عن الراحل محمد عمارة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

عن الراحل محمد عمارة

 فلسطين اليوم -

عن الراحل محمد عمارة

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

انتقل إلى جوار ربه المفكر المصري الإسلامي د. محمد عمارة، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، تاركاً وراءه مئات الكتب والدراسات.. ومثل أي مفكر عميق، سيخلّف وراءه أيضاً زوبعة من المواقف المتباينة بين مؤيد له، ومعارض لأفكاره.من كتابه «تيارات الفكر الإسلامي» تعرفتُ لأول مرة على أفكاره.. فاعتقدت بداية أنه من المعتزلة، ففي كتابه القيم هذا، تطرق بالشرح الوافي لمعظم تيارات الفكر الإسلامي التي نشأت في صدر الإسلام، ومع أنه لم يذم أيا منها، ولم يتحيز لتيار أو فرقة دون الأخرى، بانياً دراسته بشكل موضوعي أكاديمي، إلا أنني لمست فيه إعلاءً لفكر المعتزلة، مبيناً فضلهم في إعادة الاعتبار لمكانة العقل وأهمية التفكير.

وفي كتابه «الجامعة الإسلامية» امتدح أفكار محمد عبده والأفغاني والكواكبي، وأيد نهجهم، فاعتقدت أنه من داعمي فكر النهضة والتجديد.ومن متابعتي لبعض كتبه الأخرى، ومقالاته كنت أقرأ عبارات «حداثية» وأفكاراً غير تقليدية، لا تجدها في خطاب الإسلام السياسي السلفي، مثل اهتمامه بقضايا القومية العربية، وتركيزه على مفاهيم العدالة الاجتماعية، والثورة على الظلم والاستبداد، منطلقاً من الدائرة الإنسانية، داعياً للتفاعل الحي مع الحضارات والشعوب المختلفة، والتعايش بين الأديان.. وتلك كانت من قسمات مشروعه الفكري.

وإذ بدأ حياته الفكرية «ماركسياً»، فقد انتهى «إسلامياً»، ومع أنه لم ينتمِ لأي تنظيم سياسي إسلامي، وظل يرى نفسه «مستقلاً»، إلا أن خصومه وصفوه بمنظر الحركات الإسلامية.اعتقل في أواخر الخمسينيات، على خلفيته الماركسية، بيد أنّ السجن كان بداية تحولاته الفكرية المتعددة، فأخذ يبتعد عن اليسار، معتبراً أن «العدالة الاجتماعية» يمكن أن تتحقق في الإسلام فقط، وليس من خلال الصراع الطبقي وأطروحات اليسار، فتفرغ بعد خروجه من السجن عام 1964 لمشروعه الفكري؛ فحصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من جامعة القاهرة عام 1965، وعلى الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975. وقد ركز في كتاباته على مواجهة ما اعتبره «الفكر التغريبي»، والرد على العلمانيين.. ومن مؤلفاته: «التفسير الماركسي للإسلام»، «معالم المنهج الإسلامي»، «الإسلام والمستقبل»، «نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام»، «الغارة الجديدة على الإسلام»، «الرد على شبهات العلمانيين».

وشغل «عمارة» عدة مواقع، منها: عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ورئيس تحرير لمجلة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، كما كان عضواً باللجنة التأسيسية لدستور 2012.
لم يترك أثراً ذا بال في مرحلته الماركسية، ربما لحداثة عمره آنذاك، بيد أنه صار واحداً من أبرز المفكرين الإسلاميين، ولكنه ظل مثيراً للجدل.. إذ يراه البعض إسلامياً متشدداً، وأزهرياً تقليدياً، وسلفياً.. ويراه آخرون معتدلاً، تنويرياً، فيه لمسة من الحداثة.. لكن صفته الأشهر ظلت «إسلامي مستقل»، دافع عن الإسلام، وآمن بوحدة الأمة الإسلامية، واهتم بقضاياها المعاصرة.
مثّل الراحل «المدرسة الوسطية الجامعة»، إذ سعى للتوفيق بين العناصر الإيجابية للتيارات والجماعات الإسلامية المختلفة، ليجسد موقفاً جديداً ومغايراً، فالعقلانية عنده تجمع بين العقل والنقل، والإيمان يجمع بين الإيمان بالغيبيات والإيمان بالعلم التجريبي المادي.. ولكنه لم يصل إلى المدى الذي وصله «الحداثيون» و»التجديديون» (أمثال خليل عبد الكريم، حسن حنفي، نصر أبو زيد)، ولم يكن من أنصار العنعنة والنقل (مثل أغلب فقهاء الأزهر)، ولم يكن سلفياً جامداً متطرفاً (مثل وجدي غنيم، ومحمد حسان وغيرهم من نجوم الفضائيات)، ولم يتبنَّ فكرة تنقيح التراث، وتخليصه من الشوائب (كما دعا إسلام البحيري، ومحمد عبد الله نصر، وزكريا أوزون وغيرهم)، وظل مدافعاً عن منهج الأزهر بكل ما عليه من ملاحظات (من قبل القرآنيين، ومن قبل دعاة التنقيح والتجديد).
وفي مقالته «الحاكمية بين الغزالي وقطب»، كتب: «الشيخ الغزالي لم يسمع بفكرة الحاكمية إلا بعد موت حسن البنا، والحاكمية عنده كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل».
وأضاف: «الحاكم يأخذ من القرآن والسنّة ومن الأدلة الأخرى، مثل الاستحسان والاستصحاب والاستصلاح، وكون الإنسان يشرّع في الفروع، وفي شرح القواعد، فمن حقه أن يشرّع دستوراً، والقاعدة هي الشورى «وأمرهم شورى بينهم».. أي الحكم لله، والإنسان يضع القواعد، والأمة هي مصدر السلطة، والحاكم عليه أن يجري انتخابات، هذه تشريعات العقل البشري فيها أساساً، تعتمد على قاعدة حكم الله، أي الشورى، والفروع متروكة للقياس والاستصلاح والاستحسان».
لكن عمارة في مقالة أخرى انتقد العلمانيين باتخاذهم كتاب علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم»، مرجعية لهم في نقدهم فكرة الدولة الإسلامية، باعتبار أن الشيخ عبد الرازق تراجع عن أفكاره.
كما انتقد في مقالة مطولة فكر وممارسات حركات الإسلام السياسي، ذاكراً بعض أخطائها، مثل الخلل في فهم التعددية، وفي الإيمان بجدواها، والخلل في التمييز بين الأصول وبين الفروع والجزئيات والوسائل المتعلقة بالمتغيرات الدنيوية، والخلل في علاقة الذات بالآخر، والخلل في فهم العلاقة بين التاريخ والعصر، وعلاقة الأموات بالأحياء، وعلاقة الموروث بالإبداع، والخلل في فهم العلاقة بين التربية الروحية والتربية السياسية والتنظيمية، والخلل في فهم العلاقة بين الطاعة والحرية.
ما يحسب على «عمارة»، خوضه سجالات ضد الكنيسة القبطية، واتهامه بإهانة المسيحية ووصفها بالفاشلة، الأمر الذي قد يؤجج فتناً طائفية.
وبعد مناظرته الشهيرة (معرض القاهرة للكتاب 1992)، التي وقف فيها إلى جانب الغزالي والهضيبي ضد فرج فودة، حول مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، أيد عمارة فتوى الغزالي بقتل فرج فودة، باعتباره مرتداً.. وهذا موقف غريب وغير مفهوم من مفكر؛ فالمفكر الحقيقي لا يقتل زميله المفكر، ولا يسكت عن قتله، ولا حتى يسمح باضطهاده، مهما بلغت درجة الخلاف بينهما، بل يناقشه ويحاججه بالمنطق والعقل والحوار.
كما أن عمارة وقف موقفاً سلبياً من محنة المفكر نصر حامد أبو زيد، حين تم تكفيره، وتفريقه عن زوجته.
الأمر الذي يثير السؤال، حول جدية ومصداقية «الإسلاميين»، من مبدأ التعددية، واحترام الرأي الآخر، وحرية الفكر والتعبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الراحل محمد عمارة عن الراحل محمد عمارة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 04:50 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

"كورونا" يضرب بمتحوره الجديد وزيادة كبيرة في الإصابات

GMT 01:15 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثة فنانيين قدموا الأخرس في السينما المصرية

GMT 00:08 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

صناع فيلم " خلاويص" يهنئون الفنانة أيتن عامر بعيد ميلاد

GMT 01:57 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تحذيرات من نشوب حرب جديدة تقضي على وحدة العراق

GMT 07:52 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

"فورد" تطلق "إكسبلورر XLT" للقيادة على الطرق الوعرة

GMT 00:32 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

روسيا تنشر مئات المدرعات والدبابات في إستونيا

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 13:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصميمات مذهلة لحمامات أنيقة لمحبي التجديد والتميز

GMT 10:44 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة للقيادة بأمان في الخريف

GMT 11:21 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

المشروم يحد من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم

GMT 07:06 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

منتجعات إسبانيا تفرض غرامات مرتفعة الثمن في صيف 2018

GMT 11:47 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

الحزب الحاكم في "جمهورية شمال قبرص" يفوز في الانتخابات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday