مطاعم بغداد

ليس من السهل أن تكون الناقد الوحيد للمطاعم في بغداد.
«في السابق، عندما كنت أكتب، كنت أجرؤ على الانتقاد إذا ما اكتشفت أمراً سيئاً، ولكن منذ ستة شهور، امتنعت عن ذلك»، يقول أنس الصراف، مؤسس موقع «دليل مطاعم بغداد» الإلكتروني، معرباً عن اعتقاده أن «مَن يصرف مليوني دولار لافتتاح مطعم، بإمكانه أن يتخلى عن خمسة آلاف دولار إضافية لإرسال أحدهم للتعرّض لي».
راجع الصراف أكثر من 600 مطعم في بغداد منذ العام 2012، حين أطلق صفحته التي لاقت شهرةً واسعةً على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». أما اليوم، فهو يحرص على إخفاء رأيه حول المطاعم الجديدة، مستعيضاً عن ذلك بدعوة من اختبروا خدمتها ومطبخها ليدلوا بدلوهم حولها بكل صراحة، على موقعه.

ولكن ثمة عراقيل أخرى تواجه الصراف. في أحد الأيام، وجد نفسه محاطاً بعدد من رجال الأمن في مطعمٍ في مدينة الصدر، وبذل جهداً لإقناعهم بأنه يقوم فقط بالتقاط الصور، وليس التحضير لهجوم إرهابي.
بحسب تقدير هذا الرجل، فإن بغداد تشهد كل ثلاثة أيام افتتاح مطعمٍ جديد، سواء أكان مقهى صغيراً أم مقصداً يقدم مطبخاً بدرجات مختلفة. وبالرغم من الأزمة المالية التي يمر بها العراق، تحوم هوامش الربح لهذه الأعمال التجارية حول حدود الـ50 في المئة، ولا تمنى بالفشل سوى قلة قليلة منها.

«أصبحت المطاعم الملاذ الوحيد للعائلات لتخرج وتتنفّس»، يقول سلام مجبل المحمد، الشريك المؤسس لمطعم «سكوزي» الذي افتتح مؤخراً في حي الجادرية الراقي في بغداد. ويضيف أنه أنفق وشركاؤه مليوني دولار على هذا المطعم، الثالث لهم في العاصمة العراقية. الجزء الكبير من كلفة افتتاح مطعم يذهب إلى شراء الأرض، حيث يبلغ المتر المربع الواحد في الأحياء العراقية التي تعد راقية ستة آلاف دولار. اما استئجار عقار فقد يصل إلى 250 ألف دولار في السنة.

وبسبب الخيارات المتنوعة والمتوفرة، تسعى المطاعم الأنيقة إلى جذب الزبائن بوسائل أخرى غير الطعام. هكذا، يعرض مطعم «سكوزي» في طوابقه الثلاثة أعمالاً فنية عراقية للبيع، فيما ينظر مدخنو النرجيلة في الطابق الثالث إلى سماء بغداد من خلال كوة زجاجية تتدلى منها النباتات. وتصدح الموسيقى في مطاعم أخرى، كما تتنوع المطابخ في العاصمة العراقية، منها اللبنانية واليمنية والتركية والصينية. أما المنافسة على الطباخين الماهرين فشديدة. وفي هذا الإطار، يقول الصراف إن رواتب بعض هؤلاء قد تصل إلى تسعة آلاف دولار شهرياً.

وساهم ازدهار المطاعم في بغداد في إنعاش أعمالٍ أخرى، إذ اشتد الطلب على النجارين والموسيقيين ومهندسي الديكور. أما الضرائب التي يدفعها أصحاب المطاعم للدولة فقليلة. وفي إحدى الدول الأكثر فساداً، لن تسمع أسئلةً مثل «من أين لك هذا؟»، حول مصدر الأموال التي استثمرت لإنشاء هذه الأعمال. لكنك قد تسمع أشياء أخرى في أماكن أكثر قرباً. عناصر أمن غير رسميين يسيطرون على بعض مواقف السيارات، ويطلبون الكثير. هؤلاء قد يقولون لك: «إذا لم تدفع، فسنحرق مطعمك!».