غزة – محمد حبيب
كشفت صحيفة "هارتس" العبرية السبت، أن قادة التنظيمات اليهودية المتطرفة في دولة الاحتلال يستندون في تبريرهم إحراق الكنائس في فلسطين، إلى "أحكام فقهية" أصدرتها مرجعيات دينية، تؤكد أن "المسيحية هي ضرب من ضروب الوثنية والشرك، وبالتالي لا يجوز السماح بوجود المسيحيين ولا دور العبادة الخاصة بهم على أرض "إسرائيل". وحسب الصحيفة فان الذي يزيد تشبّث قادة التشكيلات اليهودية بهذا "الحكم"، هو أنه صادر عن الحاخام موشيه بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر، والذي يُطلق عليه اسم "الرمبام"، ويُعتبر أهم مرجع ديني لليهود، بعد النبي موسى، حيث يشترط "الرمبام" من أجل "السماح ببقاء المسيحيين على أرض "إسرائيل"، التزامهم بالفرائض السبع التي أُلزم بها أبناء نوح.
ومن خلال الاطلاع على نصوص هذه "الفرائض"، كما يعرضها موقع حركة "حباد" الدينية المتطرفة، فإن التزام المسيحيين بها يعني عمليًا تخليهم عن ديانتهم، كما أن "الفرائض" قد صيغت بشكل يُمثل إهانة لكل من يطالب بتطبيقها.
وقد جاهر زعيم تنظيم "لاهافا" المتطرف، الحاخام بنتسي غوفشتاين، مجددًا خلال مؤتمر "فقهي" نُظّم الأسبوع الماضي في القدس المحتلة، بدفاعه عن إحراق الكنائس، مستندًا إلى "فتوى" الرمبام.
وفي تسجيل صوتي، عرضته معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، أصرّ غوفشتاين على موقفه، الذي يكتسب أهمية نظرًا لأنه يأتي في أعقاب قيام التشكيلات اليهودية بالاعتداء على عدد من الكنائس وإحراق بعضها، كان آخرها كنيسة "السمك والخبز".
ولا يقتصر موقفه على مجرد تأييد "المسوغات الفقهية" التي ساقها "الرمبام" لتأييد الاعتداء على الكنائس، بل إن أفراد عصابته قاموا بإحراق مدرسة في القدس، لمجرد أنها تقوم على فكرة "الجمع بين طلاب يهود وطلاب مسيحيين".
ورغم مواقف غوفشتاين وسلوكيات تنظيمه، إلا أن كلاً من جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" والنيابة العامة للاحتلال يرفضان اعتبار تنظيمه "تشكيلًا إرهابيًا يتوجب إخراجه من دائرة القانون الإسرائيلي".
ويقول الباحث في "المركز الإسرائيلي للديمقراطية" عميت جبرياهو، إن "غوفشتاين وزملاءه يتبنون حكم الرمبام من المسيحيين والمسيحية ويعملون على أساسه، على الرغم من أن هناك آراء فقهية لا تتفق معه".
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها الصادر بتاريخ 30 يونيو/حزيران الماضي، يشدد جبرياهو على أن "تعمّد غوفشتاين تجاهل الآراء الفقهية الأخرى، يدلل على أنه لا يحرّكه حب الرب والتقوى، بل توجه قومي متطرف، عماده الكراهية ورغبة في تدشين دولة ترتكز على نقاء عرقي"، ويعتبر أن "هذا السلوك هو سلوك من خلا قلبه من الرحمة والحياء والإحسان"، محذرًا من إجراء جدل معهم بناءً على منطلقات مدنية وديمقراطية، على اعتبار أنهم لا يؤمنون بهذه القيم.
وجزم جبرياهو أنه لم يكن للجدل الديني الذي فجّره غوفشتاين وزملاؤه أن يعلو ويسود، لولا المناخ العنصري الذي أشاعته النخب السياسية العلمانية في حزب "الليكود"، مشيرًاإلى ما قاله نائب وزير الداخلية الليكودي في حكومة الاحتلال، يرون مزوز، الذي اعتبر أن دولة الاحتلال تسدي معروفًا لأعضاء الكنيست العرب بسماحها لهم بالتواجد في البرلمان. ويبدي جبرياهو تشاؤمه إزاء فرص إحداث تغيير في هذا الواقع، وزعم أن صوت غوفشتاين سيظلّ الأعلى لأن المرجعيات الدينية اليهودية لا تبدي استعدادًا لمواجهة خطابه.
من ناحيته يحذر الكاتب دوف هولبرتل من أن تشجيع غوفشتاين على إحراق الكنائس يعني تقديم المسوغات والمبررات للمس باليهود وكنسهم في جميع أرجاء العالم، ورأى أن هذا التعاطي قد يُفضي إلى اندلاع حرب دينية.
وفي مقال نشره موقع "والا"، الاثنين، اعتبار هولبرتل أن "إسرائيل" قامت بناءً على قرار الأمم المتحدة، وأن تسويغ وتشريع المس بالأقليات، سيمس بمكانة "إسرائيل" الدولية وشرعيتها.
وشدد على أن الاعتراف بالوجود السياسي لليهود على هذه الأرض، مشروط بمدى احترام الأقليات وحقوقها.
ويذكر أن صحيفة "هآرتس" قد كشفت في عددها الصادر بتاريخ 30 يوليو/تموز الماضي النقاب عن أن شرطة الاحتلال قد عثرت في منزل موشيه أورباخ، أبرز قادة المتطرفين اليهود، على وثيقة تتضمن مخططًا لإحراق الكنائس.
وذكرت الصحيفة أن الوثيقة التي أطلق عليها اسم "مملكة الشر"، تضمنت إشارة إلى سهولة إحراق الكنائس مقارنة بالمساجد، على اعتبار أن الكنائس تحتوي على أثاث كثير يمكن أن يساعد على الاشتعال.
أرسل تعليقك