د. يوسف رزقة
بوادر قلق تحملها التصريحات القلقة الصادرة عن قيادات سياسية وعسكرية صهيونية من توجه محكمة الجنايات الدولية نحو دراسة مبدئية للملف الإسرائيلي للتحقق من مبدأ وجود جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية ، وقد أفادت بعض المصادر أن نيتنياهو يحاول الاستعانة بجون كيري والإدارة الأميركية لمنع توجه المحكمة من مواصلة بحثها في هذا الملف.
واللافت للنظر أن تصريح نيتنياهو اتهم عمل الجنايات الدولية بأنه يقوض دولة إسرائيل؟! إن تصريح نيتنياهو، والقلق العام في مختلف التصريحات، ينبع من كون أن الحكومة الصهيونية هي أعلم أعضاء الكرة الأرضية بوجود هذه الجرائم المدانة بقانون المحكمة، وهي الأعلم في العالم بأنها مهما اختلقت من الأعذار ومن المبررات لا تسطيع إخفاء الحقيقة، أو منع الإدانة. وهي إن تحققت ذات تداعيات مؤلمة على القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية على المستوى الشخصي باعتبار أن المحكمة تلاحق الأفراد بغض النظر عن موقعهم في الدولة.
الجهة الوحيدة التي يمكن أن تحبط الأمل الفلسطيني بإدانة دولة الاحتلال، هي الطرف الفلسطيني نفسه، الذي ربما يخضع للضغوط العربية، قبل الخضوع للضغوط الأميركية، لأن ثمة أنظمة عربية لا تشجع الطرف الفلسطيني على المضي في خطوته، ومن ثمة إدانة إسرائيل.
دولة الاحتلال لديها خشية حقيقية من الإدانة، وهي لا تستطيع مطالبة محكمة الجنايات بمحاكمة السلطة أو حماس لسبب إجرائي بسيط هو أنها ترفض الانضمام الى المحكمة، وإن انضمامها يقوى الخطوة الفلسطينية، ويجعلها ملزمة بقبول نتائج التقاضي في المحكمة، وهي نتائج لن تكون في صالح دولة الاحتلال ، حتى ولو انحرفت المحكمة في إجراءاتها العدلية بسبب الضغوط السياسية.
نحن في فلسطين لا نعوّل كثيرا على المحكمة، وعلى أحكامها، لأن تنفيذ الأحكام بعد الإدانة المحتملة، ترتبط بشكل مباشر بمواقف الدول ذاتها، واسرائيل تتمتع بدلال واسع بين دول العالم بقيادة واشنطن، وهذا إن لم يمنع من صدور أحكام بالإدانة، فإنه من المرجح أن يمنع التنفيذ. ومع ذلك فتقدير الموقف الفلسطيني ينبغي أن يتعامل مع القضية خطوة خطوة، بمعنى أن نحصل أولا على الإدانة التي تمنع اسرائيل من الهروب من العدالة، ثم نبحث بعد ذلك في مبدأ ومتطلبات التنفيذ، لأن التفكير المسبق في كيفية تنفيذ الأحكام ربما يولد حالة من الإحباط التي تمنع من المضي قدما في إجراءات المحاكمة،وتجعل القيادة الساسية الفلسطينية قابلة للضغوط، وقابلة للعودة والتراجع.
محكمة الجنايات مهمة في مشروع النضال القانوني، ونحن في حاجة ماسة لهذا النوع من النضال، الذي تأخر كثيرا بسبب العبث التفاوضي، ونحن في حاجة لامتلاك حكم بإدانة حكومة الاحتلال، سواء نفذ النظام الدولي الحكم، أو توقف عن تنفيذه. لهذا كانت تصريحات قادة الاحتلال مسكونة بالقلق الحقيقي، مع البحث عن أليات وقف الإجراءات.