تونس عبقرية التوافق أو النظام القديم
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

تونس: "عبقرية التوافق" أو النظام القديم

 فلسطين اليوم -

تونس عبقرية التوافق أو النظام القديم

خالد الحروب

الانتخابات الرئاسية التونسية القادمة يوم 23 الجاري تشكل منعطفا كبيرا في التجربة التونسية الديموقراطية التي يراقبها العرب ويرون فيها التجربة الوحيدة الناجحة حتى في تجارب الربيع العربي. النجاح الحذر للتجربة اسبابه عديدة وليس الآن مجال نقاشه, وهي في مجملها اسباب تولدت عن السياق التونسي المدني وآلياته الداخلية, وعقلانية "خريطة طريق" ما بعد الإطاحة ببن علي, ثم المراقبة اللصيقة لما كان يحدث في بلدان عربية اخرى والاستفادة منها (مصر, وليبيا على وجه الخصوص). مقاربات اسلاميي تونس ورشدهم ساهمت في الحفاظ على مسار ما بعد الثورة توافقيا, واطفأت كثيرا من احتمالات الإنفجار هنا وهناك. وتخلي حركة النهضة عن الحكومة في مرحلة من المراحل لصالح تشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية عكس نضجاً متفوقا في صفوف الاسلاميين في تونس عندما نقارن ممارساتهم بإخوان مصر مثلاً او تطرف اسلاميي ليبيا. في سجالات الاسلاميين مع بعضهم البعض ومع خصومهم ثمة جدل عريض كان يُثار دوما بين خياري "المغالبة" و"المشاركة" في الحكم. انصار "المغالبة" هو الاكثر تطرفا وتوترا والظانون بأن مسألة الحكم نزهة لا اكثر ولا اقل. انصار "المشاركة" هم الاكثر عقلانية وهم من كانوا ولا زالوا يدركون ان قيادة اي بلد ليست كقيادة اي حزب او تنظيم، وان ما ينطبق على "الجماعة" لا يمكن ان ينطبق على البلاد بأسرها. "مغالبة" الاخوان في مصر قادت إلى كوارث سياسية, و"مشاركة" النهضة في تونس قادت إلى التطبيق العملي والناجح لمقاربة "التوافق الوطني". 
و"التوافق" ليس امرا سهلاً وميسورا لأنه يعني التنازل والمساومة والبحث عن ارضيات مشتركة, والإبتعاد عن الغرور السياسي الذي يوفره الفوز الانتخابي. والظافرية الانتخابية تأتي بمقادير هائلة من الثمالة التي تعمي المُنتصر عن رؤية الامور على حجومها الحقيقية. ذلك ان الفوز النسبي الانتخابي الذي يكون لا يكون إلا بنسبة مئوية ضئيلة, يتحول إلى "نصر مؤزر" يمنح صاحبه الحق الحصري للنطق بإسم الشعب والبلاد, والتنطع لإعادة كتابة الدستور, وصوغ المجتمع, وسوى ذلك. والقيادات, حتى العقلانية منها, يُسكرها النصر الانتخابي خاصة مع تسييد الشعارات الكبرى وضغط القواعد الحزبية التي تكون قد انتظرت مثل هذه اللحظة طويلاً.
على المستوى الوطني الاعم لا يبدو ان هناك مقاربة ناجحة سوى مقاربة التوافق قادرة على إحتلال الحقبة الإنتقالية التي تلي اي سقوط اي نظام استبدادي. ذلك ان المسارعة للقفز إلى انتخابات يكون الهدف منها حسم "القيادة الوطنية" لتؤول إلى قوة معينة تتصدى للحكم منفردة لا يحقق الانتقال الديموقراطي المطلوب. ليست هذه نظرية جديدة في التقعيد لمراحل الانتقال الديموقراطي بل هي النمط الاكثر نجاحاً في التجارب العالمية (وخاصة الامريكية اللاتينية). حال الدول والمجتمعات الخارجة من الاستبداد تكون خليطا من الهشاشة الوطنية, وفقدان القواسم المشتركة العميقة (ما عدا قاسم العداء للنظام الاستبدادي), وغياب التجربة السياسية والديموقراطية الحقيقية التي لم تكن لتتيحها عقود السلطوية والإنسداد السياسي. يُضاف إلى ذلك ان الخصومات الايديولوجية والسياسية التي تنشأ في الصف الوطني, رغم توحده على خصومة المُستبد, تنفلت من كل قيودها في مرحلة التحرر الثوري, وقد تتحول إلى آلات تدمير حقيقية إن لم يتم ترشيدها ولجم انفلاتاتها الهوجاء. على هذا, تكون نقطة البداية في حقبة التوافق الوطني, وكما طُبقت في التجربة التونسية, الإتفاق على الدستور الجامع, وهو اتفاق يجب ان يسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية. وعلى اساس الدستور التوافقي تنطلق العملية السياسية بمساراتها المتعددة. اما كتابة الدستور بعد اجراء الانتخابات التشريعية او الرئاسية فسوف يقود إلى التشكيك في حياديته واستمرار الاتهامات المُتبادلة بشأنه وبأنه كتب تحت تأثير الغالبية التي فازت بالبرلمان, او القوة المسيطرة على الحكم (مثلاً, الدستوران المصريان اللذان صيغا بعد ثورة يولو تعرضا ولا زالان يتعرضان للنقض وتهم الانحياز وعدم الحيادية). 
قطعت التجربة التونسية الى الآن اشواطا كبيرة ورائعة, وآخرها الانتخابات البرلمانية. ونتائج تلك الانتخابات تعزز منطق التوافق لأنها اشارت إلى عدم إمكانية اي حزب من الاحزاب الإنفراد بالحكم, وتفرض منهج المشاركة وإنشاء حكومة تآلف وطني. الشيء المقلق, مع ذلك، ان كثيرين يخشون ان يكون حزب نداء تونس هو حصان طروادة الذي يتسلل تحته النظام القديم برموزه وعفنه وفساده. من حق التونسيين ان يعلنوا عن تلك الخشية بأكبر صراحة ممكنة وبأعلى الصوت, وعلى نداء تونس ان يثبت العكس. ومصدر الخشية الثانية ان تتسلل الثمالة إلى نداء تونس وينحو بإتجاه اقصاء النهضة عن المشاركة في الحكم والنزوع نحو الاقصاء والتهميش عبر التحالف مع الاحزاب الليبرالية والعلمانية الاخرى, فتنقطع مسيرة التوافق الضرورية والمطلوبة والملحة في الفترة الانتقالية. في المراحل القادمة وبعد ان يترسخ المسار الديموقراطي تصبح خيارات الحزب الفائز بالانتخابات إزاء التحكم بالسلطة معقولة ومفهومة, لأنها ستقوم على ارضية صلبة. لكن الآن ما زالت تلك الارضية طرية ولا تتحمل انفرادات الاحزاب الايدولوجية بالحكم والسلطة. 
التخوفات التي تُثار حول "نداء تونس" قد تتعزز في حال فوز القائد السبسي بالانتخابات الرئاسية, وهذا يجب ان يدفع القوى الاخرى المنافسة للتوافق لإنجاح مرشح يعبر عن الربيع التونسي, وحتى يعادل فوز نداء تونس بالانتخابات التشريعية ويعود المشهد السياسي التونسي إلى نقطة توازن القوى التي تفرض على الجميع البقاء في منطق "التوافق". فوز القائد السبسي بالانتخابات الرئاسية يكسر ذلك التوازن, ويزيد من إغراء قوى النظام القديم كي تعود بقوة إلى الساحة, وهذه المرة على رافعة الديموقراطية والانتخابات. وإن حصل هذا فإن التجربة اليتيمة التي نعتز بها في المنطقة العربية تدخل مرحلة الخطر الحقيقي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس عبقرية التوافق أو النظام القديم تونس عبقرية التوافق أو النظام القديم



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 12:35 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 10:08 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 10:00 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday