لماذا
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

لماذا؟!

 فلسطين اليوم -

لماذا

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

لو سألت أي مواطن عربي: هل تحلم بالسفر إلى بلد أجنبي؟ أميركا، كندا، أستراليا، أوروبا؟ سيجيبك على الفور «نعم». ومن يتردد، أو يجيب بـ»لا»، إما لأنه يعتقد أن هذه البلدان لن تمنحه تأشيرة دخول، أو لأنه لا يمتلك تكاليف السفر، أو لأنه لا يعرف إجراءات الهجرة المعقدة، أو لأنه مؤمن بضرورة الصمود والثبات فوق «الأرض المقدسة».. لكنهم في جميع الأحوال غير راضين عن واقعهم، وحلموا ولو لمرة بالهجرة، بمغادرة هذا الواقع البائس.

من يتعرض لاضطهاد ديني، أو طائفي، ومن يهدم بيته، أو فقد أسرته جراء الحروب الأهلية، ومن يتعرض للتمييز، أو للقمع، وتكميم الأفواه، ومن يعاني الفقر والبطالة، ومن لديه حلم، أو مشروع كبير، ومن يخشى قادم الأيام، ويخاف من الحروب، ومن يريد لأطفاله مستقبلا آمنا، ومن يكره الظلم والفساد والمحسوبيات، ومن يحب البيئة النظيفة، والالتزام بالقوانين.. كل أولئك يفكرون بالهجرة، أو يتمنونها.
الوطنيون الذين أمضوا شطراً من حياتهم في المعتقلات، والمتدينون الذي يريدون أن يعبدوا ربهم دون خوف، وقادة أحزاب الإسلام السياسي الذين يريدون عقد مؤتمراتهم ونشر صحفهم دون قمع، والعباقرة الذين يحتاجون مراكز علمية وجامعات مرموقة تستوعبهم، وأبناء الأقليات المضطهدة، حتى المثليون والمتحولون جنسيا.. كل أولئك يفكرون بالهجرة.
عالم الاجتماع المشهور علي الوردي قال ذات مرة: «لو خُيِّـر العرب بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية، وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية».

هذه ليست دعوة للهجرة، ولا دعاية للدول الأجنبية، فهي ليست الجنة الموعودة كما يتوهم البعض، ولكنها دعوة للتفكر.. لماذا واقعنا على هذه الدرجة من البؤس؟ ولماذا تقدم العالم؟ وبقينا متأخرين؟ وكيف بنت الشعوب دولا محترمة، ونماذج رائعة في الحكم؟ ولماذا بلداننا طاردة لأبنائها؟!

بعد الحرب العالمية الثانية تخلت اليابان عن عقيدتها الكولونيالية، وعن دياناتها، وأنزلت آلهتها من عليائها، ولم تسعَ للانتقام، ولم تبنِ جيشا، واتجهت كليا إلى العلم والتكنولوجيا والتصنيع.. ألمانيا جمعت حطام ومخلفات الحرب، ودفنتها تحت أكوام كبيرة من التراب، وزرعت فوقها الأشجار والورود، وجعلت منها متنزهات بديعة يلعب فيها الأطفال ويفكرون بمستقبلهم.

السويد احتفلت في العام 2014 بمرور مائتي سنة دون إطلاق نار، ولا خوض حرب.. سويسرا منذ 700 سنة لم تخض حربا واحدة.. الصين بعد أن تخطت المركزية الحزبية، وتجاوزت إرث «ماو»، ودّعت الفقر والمجاعات، وها هي الآن على وشك التربع على عرش العالم تكنولوجيا وصناعيا.. وكذلك فعلت كوريا الجنوبية، وسنغافورة وماليزيا.. حتى رواندا تجاوزت ذكرى المذبحة والحرب الأهلية، وها هي اليوم في مقدمة الدول الإفريقية.. كل العالم يتقدم، إلا الدول العربية.

لسنا هنا بصدد تحليل الأسباب والعوامل التي أفضت إلى هذه النتائج، بل لاستعراض نماذج من التصرفات وطرائق التفكير لدى الإنسان العربي، والتي هي نتاج لهذا الواقع، ومن أسبابه أيضا؛
المواطن العربي يحب الحرية، ويعشق النظام والقانون.. شريطة أن تكون على مقاسه، وتحقق مصالحه، وعندما لا تكون كذلك، يتجاهلها، بل وينكرها على غيره، وقد يحاربها.. فمثلا تراه يطالب بالديمقراطية، وبحرية التعبير، وينتقد الحكومات القمعية، لكنه إذا سمع صوتا مخالفا لمعتقداته، أو رأى تصرفا لا يتوافق مع تنشئته ينكره، ويحاربه بكل ما أوتي من سلطة وقوة.. يريد الحرية له فقط، والعيش الكريم لجماعته فقط، وحرية التعبير لما يتلاءم مع أفكاره وقناعاته.

يريد حقوقه الشخصية كاملة غير منقوصة، لكنه يتلكأ عن القيام بأدنى واجباته، يتهرب عن دفع الضريبة، لا يمارس أي عمل تطوعي، يتحايل على القانون بشتى الطرق لخدمة مصالحه، وقد يغش، ويستغل، ويأكل حقوق غيره..

يطالب بحقوق طائفته كاملة، لكنه يحرّمها على غيره، خاصة إذا كانوا أقلية، مثلا كم شخصا يوافق على منح الطائفة الأحمدية أو البهائية حق ممارسة طقوسها الدينية بحرية؟
ينبذ الطائفية ويلعن الطائفيين، فإذا كان سُنيا ينتفض ويغضب ويتذكر كل ثارات التاريخ بمجرد سماعه كلمة شيعي.. والعكس صحيح.
ينتقد اضطهاد المسلمين في الصين والهند، لكنه لا يعترض على خطيب الجمعة وهو يصب لعناته على المسيحيين واليهود، ويدعو عليهم بالهلاك.
يطالب دول الغرب بفتح مساجد للمسلمين، ثم يعترض على بناء كنيسة في مدينته.

ينتقد عنصرية أميركا، لكنه يتغاضى عن عنصريته.. ينتقد قوانين اللجوء والإقامة في أوروبا، لكنه يتناسى أن البلدان العربية لا تعطي للأم حق توريث الجنسية لأبنائها.
يختار من الدين ما يناسبه ويريحه (الزي، والمظهر، والطقوس، تعدد الزوجات) ويتجاهل جوهر الدين، وتعاليمه الإنسانية والأخلاقية، فيعتدي على جاره، ويحرم شقيقاته من الميراث، ويستغل العمّال، وقد يتصدق على الفقراء في رمضان، لكنه في شوال سيطرد فقيراً من بيته لأنه تأخر عن دفع الإيجار.
ينتقد الواسطة، لكنه سيستغل كل معارفه وأقاربه حين يريد توظيف ابنه، أو تمرير معاملة في دوائر الدولة.

يطالب بسيادة القانون، وإذا حصلت معه مشكلة يلجأ للعشيرة فورا.. وحتى ضمن العقلية العشائرية في حال وقوع مشكلة، إذا كان المعتدي من جماعته يصبح متسامحا ويدعو للصفح، وإذا كان المعتدي من عشيرة ثانية يطالب بالثأر والانتقام.

يحب النظام ويكره الفوضى، لكنه يوقف سيارته في المنطقة الممنوعة، ويعرقل السير، ويتجاوز الطابور، ويلقي نفاياته في الشارع، ويبيح لنفسه كل ما ينتقده في الآخرين.
يحب الهدوء، ويكره المزعجين، وإذا نجح ابنه في التوجيهي يفتح جبهة من الألعاب النارية، وعندما يزوجه يغلق الشارع، ويفتح السماعات بأعلى صوتها حتى آخر الليل.. تحت حجة «مرة في العمر»..
المشكلة ليست مقتصرة على الأنظمة القمعية والعميلة والفاسدة، ولا على حيتان البلد التي احتكرت اقتصادها، وحرمت الشبان من فرصهم.. المشكلة أساسا في العقلية السائدة، وفي الوعي الجمعي، وفي التربية المجتمعية، وبسلوك الأفراد.

مصدر هذه العقلية الانتقائية، ذات المعايير المزدوجة هو فكرة «حكم الأغلبية»، الأغلبية التي تفصّل مفاهيم الحرية والقانون والنظام والحقوق على مقاسها الخاص، وتنكره على غيرها.
العقلية التي تكره كل شيء مختلف عنها، وتعتبره شاذا، ويشيع الفاحشة.

الأغلبية القوية، التي تريد فرض مفاهيمها وقيمها وأنماط حياتها على سائر المجتمع بصرف النظر عن اختلافاته وتنوعه.
سنتغير للأحسن، عندما نصير شعوبا مظلومة فعلا، لا ظالمة، وعندما نصبح أقل فسادا وقمعا وتخلفا من حكوماتنا، التي نلعنها ليل نهار.

قد يهمك أيضا :  

الحلم المحرم

  عـن الـذكـاء الـعـاطـفـي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لماذا



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 06:05 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 22:13 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"تحديد موعد النظر في شكوى فلسطين ضد "الفيفا

GMT 19:39 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

غياب كنكوني والعازمي عن مباراة برقان وكاظمة

GMT 12:54 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

ظافر العابدين ينتهي من تصوير المسلسل البريطاني Fearless

GMT 01:45 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 21:53 2019 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

ضعف الأظافر وتساقط الشعر دليل عن نقص الفيتامينات في جسدك

GMT 10:05 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء الأسيرات المحتجزات في أسوار سجون "الاحتلال "
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday