أن نبقى
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

أن نبقى

 فلسطين اليوم -

أن نبقى

عاطف ابو سيف
بقلم : د. عاطف ابو سيف

أين تكمن أولويات المشروع الوطني؟ السؤال الذي يجب أن يعيد ترتيب أفكارنا، ويجبرنا على إعادة النظر في نسق الواقع، والبحث عن الخروج من المعضلات التي نواجهها. من المؤكد أن ثمة حاجة ماسة لإعادة التفكير فيما نمر به، سيما أننا بعد قرابة ثلاثين عاماً من عملية السلام وربع قرن من عمر السلطة فإن المنجز الذي تحقق لم يكن بقدر المأمول، ناهيك عن مقارنة كل ذلك بطموحات الثائرين الأوائل حين خطّوا بيان «العاصفة»، ومن الراجح أن ثمة ظروفاً أكثر وحشية مما كان يتخيل الجميع، كان لها دور كبير في تعثر الحلم. ومع هذا فإن الكثير الذي يجب أن يقال عن إخفاقات ونكسات وتراجعات وربما سوء تقدير في بعض المواقف.

يمكن لجردة حساب طويلة أن تفرحنا في بعض الأحيان وأن تحزننا في بعضها الآخر. لكن المؤكد أن النهاية ليست كما أراد أبطال الحكاية، وربما من حسن حظنا أن الزمن يجعل الأشياء ممكنة، لكن من سوئه أيضاً أننا ورثة حلم كبير يقتضي الحفاظ عليه تضحيات ومعاناة. وبقدر إصرارنا على مواصلة الطريق بقدر عثراتنا في تخطي الصعاب التي تواجهنا خلال السير فيه.

إن جردة الحساب ستقول لنا أشياء كثيرة تحققت وكان إنجازها جزءاً من بقائنا على قيد الحياة وبقاء قضيتنا الوطنية على الطاولة، ولم تصبح مجرد ملف مهمل لمجموعة بشرية انقرضت من التاريخ، بل ظلت حاضرة. وإن هذا الحضور لم يكن ليتحقق لولا التضحيات الكبيرة التي تم تقديمها والتي عبرها ظلت فلسطين على الطاولة. وربما أن الثوار الأوائل فهموا الدرس جيداً وهم الشبان الذي دفنوا أحلام مقتبل العمر تحت مخداتهم حين تم إجبارهم على الرحيل من الفردوس الذي كانوا يعيشون فيه قبل النكبة. كانوا يعرفون أن الغاية النهائية لمشروع سرقة فلسطين لا أن تبقى فلسطين ولا أن يبقى الفلسطينيون، بل أن يبددوا، وأن يختفوا عن الوجود. لذا فإن ما تم خلال جرائم النكبة لم يكن ترحيلاً ولا «ترانسفير» مجردَين، بل كان فعل تطهير يقصد إلى عملية محو كامل يتم خلالها إفراغ الأرض من الإنسان ومن حكاياته وارتباطه العاطفي فيها.

لم تكن هذه المسألة بالبسيطة. لأن أحداً منا لم يكن له أن يوجد ويحافظ على فلسطينيته بعد أكثر من سبعة عقود. وإن المجرمين الأوائل الذين لاحقوا الشيوخ والأطفال والنسوة الحوامل بالبواريد والمتفجرات حتى يجبروهم على إخلاء بيوتهم، ما كانوا ليتصوروا أن أحد أنسال هؤلاء سيعاود سرد الحكاية التي تنتهي بأحقيته بالأرض وبالبيت وبإصراره على العودة إليهما. هكذا لم يكن ما تم من حفاظ على هذا الوجود والحفاظ على الحكاية وحكايتها من النسيان أمراً هيناً. وحين يعود حفيد الحفيد ليسأل عن البيت في يافا، فإن هذا يعني أن كل عمليات التطهير والإحلال والمحو قد فشلت وأن ثمة حساباً كبيراً لم يسو بعد.

ومع هذا يظل الشطر الآخر من هذه التسوية موسوماً بالإجابة عن السؤال المقلق: هل حقاً هذا ما نريد؟ لا أحد يمكن له أن يجيب إجابة صحيحة حول ما الذي كان يمكن أن يتحقق، ولكنه لم يتحقق لأن ثمة افتراضاً شرطياً لا يمكن أن يتم الجزم بوجاهته، لأن هذا ينافي المنطق إلا عند الطوباويين. وربما السياسة لا تعرف هؤلاء حقاً. عموماً تظل ثمة حاجة للإجابة عن التساؤل حول الواقع الذي وصلنا إليه، واقع يصعب معه قياس مدى النجاح لأن النجاح يبدو ضئيلاً وفق معايير محددة. ومع هذا فإن المؤكد أنه بالقدر الذي حافظنا على وجودنا إلا أننا لم ننجزه بشكل لائق.

من هنا كان البعض يفرق بين العودة إلى الوطن والرجوع إليه بوصف الأول تحقيقاً لنبوءة سياسية وليس مجرد فعل ينتقل فيه الإنسان من مكان لآخر. عموماً فإن جردة الحساب ستعكس فشل أوسلو مثلاً وتعيد السؤال البديهي: هل كانت أوسلو خطأ من الأساس؟ هل ثمة سوء تقدير في الذهاب لمفاوضات السلام مع إسرائيل؟ وإذا كانت الإجابة بنعم التي يفضلها البعض، فما هي الخيارات التي كانت متاحة ولم يتم توظيفها؟ وهل كان يمكن نزع القرار بالشروع في عملية السلام من سياق التحولات الكبرى التي ضربت العالم من تفكك المنظومة الاشتراكية (تراجع في معسكر الأصدقاء) وتصدع الجبهة العربية بعد حرب الخليج الأولى.

ولكن أيضاً لماذا كل هذه التحولات تصيبنا نحن ولا تمس عدونا؟ وهذا سؤال مشروع. مثلاً لماذا علينا نحن أن نتكيف مع الشرعية الدولية والقانون الدولي والقرارات التي يمكن لطفلتي «يافا» أن تقول إنها ظالمة بحقنا وبحق حقوقنا؟ لماذا لم يقم العدو بالتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه.

يبدو هذا النقاش مهماً ونحن نواجه استمرار انغلاق أفق أي عملية تسوية. ومع هذا فثمة حاجة للتفريق بين السلطة كمنجز وطني وجزء من استمرار وجودنا على هذه الأرض عبر كيانيتنا الخاصة وبين الدعاوي السوداوية التي ترى كل شيء في مصلحة الاحتلال في تقزيم كبير للجهود الذاتية. شتان شتان.

ورغم ذلك، فإن المؤكد أن بقاء الشعب الفلسطيني حياً ومتفاعلاً وممسكاً بحكايته وبحقه في استرداد أرضه هو الشيء الأهم في جردة الحساب تلك، وإن الكيانية الفلسطينية مهما تضاءل حجمها هي الحامية لحقيقة الوجود المباشر على الأرض وإن السعي لتطويرها يجب أن يكون الهدف الأسمى للمشروع الوطني. فجوهر هذا المشروع هي حقيقة أن الشعب الفلسطيني لم ينته وأنه موجود وسيواصل وجوده مهما تعاظمت قوة الاحتلال ومهما زادت جرائمه بشاعة. إن قوة على وجه الأرض لن تفلح في إقناع طفل فلسطيني بأن فلسطين ليست له.

وهذه حقيقة لم تدحض وتفشل مزاعم وطموحات المشروع الصهيوني، بل دللت على شيء واحد هو أن هذا الشعب الذي عليه أن يواجه الجوائح والمصائب أعزل لا يملك خياراً آخر إلا البقاء.

قد يهمك أيضا :  

الصهيونية والمشروع الاستعماري الغربي

فواجع الانقسام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن نبقى أن نبقى



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 10:32 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

ليدي غاغا تتألّق في حفل جوائز الأوسكار 2023

GMT 08:10 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أحمد زاهر يبدي سعادته بدوره في فيلم "هروب اضطراري"

GMT 16:52 2016 الخميس ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو موسى يحل ضيفًا على MBC" مصر" الجمعة

GMT 13:16 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

المُكرّمون في احتفالية محمد صبحي بمسيرته يردون على الهجوم

GMT 03:47 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تحطم طائرة استطلاع فرنسية في النيجر

GMT 19:38 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

تنظيم داعش يهاجم مواقع لجبهة النصرة في مخيم اليرموك
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday