النكبة وأخواتها
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

النكبة وأخواتها...!!

 فلسطين اليوم -

النكبة وأخواتها

أكرم عطا الله
بقلم : أكرم عطا الله

أحيا الفلسطينيون للمرة الثانية والسبعين الذكرى الكئيبة لطردهم من مدنهم وقراهم، ولم يكن أحد من جيل أولئك الذين ظلوا يحتفظون بمفتاح الدار يتخيل أن يطوى سنوات العمر الطويل ولا يعود إلى البيت الذي نسي أن يغلقه لسرعة الرحيل الفزِع، فقد ظل الباب مفتوحاً... وظل يحمل المفتاح كي يغلق البيت عندما يعود.

أحيا الفلسطينيون الذكرى هذه المرة بلا صخب وبأنين خافت نظراً للوباء الذي حرمهم من تجمعاتهم السنوية، أحيوها على الصفحات الزرقاء والعالم الافتراضي كقضية هي الأكثر واقعية في التاريخ الحديث، فقد تم استعمار دول ولكن لم يطرد أهلها، جاء المهاجرون اليهود ليعيشوا في فلسطين لا ليطردوا الفلسطينيين، هكذا اعتقدوا حين بدأت أولى الهجرات ولكن التاريخ كان مخادعاً.
منتصف ستينيات القرن الماضي وبعد عقدين من السواد، رفع ياسر عرفات صولجان الأمل من جديد بعد أن توزع الفلسطينيون على كل المنافي كأن القضية تبددت في كل العواصم، فقد جاء الرجل من بعيد معلناً تحدي التاريخ والجغرافيا ليبدأ رحلة الألف ميل من لا شيء، ويستولد من العدم قضية شعب ملأت الدنيا ضجيجاً.

الرحلة لم تنته بعد والنكبة لم تنته، ونحن بعد أكثر من سبعة عقود لسنا أقرب للحلم، بل أكثر يأساً وإحباطاً مما مضى، فقد جرت في نهر المشروع مياه كثيرة وحجارة كثيرة كأنها سقطت على رأس الفلسطينيين واحدة تلو الأخرى تضربهم، وما أن يرفعوا رؤوسهم حتى تأتي الأخرى. وتباعد حلم العودة أكثر وتباعدت المسافة التي اعتقدوا في البداية أنها ستكون قصيرة فقد تمددت على امتداد الكرة الأرضية وزاد تفتُّت الفلسطينيين الذين حاولوا جاهدين أن يتجمعوا في حركة وطنية واحدة نحو الحلم وإذ بهم يتصارعون في منتصف الطريق قبل بلوغه.

في منتصف الطريق ألقى لهم الإسرائيلي برشوة صغيرة أزاغت أبصارهم فتوقفوا عن السير. وبدأ صراع الإخوة الألداء بالدم وتأكد أن هذا الصراع ليس عابراً في تاريخنا، بل هو جزء من ميراثنا الشرقي الطويل، صراع على من يحكم هذا الشعب البائس الذي لم يكتمل حلمه بعد ومن يحكمه تحت الاحتلال وهنا اكتشفنا أن جيناتنا السياسية هي امتداد للثقافة العربية في الحكم والإقصاء حد الموت.

النكبة أن ننقسم تحت الاحتلال، النكبة أن نكتشف أن شهوة الحكم لدى الأحزاب أكبر من الوطن، النكبة أن نكتشف أننا لا نستطيع بناء مؤسسة، النكبة ألا نستطيع أن نجري انتخابات، والنكبة ألا نتمكن من تشكيل سلطة قانون، والنكبة حين يقارن الشعب بفقره بين الحكم الوطني والاحتلال، والنكبة أن يعرف أن بني جلدته يحاسبونه على الرأي وأن قواه وفصائله تحكم ولا تسمح بمعارضة حتى بأضعف الإيمان وتزجه في السجون لمجرد كلمة.

