د. يوسف رزقة
حالة الفراغ هي إحدى أهم وأخطر مخرجات ما يسمى حكومة التوفق الوطني. حكومة التوافق غير موجودة في غزة بالمطلق. هي ليست موجودة على المستوى الإداري، ولا على المستوى المالي، ولا على المستوى الاقتصادي، ولا على المستوى الأمني، ولا على المستوى الاجتماعي، ولا على المستوى الصحي، ولا على مستوى التعليم ، ولا على مستوى الإعمار، ولا على غير ما ذكرت من المستويات، لأنها ببساطة قررت الغياب، ولا تريد أن تكون موجودة؟!!.
حكومة الحمد الله تلقت تعليمات محددة من رئيس السلطة للدخول في حالة غياب متعمدة عن غزة، ومن ثمة نشأت هذه الحالة من الفراغ الخطير؟! وهذه حالة مؤسفة وخطرة يحاول أن يسدّ بعض عيوبها من تبقى من حكومة إسماعيل هنية، من وكلاء، ووكلاء مساعدين ورجال أمن.
لقد سبق أن حذرت من حالة الفراغ المنظورة وغير المنظورة، وبينت بعض أخطارها المحتملة على المواطنين ، وعلى مصالحهم اليومية، ولكن يبدو أن مفهوم الفراغ، وأخطاره المحتملة لم تكن مدركة إدراكا جيدا من أصحاب القرار، ومن قادة الفصائل ، ومن أعمدة المجتمع المدني في قطاع غزة، وجلّ من ذكرتهم لاذوا بالصمت، وتسلحوا بالانتظار، والسكوت ، ومدوا يد الاستجداء للرئيس، ولرئيس حكومة التوافق، ولكنهم لم يظفروا بشيء مما يريدون.
بالأمس، الجمعة ٧ نوفبر ٢٠١٤ ، ومع انفجارات الفجر، في غزة، سواء في منصة مهرجان فتح في الكتيبة، أو في سيارات و منازل قادة محددين من فتح، أدرك أصحاب القرار في غزة من كافة الفصائل والتوجهات، ورجال الأمن، والعمل الحكومي، معنى حالة الفراغ الذي حذرت منها من أشهر خلت، حيث أمتلأت وكالات الأنباء، ومواقع التواصل الاجتماعي، باستنكار ما حدث، ومطالبة الأجهزة الأمنية بكشف الجناة، وتقديمهم للمحاكمة، وحذرت شخصيات كبيرة من خطر عودة الفلتان الأمني، وأعلنت حماس أنها لن تسمح بعودة الفلتان، وتهديد السلم الاجتماعي.
لا أبحث هنا عمن قاموا بهذه التفجيرات، ولا أبحث عن الأسباب التي تقف خلف هذه التفجيرات، ولكنني أبحث في البيئة العامة: ( السياسية والأمنية، والإدارية والمالية، وغيرها) التي خلقتها ما يسمى حكومة التوافق، و التي أتاحت الفرص الجيدة لمن يريد أن يستخدم السلاح لتحقيق أهدافه، والوصول إلى أغراضه.
هذه البيئة المسكونة بالفراغ، لم تهبط علينا قدرا من السماء، بل كانت من صنع أيدينا، حين لم تحسن فتح وحماس والفصائل صناعة حكومة التوافق، وصمتت لأكثر من خمسة أشهر على حالة الفراغ ، ولم تستشعر بتداعياتها الخطيرة حتى الأمس.
بالأمس وقع جزء من المحظور وفق الإجماع الوطني الرافض بشدة لحالة الفلتان الأمني، التي يجيدها عادة من يلعبون بالنار، ويفشلون في السياسة، وهنا أود أن أنبه أن جرس الفراغ دقّ قبل ذلك مرات ومرت دون أن يستمع القادة لدقات الجرس.؟!
لقد دق جرس الفراغ في وزارة الصحة لما أعلن الناطق الرسمي باسمها عن توقف شركة التغذية عن تقديم الغذاء للمرضى لعدم توفر المال. ودق جرس الفراغ في مسألة الإعمار ، وفي النازحين الذين يسكنون المدارس، بينما تدرس المدارس ( ثلاثة شفتات). جرس الفرغ دق في بيت كل موظف مدني وعسكري، ولكن ما نبه الغافلين بالأمس كان جرس الأمن، والتفجيرات الغاشمة فقط، لأنها استهدفت أمن المجتمع، وحياة المواطنين مباشرة. وكأن في القنابل حلّ لصراعات الأجنحة على السياسة والنفوذ.