آسيا عظيمة أيضاً
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

آسيا عظيمة أيضاً

 فلسطين اليوم -

آسيا عظيمة أيضاً

بقلم : سوسن الأبطح

نصف قرن من الرفاه الغربي، قام على أكتاف فقراء الآسيويين، من بينهم من يسميهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس «الفلاحين الصينيين». هؤلاء دفعوا من دمائهم، وروابطهم الأسرية، باهظ الأثمان، وقضوا أعمارهم، في أقبية مصانع الشركات العابرة للقارات.

لا تزال حادثة انهيار مبنى «رانا بلازا» الشهيرة في بنغلاديش التي ضجّت بها الصحف العالمية عالقة في البال، رغم مرور الأعوام. يومها ثلاثة آلاف عامل بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء، أصيبوا دفعة واحدة، بسبب إهمال شركات كبرى، نتباهى ونحن نرتدي ملابسها من دون أن نتذكر، أولئك الذين اضطروا للعمل في مبنى مشقق آيل للانهيار. ورغم أن طوابقه السفلية أخليت بسبب الخطر، شركات ملابس عالمية قررت أن على العاملات أن يبقين، فمتن ومنهن من بترت أطرافهن. الفقراء يرحلون بصمت، والأغنياء لهم الميكروفونات ومكبرات الصوت. حوادث العمالة، من تسمم، وسرطانات، وشلل، واختناقات، أصبحت مألوفةً في مصانع تدفع للعامل ملاليم، وتبيع منتجاتها «الراقية» بآلاف الدولارات.

انتقال المصانع الغربية إلى دول آسيوية مثل الصين والهند وفيتنام وبنغلاديش في ثمانينات القرن الماضي، الذي تعدّه أميركا إجحافاً بحقها، هو خيارها الذي عاش بفضله الغرب ترفاً استثنائياً بأرخص الأسعار، دافعاً بمهمة التصنيع القذرة إلى بؤساء ارتضوا المهمة تحت وطأة الحاجة، وجنت الشركات الغربية تريليونات الدولارات من الأرباح الخالصة.

بدأت المصانع بالانتقال مع الإصلاحات الصينية عام 1978، تلتها فيتنام مع إصلاحات «دوي موي» الاقتصادية عام 1986، أما بنغلاديش والهند فقد انضمتا إلى الموجة في تسعينات القرن الماضي. نعمة للمستثمر أن يتقاضى العامل البنغلاديشي 3 دولارات في اليوم، ويعمل 12 ساعة، مع تسهيلات ضرائبية وبنى تحتية. عززت أميركا هذا الوضع المربح باتفاقيات التجارة الحرة، وعدّتها من ملامح العولمة والانفتاح اللذين أثمرتهما حضارتها الليبرالية. فلا أولوية تفوق الربح الوفير والأكلاف المنخفضة، ولا قيمة تعلو على الحرية. أو ليس «العالم قرية صغيرة» حسب المفكر الكندي هربرت مارشال ماكلوهان، الذي ربما كان غيّر رأيه لو بقي حياً بيننا.

حققت «أبل» إيرادات بلغت 394 مليار دولار عام 2023 وحده، بفضل جهد عمال صينيين، يكدحون بمقابل هزيل من دون استراحة. أما أطفال الكونغو فيعملون في مناجم «الكوبالت» لتلبية الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية. ويعيش كثيرون في الهند، صاحبة رابع اقتصاد عالمي، على أقل من 4 دولارات في اليوم. في الصين ثمة نمو اقتصادي هائل لكن الفجوة الاجتماعية متسعة، والفروق ظالمة بين الريف والمدينة، ومعاناة جماعية بسبب النزوح إلى المراكز الصناعية.

لم يكن كدح الآسيويين في مصانع أغنياء الكوكب بلا تضحيات امتدت لأجيال. أصبحت نيودلهي بعدها من أكثر المدن تلوثاً بسبب كثافة المصانع. وحكي كثيراً عن الصين وهوائها القاتل، ولا يزال عمالها يعانون من أخطار المناجم على أنواعها، وبينها المعادن النادرة التي تتسبب بأزمات بيئية قاتلة، ويروج لها وكأنها تقطف كالتفاح من الشجر. متوسط دخل الفرد في الصين لا يزال دونه كثيراً في أميركا، وهو ما يفسر، بقاء تصنيفها، رغم عظم حجمها الاقتصادي والإنتاجي، ضمن الدول النامية، وهو ما تعترض عليه أميركا. حتى الأطفال السوريون اللاجئون في تركيا لم يسلموا من استغلال مصانع الشركات الكبرى.

نمت صادرات الصين من 20 مليار دولار عام 1980 إلى 2.5 تريليون دولار عام 2020. أدت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بعد 2018 إلى تحويل الاستثمارات إلى فيتنام وبنغلاديش، مما وسع نطاق الظاهرة. لكن الفائض التجاري الفيتنامي ارتفع من 39 مليار دولار عام 1918 إلى 123 ملياراً عام 2024، مما جعلها صاحبة ثالث أكبر فائض تجاري مع أميركا، بعد أن اعتمدتها الشركات الأميركية الكبرى مثل «نايكي» و«أديداس» و«أبل» لتصنيع منتجاتها.

فيتنام لم تخرج بعد من فقرها. الشعب الكادح تعبه المضني يستحق التأمل والتقدير. النساء، كما الأطفال قبل الرجال، ينبشون الأرض بأيديهم، يصنّعون قطع الحلوى واحدةً واحدةً، يغلفونها بصبر وسرعة شديدين، يلصقونها بعناية كما نفعل مع هدايانا الموسمية. مع ذلك استحق هذا الشعب ضرائب جمركية وصلت إلى 46 في المائة من أميركا في تعريفاتها الجديدة.

علماً بأن الحد الأدنى للأجور في مصانع الشركات الكبرى في العاصمة الفيتنامية لا يتعدى المائتي دولار في الشهر، وينخفض إلى النصف خارج العاصمة.

تقول رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إنها تريد أن تعود أوروبا عظيمةً من جديد، ويجب أن تعود أميركا عظيمة أيضاً. ونحن نريد أن تكون كل الأمم سعيدة، ومكتفية، وخارج دائرة الاستغلال. وهذا يستحق إعادة نظر شاملة، في دورة تجارية يعيش فيها جزءٌ من العالم على دماء وجهد جزء آخر، وكأنما سخّر البعض للبعض بشبه المجّان، وهذا ما تحاول دول آسيوية أن تتمرد عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آسيا عظيمة أيضاً آسيا عظيمة أيضاً



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 06:05 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 13:10 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 13:40 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 08:44 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 09:32 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 23:29 2020 الأربعاء ,06 أيار / مايو

كيف تصنع عطراً من الفواكه
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday