الدوحة ـ فلسطين اليوم
تتجه الأنظار غدا إلى العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا" لإحياء الآمال في إيجاد حلول منطقية للملفات العالقة بين السودان وجنوب السودان بعد سنوات من صراع عنيف حصد تشريدا وقتلا ومآسي إنسانية، إذ تستجيب كل من الخرطوم وجوبا لنداء الاتحاد الأفريقي للاجتماع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لمناقشة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في سبتمبر 2012 على وقع استمرار حالة من التوتر وتبادل الاتهامات وعدم تنفيذ اتفاقيات الترتيبات الأمنية التي أبرمت في السابق كما يجب أن تنفذ.
وسينعقد ذلك اللقاء الذي يستمر يومين في إطار اللجنة السياسية والأمنية المشتركة بين البلدين في وقت تؤكد فيه الخرطوم على أن تلك الاتفاقيات تشكل أولوية قصوى لتطبيق اتفاق التعاون المشترك بين البلدين وبدونها لا يمكن اتخاذ أي خطوات للتطبيع الكامل تماما كما هو الحال في أي اجتماع مشترك، حيث إن عدم تفعيل الاتفاقيات السابقة ما زال حجر عثرة يحول دون إحراز أي تقدم في الملفات العالقة بين الشمال والجنوب.
وسيتمحور البحث أثناء اللقاء حول ملفات الترتيبات الأمنية، خاصة المتعلقة بترسيم الحدود وتحديد المنطقة الآمنة منزوعة السلاح وعدم إيواء الحركات المتمردة ضد كل طرف. وتشهد دولة جنوب السودان حاليا وبعد سنوات من الانفصال أوضاعا أمنية وإنسانية متأزمة، بسبب الحرب الأهلية المتفاقمة التي تعاني منها منذ ديسمبر 2013، ولم تفلح كافة الجهود الأفريقية والدولية لاحتوائها، نظرا لعمق الخلافات الداخلية بين القبائل المسلحة
وما زال جنوب السودان يعاني من الصراع الداخلي الذي قتل فيه الآلاف وتسبب بتشريد أكثر من مليونين، وبات نحو خمسة ملايين، أي أكثر من ثلث السكان، يعتمدون تماما على المساعدات الغذائية الطارئة وسط تدهور الاقتصاد في البلاد, كما أن اتفاق السلام الذي يفترض أن ينهي الحرب الأهلية المدمرة لا يزال هشا والبلاد على شفا المجاعة وفقا لتقارير صحفية. وكان كل من السودان وجنوب السودان وقعا في 27 سبتمبر 2012 اتفاق التعاون المشترك بأديس أبابا وشمل تسعة بنود تضم القضايا الخلافية المترتبة على انفصال الجنوب، باستثناء ترسيم الحدود
ومن أبرز القضايا النفط والأمن والمتمردون واتفاق "الحريات الأربع" الذي يمنح مواطني أي بلد حق الدخول للبلد الآخر بلا تأشيرة وإقامة مع حقوق العمل والتملك. ويبدو أن إرادة البلدين في البحث عن حلول لأزماتهما المشتركة أفضت إلى قبول الطرفين للمشاركة في اجتماعات أديس أبابا، حيث أعلن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور من جهته عن انعقاد اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين السودان وجنوب السودان بناء على دعوة من الاتحاد الأفريقي، كاشفا عن تلقي اللجنة المشتركة بين البلدين إخطارا من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لذلك الاجتماع، في حين أعلن وزير الدفاع في دولة جنوب السودان "كوال ميانق" كذلك موافقة بلاده على المشاركة في الاجتماعات ذاتها مؤكدا تلقيها دعوة رسمية من الآلية الأفريقية برئاسة "ثامبو أمبيكي" وذلك بغية استئناف التفاوض حول القضايا الأمنية والعسكرية مع الحكومة السودانية.
وفي هذا السياق، جدد وزير الدفاع في دولة الجنوب رغبة بلاده في إنهاء التوترات مع السودان وتطبيع العلاقات بالصورة المطلوبة متطلعا لحل كافة الملفات العالقة. وشهدت العلاقات الثنائية تصعيدا على عدة محاور حيث كانت حكومة السودان قد هددت في السابق بإغلاق الحدود المشتركة بين البلدين حال فشل جوبا في إبعاد المقاتلين المتمردين من أراضيها، عقب حصولها على وعود من النائب الأول لرئيس جنوب السودان "تعبان دينق" تفيد بأن جوبا ستبعد الحركات المسلحة السودانية عن أراضيها خلال مدة محددة. ووجه السودان اتهاما لدولة جنوب السودان بالاستمرار في دعم الحركات المسلحة بما فيها الحركة الشعبية (شمال)، فيما تتهم الدولتان بعضهما البعض بدعم المنشقين المسلحين المناهضين لها
لكن كلتيهما تنفي الادعاء، كما وتجددت اتهامات من كبار المسؤولين في حكومة جنوب السودان، بأن الحكومة السودانية ما تزال تواصل تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لمختلف الجماعات المسلحة التي تقاتل من أجل إسقاط حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت في حين اتهم جهاز الأمن السوداني السلطات في جوبا باستمرار دعم وإيواء الحركات المتمردة السودانية. وكشف الرئيس السوداني عمر البشير مؤخرا لدى حديثه في المؤتمر العام للحزب الحاكم عن تلقيه طلبا من - جهات لم يسمها - لإعادة الوحدة مع الجنوب، فيما ذكر مسؤولون أن "هنالك جهات تسعى لإعادة الجنوب إلى السودان ليعم الاستقرار والأمن"، في وقت طالب فيه آخرون بضرورة استفتاء الشعب السوداني حال الرغبة في عودة الجنوب.
وفي هذا السياق، يشار إلى أنه وبعد الحرب الأهلية الأولى (1983-2005) انفصل جنوب السودان عن السودان في التاسع من يوليو 2011 على إثر استفتاء. وحاول الطرفان التوصل في أكثر من مرة لحلول تنهي الملفات العالقة بين الشمال والجنوب ففي عام 2011 اجتمع الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت في جوبا، وأقرا البدء في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن الوضع الأمني في منطقة أبيي المتنازع عليها، وخلص الاجتماع الرئاسي الذي انعقد بحضور الوسيط الأفريقي "ثابو امبيكي"، إلى ضرورة تفعيل الاتفاقيات السابقة، وتناول الاتفاق ما يتصل بسحب قوات الجيش الشعبي التابع للجنوب من المنطقة وفتح مسارات العرب الرحل حيث يعد النزاع بشأن أبيي من أكثر الملفات التي من المرجح أن تشعل من جديد صراعا استمر عقودا بين شمال السودان وجنوبه.
وفي 18 سبتمبر 2011 وقع السودان وجنوب السودان اتفاقا بشأن أمن الحدود وهي أول مرة يوقع فيها البلدان اتفاقا من هذا النوع حيث يسود الحدود التوتر منذ إعلان استقلال جنوب السودان في يوليو 2011. وفي نهاية 2013 اندلعت حرب أهلية جديدة حيث انفجر النزاع داخل الجيش الذي يشهد انقسامات سياسية وعرقية يغذيها التنافس بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، وعاد مشار إلى جوبا تطبيقا لاتفاق السلام الموقع في أغسطس 2015 وشكل مع سلفاكير حكومة وحدة وطنية ولكن المعارك استمرت على الأرض، ورغم الاتفاقيات، إلا أن الواقع الميداني الأمني يشي بتعثر تطبيقها بانتظار أن تعيد اجتماعات "أديس أبابا" غدا وبعد غد الآمال نحو شراكة فاعلة بين البلدين عمادها الأمن والاستقرار.
أرسل تعليقك