أزمة كورونا واهتزاز المنظومات
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

أزمة "كورونا" واهتزاز المنظومات

 فلسطين اليوم -

أزمة كورونا واهتزاز المنظومات

عزيز شوابكة
بقلم : عزيز شوابكة

هناك أحداث مفصلية في تاريخ البشرية قد تظهر نتائجها مباشرة، أو قد تظهر تدريجياً عبر حقبة من الزمن. ما نحن بصدده اليوم من انتشار لفيروس كورونا، وتخييم شبحه على الكرة الأرضية برمتها، وما نتج عنه من التزام الناس بيوتهم، وتعطيل مرافق الحياة، وتوقف عجلة الاقتصاد، والتغيير في سلوكيات البشر الاجتماعية، حدث تاريخي بكل المقاييس، ونتائجه ستؤسس لحقبة جديدة ومتميزة بأدواتها ومفاهيمها عما سبقها من الحقب. حدث قد لا يقارن بأحداث أخرى في العصور السابقة كتلك التي حدثت في القرن الخامس عشر من فتح القسطنطينية، وزوال دولة الأندلس، واكتشاف العالم الجديد، لكن نتائجه المباشرة والمنظورة ستؤثر في حياة كل فرد فينا، وستعمل على خلق أدوار جديدة، وتعيد أدواراً لمؤسسات فقدتها في ظل الحداثة.

أول المتأثرين بهذا الحدث هي منظومة التعليم، فما أن أعلنت حالة الطوارئ حتى بادرت الجامعات والمدارس لإغلاق أبوابها أمام جمهور الطلبة والعاملين فيها، وبدأت تفكر في آليات لمواصلة العملية الأكاديمية في ظل شبح انتشار الفيروس. لم تكن هذه المؤسسات جاهزة للبديل، فبدأت مرحلة البحث والتجريب. هيئة أكاديمية غير جاهزة لخوض غمار التجربة رغم الممارسات الفردية والتجارب الاستكشافية التي لم تصل إلى كتلة حرجة، وطلبة اعتادوا  نمط التدريس التقليدي في تلقي المحاضرات، وبنية تحتية تنقصها سرعة الاستجابة لمتطلبات المرحلة. مع كل ذلك، وحيث أنه لا بديل إلا التعليم عن بعد، انطلقت المؤسسات الأكاديمية وفي مقدمتها جامعة بيرزيت، في خوض غمار هذه التجربة الجديدة، وأصبح الصف الدراسي موزعاً بين بيوت الطلبة والأساتذة، واستبدل اللوح الصفي بشاشة الحاسوب. أستطيع بكل أمانة القول أن ما حدث في جامعة بيرزيت من نقلة نوعية في تغيير أساليب التعليم من الوجاهي إلى التعليم الافتراضي خلال أول أسبوعين من انطلاق العملية، لم يكن ليحدث في سنوات لولا فيروس الكورونا، منذ حوالي عشرين عاماً هناك محاولات لتعميم تجربة التعليم الإلكتروني في التعليم العالي، لكنها بقيت محاولات عقيمة تنتهي بانتهاء مدة المشروع الممول.

الصعوبات التي واجهها الطلبة والأساتذة في بداية الانتقال إلى التعلم الإلكتروني لم تكن لأسباب تقنية، حيث استطاع معظم الأساتذة التعرف إلى البرمجيات المتوفرة واستخدامها، سواء كانت برمجيات مفتوحة المصدر مثل موودل، أو برمجيات يمكن الاشتراك بها مثل زووم. هذه الصعوبات نتجت عن أن التعلم الإلكتروني يتطلب منهجيات جديدة للتعلم والتعليم، يكون فيه الطالب محور العملية التعلمية والأستاذ موجهها، إذ لا يمكن الانتقال من التعليم الوجاهي إلى التعلم الإلكتروني مع الإبقاء على طرق التعلم التقليدية، والحفاظ على أدوار كل من المعلم والطالب كما هي عليه. وهذا ما ولد صعوبة في البداية خاصة عند الطلبة.

قد يظن البعض أن التعليم الإلكتروني فرض نفسه في هذه المرحلة لحل مشكلة آنية وينتهي استخدامه بانتهاء أزمة كورونا، وهذا في رأيي قصر نظر، وعدم استغلال للفرصة المتاحة في توظيف التعلم الإلكتروني والقفز به إلى آفاق جديدة لم تكن متاحة من قبل، فالتعليم الإلكتروني وجد ليبقى، وعلى المؤسسات الأكاديمية أن تبدأ في تطوير خططها وبرامجها للاستفادة من هذه الوسيلة، وذلك عن طريق وضع برامج جديدة تستهدف جمهوراً جديداً من المتعلمين خارج حدود الحرم الجامعي، كما يمكن الاستفادة من ذلك في دعم البرامج القائمة عن طريق التعليم المدمج.

فيما يتعلق بالمنظومة الاقتصادية، فقد شهدنا كيف أثر انتشار الفيروس على وسائل الإنتاج والخدمات برمتها، وأضحت قطاعات كاملة في جميع أنحاء العالم مصابة بالشلل التام نتيجة التزام الطبقة العاملة بيوتهم. ولعل أهم التوجهات الجديدة التي سيتم تبنيها في قطاع الصناعة والإنتاج هو العمل من البيت بدل المصنع والورشة، والاعتماد على الروبوتات الصناعية في تشغيل المصانع، لدرجة أنه يمكن القول إن عصر الروبوتات الفعلي في الانتاج وتقديم الخدمات قد بدأ بانتشار «الكورونا»، كما أن عمليات البيع والشراء على الشبكة العنكبوتية ستصبح نمطاً روتينياً في الحياة العامة.

من ناحية اجتماعية، فقد أعاد الفيروس للبيت دوره الذي فقده في عصر الحداثة، وأصبح العمل من المنزل سمة المرحلة، وانعكس هذا النمط من الحياة على علاقات الناس الاجتماعية والسلوكية، فالمناسبات الاجتماعية القائمة على التجمعات الكبيرة مثل الاحتفال بالأعراس والمشاركة بالأتراح أصبحت من الماضي، وتعزز مفهوم التباعد الاجتماعي بين الأفراد حتى داخل الأسرة الواحدة. وحيث إن أزمة «الكورونا» أصبحت أزمة البشرية بمجملها، فقد تعزز الشعور الانساني عند البشر، وتلاشى الشعور بالفوقية والتميز العرقي رغم أن هذا الشعور ساد في البداية خاصة ضد الآسيويين، حيث نشأ الفيروس وانطلق من هناك إلى أصقاع الأرض المختلفة.مهما يكن من أمر، فإن انتشار فيروس كورونا أحدث هزات عنيفة في كثير من المنظومات القائمة، والتي سادت لعقود عديدة، وقد يُحدث هذا الانتشار هزات ارتدادية، خاصة إذا أصبح هذا الانتشار موسمياً، وعلى البشرية أن تتكيف مع عودته وتغير من سلوكها وأنماط حياتها، فما قبل «كورونا» ليس كما بعده

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة كورونا واهتزاز المنظومات أزمة كورونا واهتزاز المنظومات



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:58 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

محمد رمضان يتحدّى منافسيه بفيلمه "هارلي"

GMT 01:45 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

بطولة كأس البحرين لسباق الخيل تنطلق في بريطانيا السبت

GMT 18:37 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

مفيدة شيحة تُهاجم غيتس خلال "الستات مايعرفوش يكدبوا"

GMT 07:55 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

انتخاب نساء أكثر في الحكومات يُقدّم مساهمات حقيقية

GMT 13:31 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

الدكتور علي جمعة يقدم برنامج "فن الدعاء" على "CBC"

GMT 05:28 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

إنتاج علاج جديد للسرطان يمنع انتشار المرض

GMT 20:24 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النجم حسن الفذ يُعلن عن استعداده لعرضه الفني الجديد

GMT 04:55 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

أستاذ تاريخ يشبه إزالة "رودس" بتدمير داعش آثار سورية

GMT 10:11 2015 الجمعة ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أسرار جمال اللون الكحلي في زفافك

GMT 06:28 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

7 أخطاء يجب عدم الوقوع بها في موضة الصيف

GMT 20:52 2020 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

طرق مذهلة لـ إخفاء الهالات السوداء بالمكياج
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday