د. يوسف رزقة
حين أنشأ اتفاق أوسلو السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة دون القدس، ودون إنهاء الاحتلال والاستيطان، قال الرافضون للاتفاق : إن السلطة الفلسطينية غدت به (وكيلا حصريا عن الاحتلال) تقوم بما يقوم به الاحتلال، وتنفذ ما تطلبه منها حكومة العدو أو تفرضه عليها فرضا.
وحين اشتدت هجمة أجهزة السلطة الأمنية على شباب المقاومة وعلى سلاح المقاومة، وغدا الشباب بين مطارد ومعتقل، إما عند السلطة، وإما عند المحتل الغاصب، قال جلّ الشعب صدق من رفضوا أوسلو ابتداء، وكذب وكيل العدو المحتل، حين أخفى طبيعة عمله ووظيفته عن الشعب إلى أن تمكن من السلطة، وفرض سيطرته.
بعد عشرين سنة من الوكالة الحصرية التي تستحل التنسيق الأمني( الذي هو عند جلّ المواطنين خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين)، باسم المصالح الوطنية، على قاعدة من يشرب الحشيش لأنه لم يحرم بلفظه في القرآن الكريم، وعلى قاعدة من يسمي الأشياء بغير أسمائها كمن يسمي الخمر باسم المشروبات الروحية تضليلا للناس، وافتراء على خالق الناس سبحانه.
لقد أضرّ الوكيل الحصري للمحتل ضررا بالغا في مقاومة الشعب الفلسطيني، وعطل مشرع الكفاح المسلح الذي تبنته فتح عند تأسيسها، وعوّق مشروع التحرير عشرات السنين، وحوّل اهتمامه، واهتمام الشعب المغلوب على أمره، نحو السلطة، والوظيفة، والرواتب، والمفاوضات، على حساب مشروع التحرير، وتقرير المصير، بعد أن وضع العربة قبل الحصان باتفاق أوسلو البغيض وطنيا.
بعد هذه الأضرار التي لا تعد ولا تحصى، وهي أضرار اعترف بها قادة في السلطة وقادة من فتح، وبعد عشرين سنة من التراجع المستمر للقضية الفلسطينية في ظل مناورات حكومات الاحتلال المتعاقبة، وتحت تأثير أفيون المفاوضات التي غرق فيها عباس وعريقات حتى فقدا القدرة على التنفس، وبعد أن فتحة بابا واسعا للأنظمة العربية لكي تتخلى عن مسئولياتها، نكتشف مؤخراً من خلال التصريحات التي زعمت أن حماس تفاوض على تهدئة بوساطة قطرية، أن السلطة أيضا هي (وكيل حصري للمفاوضات؟!)، وزعم شيخهم بحرمة مفاوضات حماس؟! وزعم يسارهم الشيوعي أن حماس وقعت في شرك مؤامرة دولية؟! وقال أكثرهم إنصافا إنه لا يجوز لحماس التفاوض غير المباشر على تهدئة لفك الحصار وتسهيل إعادة الإعمار بدون التفاهم مع سلطة رام الله. ؟!
وأحسب أن صاحب هذا الرأي الأخير يعيد ما قررته السلطات المصرية حين أصرت على رئاسة السلطة لوفد المفوضات على وقف إطلاق النار في تموز ٢٠١٤ م، ونسي أو تناسى فشل الوفد الموحد في تحقيق أهداف الشعب من وقف إطلاق النار، وفشل في استكمال عمله، ونسي أن السلطة تخلت عن واجباتها نحو سكان غزة عمدا ، ونسي أن السلطات المصرية توقفت عمدا عن استكمال الخطوة الثانية من خطوات مبادرتها لوقف إطلاق النار. هذا النسيان وذاك التعمد هو ما ظهر للعلن دراسات تطلب من حماس الاعتماد الذاتي على نفسها وطرق كافة الأبواب الممكنة من أجل فك الحصار، وتخفيف المعاناة وتسهيل الإعمار، واستكمال ما جاء في مبادرة مصر لوقف إطلاق النار، الأمر الذي أغضب ( الوكيل الحصري)، والعاملين معه، على الرغم من حالة التردد التي تسكن حماس عادة بعد وقف إطلاق النار.