«المعركة الكبرى» لم تكن هناك
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك

 فلسطين اليوم -

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك

بقلم-غسان شربل

سرقت الحرب السورية والحروب التي دارت على أرض هذا البلد، مباشرة أو بالواسطة، أنظار العالم على مدى سنوات. ولا غرابة في الأمر. سوريا دولة أساسية في المنطقة بموقعها، وما يحدث فيها يعني الدول المجاورة وتوازنات الإقليم وتجاذباته ونزاعاته، وبينها النزاع العربي - الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك أن سوريا كانت أيضاً مسرحاً لتدخلات الدول الكبرى من مواقع متناقضة ومتنافسة، فضلاً عن معركة واسعة ضد التنظيمات الإرهابية. ولا يغيب أيضاً أن الأحداث في سوريا اعتبرت حلقة من حلقات ما سمي «الربيع العربي». وهي حلقة أنجبت مأساة النازحين واللاجئين، خصوصاً بعدما سلك سوريون كثيرون طريق أوروبا.
كانت الحرب في سوريا مجموعة حروب متباينة المصالح والأهداف، تفترق في محطات، وتتداخل في أخرى. ودفعت حدة المواجهات كثيراً من السياسيين والمعلقين إلى الذهاب بعيداً في التحليلات والمخاوف. بينهم من اعتقد أن «المعركة الكبرى» تدور على أرض سوريا، وأن نتائجها ستحدد موازين القوى الدولية والإقليمية في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعدما قلب اللاعب الروسي الطاولة على الآخرين بتدخله العسكري المباشر. وثمة تخوف أن تطلق التدخلات الكبرى في سوريا أزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية في مطلع الستينات، التي وضعت يومها أميركا والاتحاد السوفياتي على شفير مواجهة نووية.
لا أريد أبداً التقليل من حجم الأزمة السورية والمأساة السورية. لم تختتم هذه الأزمة بعد، وإن تكن اتضحت بعض الخطوط العامة لنتائجها. ولا يمكن إنكار أن هذه النتائج ستترك بصماتها على سوريا نفسها وعلى بعض العلاقات في الإقليم. لكن بسبب الطبيعة الداخلية والإقليمية للأزمة، لا بد من التمهل قليلاً قبل إعداد لائحة كاملة بالخسائر والأرباح. فالأقوى في الحرب ليس بالضرورة الأقدر في الإعمار. وحسابات كبار المتدخلين لا تتطابق دائماً مع حسابات حلفائهم المحليين. يضاف إلى ذلك أن منطق الأيام المذعورة يختلف عن منطق الأيام التي لا تشبهها. وهناك من يعتقد أنه من التسرع أن تحتفل هذه الجهة أو تلك بوجودها العسكري على الأرض السورية؛ لأن الشعب السوري ليس معروفاً بتقبل الوصايات أو الرغبة في التعايش طويلاً مع أعلام كثيرة على أرضه.
لا يمكن إنكار أن الأزمة السورية وفّرت لفلاديمير بوتين فرصة مواتية لإبلاغ العالم أن روسيا جديدة قد ولدت على الصعيد الدولي، وأنه على الغرب أن ينسى روسيا المستضعفة غداة الانهيار السوفياتي والمصابة بعقدة أفغانستان، على غرار إصابة أميركا سابقاً بعقدة فيتنام. لكن لا بد من تذكر أن روسيا كانت حاضرة في سوريا قبل تدخلها، وأن أميركا في عهدي باراك أوباما ودونالد ترمب اعتبرت أن الفوز بسوريا لا يستحق إنفاق بلايين الدولارات ودم الجنود الأميركيين. تصرفت واشنطن على أساس أن مرابطة الجيش الروسي في سوريا لا تشكل انقلاباً على موازين القوى، ولم تتعامل مع مجريات المعركة في سوريا بوصفها المعركة الأخيرة أو المعركة الكبرى. وهناك من اعتقد في واشنطن أن سوريا ستتحول عبئاً على المنتصر فيها؛ لأنه سيتحمل عملياً مسؤولية إعادة إعمارها أو الاضطرار إلى توزيع الأرباح على آخرين إذا كان عاجزاً عن القيام بهذه المهمة.
يمكن قول شيء مشابه عن لاعبين إقليميين. فإيران ساهمت عبر «مستشاريها» والميليشيات التابعة لها في منع إسقاط النظام السوري، وتمتلك اليوم حضوراً ميدانياً على الأرض السورية، وربما داخل النسيج السوري نفسه. لكن لا بد من الالتفات إلى أن سوريا ما قبل الحرب كانت حليفاً كاملاً لإيران. ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ هل مشكلة النظام الإيراني هي في سوريا أم داخل الخريطة الإيرانية؟ وهي اقتصادية بالدرجة الأولى يفاقمها بلوغ الثورة عامها الأربعين مع استمرار رفض الممسكين بقرارها التحول إلى دولة طبيعية أو شبه طبيعية، على غرار ما حدث لثورات أخرى أنقذت نفسها باعتناق منطق الدولة والمؤسسات في الداخل والخارج. تركيا أيضاً وسّعت حضورها الميداني على الأرض السورية، متذرعة بالخطر الكردي على أمنها القومي. لكن هل مشكلة تركيا داخل الأراضي السورية أم مشكلة خيارات داخل الخريطة وخارجها؟ وهل تملك تركيا اقتصاداً يستطيع احتمال أعباء دور إقليمي كبير؟
في لندن يعتقد دبلوماسيون وخبراء أن حروب المواقع الاستراتيجية في العالم فقدت كثيراً من أهميتها السابقة. يرون أن «المعركة الكبرى» المفتوحة لن تدور بالأساطيل والمدمرات والتدخلات العسكرية. لقد تغير العالم. المعركة الكبرى تدور داخل السباق الاقتصادي المحموم. وهي تخاض في الشركات العملاقة والجامعات ومراكز الأبحاث. معارك تدور بأسلحة الابتكار والتجديد والتفوق والانتشار. معارك تحسمها أرقام المبيعات والاستثمارات والقدرة على التنافس.
يتحدث هؤلاء عن النتائج الأولية لـ«المعركة الكبرى» الفعلية. وهي تشير إلى أن المعركة ستستمر في السنوات المقبلة بين 5 كتل اقتصادية مؤثرة. هي الصين وأميركا والهند وأوروبا وروسيا. ويركزون على أن هذا السباق الذي لا هوادة فيه سيتأثر بمجموعة عوامل. هي التكنولوجيا والسكان والاقتصاد بمجمله والقدرة العسكرية. يشيرون في هذا السياق إلى تراجع ياباني محتمل، تحت وطأة شيخوخة المجتمع، وإلى افتقار البرازيل وجنوب أفريقيا إلى عناصر ضرورية لدخول نادي الخمسة، بينها حجم الكتلة السكانية.
تدور «المعركة الكبرى» بين اقتصادات ضخمة وشركات عملاقة. لهذا يتوقف المراقبون عند الحرب التجارية بين الصين وأميركا ومعركة خدمات الجيل الخامس للإنترنت. وهذا ما يفسر القلق الأميركي والغربي من شركة «هواوي» الصينية، وهي ثاني شركة اتصالات في العالم. فهذا النوع من الشركات قادر على أن يلحق بالدولة المنافسة أضراراً تعجز عنها الجيوش.
إننا في عالم جديد، شئنا أم أبينا. ما دار على الأرض السورية كان مهماً، لكن «المعركة الكبرى» لم تكن هناك.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك «المعركة الكبرى» لم تكن هناك



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 12:35 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 10:08 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 10:00 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 07:23 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

الصحف.. و"كورونا" في زمن "حماس"

GMT 04:20 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

معاوية محمد نور رائد الحداثة الأدبية الفكرية في السودان

GMT 14:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

ابرزي جمالك بالتوربان مع هذه اللفات العصرية الأنيقة

GMT 08:43 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تويتر تطلق سياسة جديدة بشأن التغريدات المخالفة المحذوفة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday