كانت دائما تبحث عن شريك حياتها عبر موقع التواصل الإجتماعي الـ"فيسبوك", أو تقوم بمتابعة (قنوات الخطبة) وما أن تكتشف أن الشخص الذي إستمرت معه في علاقة صداقة و لشهور عدة يريد أن يلبي رغباته الجنسية وليس التواصل و الإرتباط وبناء أسرة مثلما أخبرها في أول مرة حدثها معها عبر الدردشة الصوتية.
"نور" فتاة في العقد الثاني من العمر تخرجت من إحدى الكليات الانسانية وفرصتها بالحصول على تعيين ضعيفة جدًا برغم تقديمها طلبات عدة للتوظيف في أكثـر من وزارة ،ولأنها جليسة البيت فان فرصة زواجها أصبحت ضيئلة .
تسرد نور حكاياتها إلى "فلسطين اليوم" قائلة : تعرفت على أكثـر من شاب وإستمرت العلاقة أحيانا وقتاً طويلاً وكنا نتحدث عن أمور الزواج وما أن أطلب منه أن يتقدم لخطبتي يبدأ بالانسحاب وعدم الرد على مسجاتي ومن ثم أفهم ان الموضوع انتهى وأن ما كان وحدث هو مجرد صفحة في عالم الفيس بوك أُغلقت.
صالح فيصل (40 عاماً) حاصل على شهادة جامعية، لكنه لم يحظ بفرصة عمل في مؤسسات الدولة، ما دفعه للعزوف عن الزواج لحين تأمين مستقبله. لكنه اليوم يفكر في الهجرة من البلاد، وقدم أكثر من طلب هجرة لمفوضية الأمم المتحدة.
يقول فيصل ،"لم تعد فكرة الزواج وتكوين أسرة تشكل حيزاً في تفكيري، وأنا أشاهد أمام عيني ملايين الأطفال الأيتام ممن فقدوا آباءهم في الحروب والتفجيرات، وملايين الأرامل والمشردين، فلا أرغب أن تتشرد أسرتي من بعدي لأني لا أستطيع أن أضمن لهم العيش بكرامة في بلدي للأسف".
ويضيف فيصل "شغلي الشاغل حالياً هو الحصول على فرصة لجوء إلى إحدى الدول الأوروبية وهناك سأبدأ من جديد، وربما أفكر في الزواج حينها إذا توفرت لي فرصة عمل مناسبة تضمن مستقبلي ومستقبل عائلتي".
عشرات الفتيات
نور واحدة من عشرات الفتيات التي توطدت علاقتها بأكثر من شاب رغبة منها بتكوين عائلة وتثق به كثيرا، لكنها تكتشف انها كانت تبني قصرا في الخيال ،وحالة الفتاة هالة من مواليد ( 1982) موظفة ، تختلف قليلا عن نور حيث تعرفت على شاب واستمرت علاقتهما سنة كاملة وتقدم لخطوبتها بشكل رسمي وحسب ما تقوله هالة في تصريح إلى "العرب اليوم" "جاء مع إمرأة ورجل وتقدم للزواج مني وفعلا كل شيء كان يسير على ما يرام وعائلته كانت مرتبة المظهر قليلة الكلام ، وأكدوا ان ولدهم هو الوحيد وباستطاعته فتح بيت وتكوين عائلة ،وفعلا تمت خطوبتي وقام بشراء الذهب وبعض المستلزمات الخاصة بالخطوبة، و بعد مضي أسبوعين على الخطوبة , قال انه سيقوم ببيع السيارة لتجهيز بيت الزوجية ،ومن ثم الاستدانة مني وكنت لا اُبالي لأنني مطمئنة انه غني وعائلته تتمتع بمستوى مادي جيد ،وما جعل الشك يدخل الى قلبي وعائلتي انه كان يرفض زيارتنا الى بيت عائلته ،ووصل الأمر الى انه طلب بيع ما اشتراه لي من ذهب ،وبعد الاستفسار من قبل عائلتي عنه اكتشفنا انه متزوج ولديه طفلان ويعمل سائقا على سيارة أجرة لا تعود له أصلا وهذه الخطبة ليست الأولى فما فعلته هو أنني أغلقت صفحة الفيسبوك حتى لا أتكلم مع أي شخص بعد ذلك" .
*التعارف بين الشباب
إن عملية التعارف بين الشباب جاءت بسبب الإنغلاق الذي كان يعانيه المجتمع العراقي بالذات ومن ثم تحديد العلاقات بين الجنسين، ووجد الكثير من الشباب في الانترنت فرصة للتعارف والصداقة والاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى ،ومع الاسف فان قلة ثقافة البعض لهذه الثقافات جعل البعض ضحية او استغلالها من قبل ضعفاء النفوس للنصب والاحتيال من اجل المال او حتى تحقيق غايات ورغبات خاصة ، في حين يرى البعض أن الزواج عبر الإنترنت هو ظاهرة حديثة العهد يصعب الحكم عليها، بينما اعتبره آخرون أنه لا بد أن يكون ممولا من قبل مواقع التعارف على الإنترنت ليكون دعاية ترويجية جيدة لها.
*التوافق والانسجام
تقول الطبيبة الاختصاص للأمراض النفسية انتصار العبيدي في تصريح إلى "العرب اليوم" امكانية نجاح العلاقات او فشلها لا تعتمد على الاختيار من شبكات التواصل الاجتماعي او حتى القنوات الفضائية ،مجالات التعرف في الوقت الحاضر تعددت وفرصة اللقاء أصبحت أسهل من الزمن السابق, ولماذا نقول ان الزواج عبر الانترنيت مصيره الفشل؟ هناك زيجات بالعشرات مصيرها الفشل والانفصال وحصل الارتباط باللقاء لمرات عدة وبالتعارف الذي يمكن ان نطلق عليه العادي من دون تدخل الانترنيت الأمر يعتمد على التوافق والانسجام والتفاهم المتبادل وليس على وسيلة الارتباط أي أن يكون جاداً في الزواج وليس مجرد قضاء وقت وهذا ينطبق على الفتاة ايضا حيث الأمر لا يتعلق بالرجال فقط ويتهمون بانهم يقومون بالنصب على الفتيات.. كم من فتى كان ضحية فتاة أقنعته بالزواج منها ليكتشف عندما يريد ان يتقدم لخطبتها انها متزوجة ولديها اطفال او انها كانت تقضي مجرد وقت للتسلية ؟!
*مشاكل لا تعــد ولا تحصى
حقيقة ما سردته لنا إحدى الزميلات من وقوع شقيقتها بمشكلة مع احد الشباب الذي كان يوعدها بالزواج وهو الذي تعرفت عليه عبر شبكة الفيسبوك، عندما طلب منها فتح الكاميرا ومشاهدتها بشكل لا اخلاقي ليقوم بتصويرها ومن ثم ابتزازها للخروج معه او نشر الصور على الموقع الالكتروني، وفعلا قام بإرسال الصور الى صفحات عدة كانت الفتاة مشاركة بالصداقة فيها ليتم فضحها وتدمير مستقبلها اضافة الى ان اغلب المشاركين في طلبات الصداقة كانوا اصدقاءً للفتى ويسكنون في المنطقة نفسها.
*فضائيات خاصة للتعارف
المقولة الشهيرة للقائد الفرنسي شارل ديغول "أعطني إعلاماً قوياً أغيـِّر لك الشعب في أسرع وقت" حيث نشاهد اعلانات الخطبة والزواج على قنوات خصصت لهذا الغرض بالذات وتعرض الحالة المادية للزوج بانها جيدة ومغرية ، وبالتالي تجد بعض الأسر نفسها أسيرة شبح الخوف من العنوسة على بناتها، ولا تمانع من التعارف عبر الخاطبة الفضائية، فهي في المجتمعات المحافظة تكون مرفوضة تماماً، على عكس الوضع في البيئات المتحضرة أو المنفتحة، قد يكون الأمر أكثر قبولاً لديها.
*تهديد بالمقاضاة عشائريا
تقول أم دانية في تصريح إلى "العرب اليوم" دائما أحاول ان أقدم النصيحة لأولادي وبناتي الاربع حتى لا يقعوا في مطب نفسي لكن أجدهم يتعلقون بالآخرين ويصابون بألم نفسي عندما يغيب الشخص الذي كانوا يتحدثون معه، وما حدث مع إحدى بناتي جعلني اكون حذرة جدا حيث دخلت على موقع التعارف وتعرفت على شاب وكان يتكلم معها لساعات طوال وطلب منها الزواج وفعلا تعرفنا عليه، وكل ذلك كان يحدث عبر الانترنيت لأنه يعيش في محافظة اخرى حسب قوله ولم نكن نعلم انه يقوم بتسجيل اللقاء معنا ومع ابنتي ليبتزنا بعد فترة من الوقت اما ان يقوم بعرض التصوير على اليوتيوب او ندفع مبلغاً من المال، ولو تدخل اولادي بالموضوع وتهديده بالمقاضاة عشائريا بعد ان استطاعوا وبمساعدة احد الاشخاص يعمل بالأحوال الشخصية من معرفة شخصيته وعنوان بيته .
*ازدياد حالات الطلاق
إن الزواج الأنجح هو الذي يتم بين أولئك الذين تعرفوا على بعضهم على مقاعد الدراسة أو خلال مناسبات اجتماعية والأضعف هو الزواج المبني على تعارف وقع عبر الانترنيت والموبايل ،ولهذا نجـد ان حالات الطلاق زادت في المحاكم العراقية وبنسب مخيفة جدا في حين يمكن ان يفسر طرف آخر ان الزواج عبر كل العلاقات قد ينجح وقد يفشل، سواء عن طريق التواصل المباشر أو عبر الإنترنت أو الفضائيات، سواء كانت علاقات عاطفية أو صداقات اعتيادية الأمر يعتمد على الطرفين وصحة العلاقة الحقيقة .
*الشباب بين الرفض والقبول
يقول طريف يوسف طالب جامعي اذا وجدت فتاة جيدة وجميلة وافكارها قريبة مني ليس لديَّ مانع من خوض هذه التجربة، فليس كل من تطلب عريساً عبر الفضائيات عوانس أو سيئات السمعة كما يعتقد البعض، ومثلما اسمح لنفسي بالتكلم مع الفتيات من حقها الفتاة ان تتكلم وتتعرف واذا حدث توافق ما المانع من تتويج العلاقة ،بينما علق زميله فهد منصور مهندس قائلا: الزواج علاقة عمر لا مجرد علاقة عابرة، أرفض أن أدخل تجارب عاطفية عبر هذا النوع من التعارف الكثير من اصدقائي يأخذون من هذه العلاقات سبيلا للمزاح والسخرية ولا اعتقد أنهم يبحثون عن زوجة بشكل جدي، ولذا أفضل ترك الأمر للقسمة والنصيب والتعارف المباشر من خلال الأسر والزملاء، ولا يزعجني أبداً إذا تأخر هذا النصيب، ومهما طال الوقت لن أتزوّج عبر الفضائيات او الانترنيت ،وأثبتت دراسات أخرى عدة تسببه في حدوث حالات طلاق وخلافات عائلية في مختلف البلدان العربية ومنها العراق الذي عرفت ساحات محاكمه الشرعية مؤخرا حالات طلاق مماثلة بعد ان تحققت احلام أبنائه بدخول التكنولوجيا الحديثة إليه في السنوات الاخيرة.
*باحث أمريكي : الزواج عبر الأنترنت أطول عمراً
التعارف عبر الانترنت يؤدي الى زواج سعيد وطويل الأمد، هذا ما توصلت اليه دراسة امريكية وهي تناقض الآراء المنشورة في هذا التحقيق حيث قام عدد من الباحثين ومن ضمنهم جامعة شيكاغو، جرت الدراسة على ما يقارب 20 الف امريكي من المتزوجين ما بين عامي 2005 و2012.
تبين للباحثين ان الأزواج من ضمن هذه العينة الذين تعرفوا على بعضهم البعض عبر الانترنت يبقون في الغالب مع بعضهم البعض اكثر من الاشخاص الذين تعرفوا على شركائهم في العمل او في الحانة، كما ان من التقوا عبر الانترنت اعطوا علامة اعلى لعلاقتهم الزوجية بالمقارنة بالبقية، كما لاحظت الدراسة ان الغالبية العظمى من الامريكيين مازالوا يتعرفون على شريك او شريكة العمر بعيدا عن الانترنت، وان الزواج الأنجح هو بين اولئك الذين تعرفوا على بعض على مقاعد الدراسة او خلال مناسبات اجتماعية او اماكن العبادة او نشأوا سويا، إلا ان النتائج المستخلصة من هذا البحث الذي نشر قبل اسابيع انتشرت كالنار في الهشيم عبر الانترنت، أثارت في المقابل الكثير من الشكوك حول دقتها، لكن ما يمكن استخلاصه من هذا البحث ان أعداد الذين يتعرفون على زوج او زوجة عبر الانترنت هي بازدياد واضح في الولايات المتحدة وبقية العالم، وهذا ما قد يفسر الاعلانات الكثيرة لمواقع التعارف ولإيجاد الشريك وغيرها من المواقع التي بدأت تتكاثر على الشبكة العنكبوتية مثل الفطر.
وكشف أكاديميون عراقيون عن ارتفاع خطير في نسبة "العنوسة" بالعراق، بسبب الهجرة المستمرة للشباب من البلاد بحثاً عن الأمان وفرص العمل في دول أوربية، أو دول الجوار، والتي شهدت أرقاماً كبيرة للمهاجرين الشباب، والمقبلين على اللجوء الإنساني في مختلف دول العالم.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، في تصريح صحافي تابعته "العرب اليوم "، إن "هجرة الشباب من البلاد ألقت بظلالها على الجانب الاجتماعي بشكل واضح، وأسفرت عن ارتفاع نسبة العازفين عن الزواج من الشباب، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة".
وكشف الغراوي عن أرقام كبيرة للمهاجرين العراقيين من الشباب، مبيناً أن "المفوضية السامية للأمم المتحدة استقبلت أكثر من 195 ألف طلب لجوء عراقي، فضلاً عن هجرة آلاف العائلات العراقية بطرق غير رسمية".
وتسببت أعداد المهاجرين الشباب في تفاقم مشكلة "العنوسة" داخل المجتمع العراقي، ما رفع نسبتها إلى معدلات مخيفة، فكثير من الشباب يعزفون عن الزواج بانتظار فرصة اللجوء إلى إحدى الدول الأوربية، فضلاً عن آلافٍ ممن هاجروا.
وقالت الباحثة الاجتماعية، بتول العبيدي، إنَّ "ما يفكر به الشاب العراقي حالياً هو الهجرة، ولهذا فإن نسبة العنوسة المرتفعة لا تأتي فقط كنتيجة لهجرة آلاف العراقيين، بل نتيجةً لعزوف من لم يهاجر منهم أصلاً عن الزواج بانتظار فرصة للجوء إلى أوروبا، حيث أصبح شغلهم الشاغل هو التفكير في الهجرة فقط، ما يعكس حالة اليأس التي وصل إليها الشباب العراقي".
وتضيف العبيدي تحتل هجرة الشباب المركز الأول في الوقت الحالي بين أسباب ارتفاع نسبة العنوسة بعد الأسباب الاجتماعية الأخرى، كالعادات والتقاليد وغلاء المهور وفقدان الأمن والأزمة الاقتصادية".
ويتصدر العراق الدول العربية في نسبة العنوسة بحسب الخبراء، ما يلقي على المختصين أعباء كبيرة في محاولة علاج هذه الظاهرة التي ظهرت آثارها السلبية على المجتمع، حسب ما يرى الباحث في شؤون الأسرة والطفل، مهيمن عبد العظيم.
أرسل تعليقك