النكبة حين يكتشف الفلسطيني أن محيطه العربي ينهار زاحفاً كما رسومات ناجي العلي وكأنه تنبأ بمشهد كنا نعده ذروة خيال الهزيمة، فإذ بالهزيمة تصبح واقعاً وعلى الفلسطيني أن يفيق من أسوأ كوابيسه ليصدق أن هذا ما يحدث وأن الاندلاق العربي أبعد كثيراً مما تخيل وبلا ثمن حتى في حين كان يمكن أن يقايض.

منذ ربع قرن شكل الفلسطيني سلطته، وبدا كأنه قد بدأ بإزالة آثار النكبة ووضع قدمه على الطريق ليبدأ رحلة أخرى في سياق رحلاته التي لم تتوقف. أجرى انتخاباته وفرش بساطه أحمر اللون بدم الشهداء الذين صعدوا في معاركه الطويلة شكلوا سلطتهم التي كانت بداياتها متعرجة تغافل عنها لأن المؤسس كان أبو الفلسطينيين جميعاً، ولكن ما تراكم انفجر في وجوهنا فجأة.

وحين غاب الأب اكتشفنا أن الأبناء فشلوا في تقاسم سلطة لم تكتمل بعد، يتحكم الإسرائيلي بمنافذها ومعابرها وبنوكها وأموالها، وظهرت فاقعة أكثر وهو يؤمن للضفة وغزة ما يجنيهما الانهيار كي يستمرا، فالقتال الذي دار على أرض غزة قبل ثلاثة عشر عاماً تتضح معالمه الآن... أبعد الحلم أكثر وكشف عورتنا أكثر.. رفع الفلسطيني السلاح في وجه الفلسطيني كي يحكم شعباً من الفقراء، ويزيد فقرهم وهمهم وحزنهم حد الإفلاس.

النكبة استولدت أخواتها واستنسخت ذاتها بعد أول تجربة لحكم الفلسطيني، ما أن امتلك بدايات القوة وإذ به يستخدمها ضد نفسه بلا رحمة.
النكبة وأختها أن يكتشف الفلسطيني أن الفلسطينيين لن يتفقوا ويبشروننا بصراع إلى يوم الدين، وأن يكتشف أنهم لا يفهمون لغة الحوار ولا يجيدون التفاهم ولا التقارب، بل إن الانقسامات هي سمتهم وسياستهم وثقافتهم، وأن كل الشعارات التي قيلت لم تكن أكثر من كلام عابر منفصل عن واقع كان يبدد كل الإنجازات التي تحققت على امتداد عقود ماضية كان ثمنها كفيلاً بتحقيق الحرية والانعتاق، لا لإشباع غرائز السلطة تماماً كما المنطقة العربية وصراعاتها.

لقد داس الصراع بين الإخوة كل شيء، الحريات وحقوق الإنسان الذي ضحى بالكثير ليقام هذا الحكم وداس على القانون والنظام القضائي والشفافية، وداس معه أخلاق الخصومة لتنحدر إلى مستوى لا يليق بالسياسة ولا بالسياسيين ولكنه يليق بمن يتقاسمون طريدة، فالنهم الذي ظهر لا يشبه نزاع من يريدون بناء أوطان بل تدميرها. وها نحن نقف على الأطلال ولا شيء يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً، أما الذين يروجون بأن الوضع بخير فهم في حالة انفصال عن واقع أخذ في الغرق. فالنكبة استولدت نكباتها الجديدة ولكن بأيدينا نحن، انظروا إلى ما تحقق...!!!

قد يهمك أيضا :  

يبدو أن البشرية ستتعايش مع الوباء

نتنياهو على حافة الهاوية والجنرال في متاهته...!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النكبة وأخواتها النكبة وأخواتها



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 12:35 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 10:08 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 10:00 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 07:23 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

الصحف.. و"كورونا" في زمن "حماس"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday