طلال عوكل
لا يجرؤ الموظف الأممي الأول، على أن يحرز لقب البطولة في أية مسابقة تتصل بالملفات الصعبة والمعقدة التي تعاني منها الكرة الأرضية، ولا حتى إن كانت تتصل بقضية يقاس عليها العدل والحق كالقضية الفلسطينية. ولا تستطيع الصحافة بكل أشكالها وألوانها من أن تضفي أهمية، على وظيفة وموظف، لا يملك من أمره شيئا، فالوظيفة بمضامينها تكتسب أهميتها من الجهة التي تستطيع منحها الأهمية او حرمانها منها، وكذلك الموظف الذي يجري تعيينه وفق مواصفات تستدعي منه أن يكون أقرب إلى المترجم ولو بلكنة غير أصلية.
لا يمس هذا القول، بالترحيب المفترض دائماً، بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أينما حل، وخصوصاً من شعب مظلوم محتلة أرضه كالشعب الفلسطيني، الذي يتمنى أن يكون وتكون قضيته محل اهتمام وتقدير من قبل كل من يتحمل أو يدعي المسؤولية في هذا العالم المضطرب.
بان كي مون زار الأراضي الفلسطينية المحتلة مبتدئاً بالضفة الغربية حيث مقر الشرعية الفلسطينية، وحيث يتخذ العدوان الإسرائيلي اليومي أبعاداً ويترك آثاراً أشد خطورة من العدوان المدمر الذي وقع على قطاع غزة، بدون توقف منذ بضع سنوات خلت. يتمتع الرجل بأدب جم وعاطفة جياشة، وأخلاق رفيعة، لكن موقعه لا يسمح له بأن يذرف الدموع، أو أن يلقي قصيدة رثاء على أطلال الدمار الكبير الذي تفقده في المناطق التي زارها، ولم يتمكن من زيارة كل آثار الدمار، ومن المحظور عليه أن يضع نفسه في مكان أحد الناجين من العائلات التي تعرضت للإبادة الجماعية.
هي ليست المرة الأولى التي يدلي بها بان كي مون بتصريح حول الحاجة لإجراء تحقيق في دوافع وأسباب ونتائج القصف الإسرائيلي لبعض المدارس والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، ولكنه لم يفعل شيئاً إزاء ذلك، وربما لن يتمكن من أن يأمر بتشكيل فريق للتحقيق لأن السيد الأميركي لا يروق له ذلك.
قبل تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، كان مجلس حقوق الإنسان قد اتخذ قراراً وشكل لجنة للتحقيق في شبهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، ولكن ها هي الأسابيع والأشهر تمر، بدون أن يتحرك شيء وبدون أن يدري أحد لماذا لم يتحرك فريق التحقيق رغم أن إسرائيل ناصبته العداء، ورفضت التعامل معه.
ربما يتراجع رئيس فريق التحقيق، أو حتى كل الفريق عن القيام بهذه المهمة في ضوء التهديدات التي تلقاها من إسرائيل وحلفائها، وربما استعادوا نتائج التقرير السابق الذي أعده زميلهم غولدستون وتحول إلى مجرد ملف في أرشيف أصبح مليئاً بالقرارات والاستنتاجات التي تتخذها مؤسسات دولية، وأبطلت الولايات المتحدة مفاعيلها.
وسائل الإعلام التي تركض وراء الحدث، وتستدعيه أحياناً، وتضخمه في معظم الأحيان لاحقت زيارة كي مون إلى قطاع غزة، محاولة البحث عن أبعاد مهمة، قد تسعف الفلسطيني الذي ينتظر الفرج من كل فرد أو جهة تدعي أنها تملك إمكانيات الفعل. بعض هذه الوسائل راحت تذهب في ردود الفعل الإسرائيلية على الزيارة والتصريحات التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، غير أن الردود الإسرائيلية لم تكن غامضة أو بحاجة إلى تفسير وتحليل.
من حيث المبدأ ترفض إسرائيل التعاطي مع أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة ويتعلق بالصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، بل وهي كل الوقت ومنذ تأسيسها لا تبدي أي اهتمام بما يصدر عن مسؤولين أمميين يتمتعون ببعض المصداقية، ويلتزمون بالحد الأدنى من قواعد الحق والعدل.
إسرائيل قابلت الزيارة بتصعيد خطير في القدس وفي محيط وقلب المسجد الأقصى، ما كان للضرير أن لا يراه، أو أن يصمت الأبكم عنه وكأن لسان حالها يقول، إنها هي صاحبة القرار والفعل حتى لو أنها غيبت عن مؤتمر دولي حول إعادة الإعمار ينعقد في القاهرة.
إسرائيل تعودت هذا السلوك المنهجي، ليس فقط كردود فعل على زيارات أو تصريحات يدلي بها مسؤولون من دول أخرى وإنما هي فعلت ذلك، ولا تتردد في أن تفعل ذلك، حتى حين يزورها مسؤول كبير من الولايات المتحدة، أو من بعض الدول الغربية الصديقة والحليفة. لا تتردد إسرائيل في توجيه الإهانات لمسؤولين من حليفتها، وحاميتها وداعمتها الولايات المتحدة، بما في ذلك الرئيس ونائبه ووزير خارجيته، وسجل الإدارة الأميركية شاهد على ذلك.
كان على الموظف الأممي الأول، أن لا يحصر دعوته للتحقيق فقط بشأن مدارس الوكالة، فهو الموظف الأول المسؤول عن الأمن والسلم العالميين، وبالتالي كان الأحرى به أن يعمل على تشكيل لجنة تحقيق في كل جرائم الحرب الإسرائيلية، تحت البند السابع. الاستيطان وما تفعله إسرائيل في القدس، جرائم حرب، بل حرب على الأمم المتحدة وقراراتها، فلماذا لا يبادر المنتصرون للأمن والسلم العالميين إلى الدفاع عن الأمم المتحدة وقراراتها وهيبتها التي تتطاول إسرائيل عليها ليل نهار؟ لا نريدهم أن يدافعوا عن حقوق الشعب الفلسطيني، وإن كان ذلك فرض عين، فليدافعوا عن كراماتهم، الشخصية والوظيفية، فليفعلوا ذلك وسيكون ذلك انتصاراً لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتصاراً للأمن والسلام والحق والعدل.