لا أمة ولا شعب ولا دولة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

لا أمة ولا شعب ولا دولة

 فلسطين اليوم -

لا أمة ولا شعب ولا دولة

د. عاطف ابو سيف

يمكن للأحداث المتعاقبة في المنطقة العربية أن تكشف بوضوح شديد عدم نضوج الدولة الوطنية واكتمالها، وعدم تطور مفهوم الشعب المحلي الحاضن لهذه الدولة أو الذي تعبر هي عنه، كما يمكن تلمس غياب تناسق مفهوم الأمة العربية الجامعة. لم يكن الربيع العربي إلا ذروة اختمارات في رحم المنطقة العربية وتفاعلات تدلل على العجز المتواصل الذي أصاب الحالة العربية منذ نشوء الدولة القطرية وتوزيع المنطقة العربية بين الدول الإستعمارية وبعد ذلك جلاء هذه الدول وتعزيز فكرة الدولة القطرية، بالطبع باستثناء فلسطين التي وهبت بغير حق لليهود ليقموا دولة لهم تكون بديلاً عن الحضور الاستعماري برمته في المنطقة.
فمن جهة، فإن الدولة القطرية نفسها لم تنجح في أن تكون المعبرة الحقيقة عن تطلعات السكان الذين تعبر عنهم لا من جهة تقديم الخدمات اللائقة ولا من جهة الدفاع عنهم في وقت الخطر ولا من جهة التمثيل الحقيقي لهم ولتنوعهم السياسي والفكري. فجاءت الدولة قمعية تسلطية زبائنية يحتكر السلطة فيها مجموعة من قادة العسكر وحلفائهم من رجالات المال الذين سرعان ما سينصهرون سوية في علاقات أسرية وزواج وتبادل منافع، ولم تنجح في أن تكون دولة المواطنين القادرة على أن تكون ملكهم وليست ملك حفنة ضئيلة منهم. وعليه فإن الدولة العربية ظلت وطوال العقود التي تقل عن القرن من الزمن بقليل غير قادرة على أن تمثل مواطنيها خير تمثيل. ورغم الثراء الفاحش لبعض هذه الدول العربية إلا أن الدولة ظلت فقيرة وظل المواطنون يتسولون الحياة الكريمة ويشتهونها دون أن يدركوا منها إلا القليل، الذي توفر لفئة قليلة منهم. والثابت أن العلاقة غير الثابتة للدولة القطرية مع مواطنيها عكست نفسها بسرعة تخليهم عنها عند إندلاع أول مواجهات بينهم وبين أجهزة الدولة التي كانت بساطيرها دوماً فوق رؤوسهم، بل إنهم لم يتورعوا في اللحاق بميليشات لم يكن لها هم إلا أن تفتت الدولة وتعلن تحللها وانهيارها. والدولة العربية في التعريف الذي بات مألوفاً هي دولة آيلة للسقوط، بل إن بعضها قد سقط فعلياً ولم يعد من الممكن انتشاله من قاع البئر.
ومن جهة ثانية، فإن الشعب الذي تعبر عنه هذه الدولة لم يتشكل بشكل صحيح. فهو من جهة جزء من شعب أوسع أريد له أن يتبدد تحت سياط الدولة القطرية- الشعب العربي، ومن جهة أخرى فإنه شعب تشكل من خليط في الكثير من الدول من الأعراق وفي بعضها الآخر من المذاهب وفي البعض الثالث من كليهما. وليس في هذا عيب على الإطلاق إذ أن الدولة الحديثة هي دولة المواطنين بغض النظر عن أعراقهم ومذاهبهم. ولكن العيب في أن الدولة العربية لم تكن دولة حقيقة لذا فهي لم تكن دولة مواطنيها، بل هي دولة حاكميها. وعليه لم تفلح الدولة في تطوير هوية موحدة وشخصية جامعة للشعب الذي تمثله وتسعي لخدمته، بل قامت على قمع الهويات الفرعية. بالطبع الدولة غير مطالبة بتغذية هذه الهويات، بل كان عليها أن تقوم بخلق هوية أوسع وأشمل ترتكز على الولاء للدولة ولمصيرها على قاعدة التوزيع العادل للثروات والحقوق المتساوية وضمان التمثيل. أياً من هذا لم يحدث.   بل تم قمع الهويات الفرعية ولم يتم تطوير هوية أوسع، وتم حرمان المواطنين من حقوقهم ولم يتم توزيع الثروات بشكل عادل واقتصرت برامج التطوير والتنمية على فئة دون غيرها.  وهو ما نتج عنه عدم شعور الانتماء للدولة. لذلك لم تتورع مكونات «الشعب» في الانقضاض على الدولة في اللحظة المناسبة. علينا أن نتذكر أن هذه المكونات رغم ما قد يحب البعض من كيله لبعضها من تهم الولاء لجهات خارجية الكثير منها عرب خالصين مثل الشيعة العرب مثلاً، حتى أن المكونات الموالية للنخبة الحاكمة مثل السنة في الكثير من الدول فرّخت أخطر المجموعات تهديداً لاستقرار مفهوم الدولة، أقصد المجموعات الإرهابية المتطرفة.
أما من جهة ثالثة فإن المفهوم الجمعي الشامل للأمة العربية تفكك بشكل بات البحث عن احيائه صعباً. ليس لأن الدولة العربية الشاملة الواحدة لم تعد ممكنة على الأقل قريباً، وليس لأن الحكام العرب يتعاطون مع دولهم ممالك يجب الحفاظ عليها، وليس لأن القوى الاستعمارية ما قسمت البلاد حتى تسمح بتوحدها، وليس لعدم وجود رؤية قادرة على تثوير الحالة العربية وصولاً إلا وحدة حقيقة، ولكن إلى جانب كل ذلك لأن مفهوم الشعب العربي أيضاً تراجع امام ماكنة الإعلام المحلي الإقليمي وأمام تهويل الصورة المتضخمة للمصالح القطرية التي يجب أن تتعارض مع مصالح الجيران العرب أكثر من تعارضها مع مصالح الأعداء الحقيقيين للشعب العربي. النتيجة أن التضامن العربي المنشود ضاع. وليس من المؤكد أنه يمكن للمواطن العربي أن يشتري بضاعة الدفاع العربي المشترك التي يتم تبرير الهجوم على اليمن وفقها. دون أن يعني هذا الاعتراض على ما يتم في اليمن إذ أنني أجد نفسي واقفاً بجوار أي فعل عربي مشترك بالفطرة، لكن هذا الفعل يجب أن يكون ضمن رؤية أوسع وأكثر عمقاً وتقول شيئاً عن فلسطين التي ترزخ تحت نير الاحتلال منذ عقود أيضاً.
يبدو من المضحك أن نتذكر كيف نجحت داعش في أيام قليلة في السيطرة على مساحات شاسعة من العراق ومن سورية، وكيف أن الدولتين اللتين كانتا تصنفان في لحظة دولاً عربية قوية انهارتا فجأة. أيضاً الحال ليس أقل بؤساً في اليمن التي انهارات في أيام أمام زحف القبائل التي لم تجد لها مكاناً في الدولة، وكانت قد سبقتها في ذلك ليبيا. السؤال الكبير المتعلق في المستقبل يقول إن بناء الدولة العربية سوءا كانت قطرية ضيقة أو كانت الدولة العربية الكبرى (وهذه حلم يبدو بعيداً الآن)، يتطلب أكثر من مجرد إحكام الدولة  للسيطرة على البلاد. نريد دولة حقيقة!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا أمة ولا شعب ولا دولة لا أمة ولا شعب ولا دولة



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 14:19 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 08:30 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"العقرب" في كانون الأول 2019

GMT 11:41 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:54 2018 السبت ,17 شباط / فبراير

حقائق مثيرة عن العضلة الأهم في جسم الإنسان

GMT 21:54 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

"خريف" يحصد جائزة أفضل عمل في مهرجان "المسرح العربي"

GMT 14:18 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

روسيا توصلنا لاتفاق يرضي جميع الأطراف

GMT 11:52 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

صلاح يصارع من أجل الفوز بالحذاء الذهبي

GMT 17:07 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تامر حسني يبدأ تصوير الملصق الدعائي لبرنامج "ذا فويس كيدز"

GMT 13:49 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

كشف حقيقة صور هيفاء وهبي المفبركة على مواقع التواصل

GMT 06:09 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

مركبة "UFO 2.0" يخت مستقبلي بمثابة فيلا إنيقة

GMT 18:51 2016 السبت ,18 حزيران / يونيو

أسباب وفوائد كثيرة للشروع في الدراسات العليا
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday