدنيا وموئل العلم والحضارة.

قد يهمك أيضا : 

    ابن رشد، نظرة مختلفة

  عن الفرقة الناجية
   

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثنائية الموت والحكم في العراق ثنائية الموت والحكم في العراق



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 06:05 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 22:13 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"تحديد موعد النظر في شكوى فلسطين ضد "الفيفا

GMT 19:39 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

غياب كنكوني والعازمي عن مباراة برقان وكاظمة

GMT 12:54 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

ظافر العابدين ينتهي من تصوير المسلسل البريطاني Fearless

GMT 01:45 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 21:53 2019 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

ضعف الأظافر وتساقط الشعر دليل عن نقص الفيتامينات في جسدك

GMT 10:05 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء الأسيرات المحتجزات في أسوار سجون "الاحتلال "
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday